موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
© Mazur/cbcew.org.uk
بعض من خطاب تمييزي عنصري، يحض على الكراهية، تسلل إلى المجتمع الأردني في السنوات القليلة الأخيرة، بحسب مختصين ورجال دين وخبراء قانونين، أكدوا أنه "خطاب دخيل، لا يمثل الأردنيين ولا يعكس قيم المجتمع ومبادئه التي نشأت معه ونشأ عليها".
ويجمع رجال دين إسلامي ومسيحي، على أن ذلك الخطاب، على قلته، يدخل في باب الفتنة والطائفية المنبوذة مجتمعيا، فيما يؤكد خبير قانوني أن خطاب الكراهية يشكل خروجًا على مبدأ حرية التعبير التي كفلها الدستور، وبالتالي فإنه يعد جريمة وفقا لنصوص قانون العقوبات النافذ.
وكانت زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني لمدينة الفحيص ولقاؤه عددًا من أبنائها في منزل الوجيه قيصر الداوود، الاثنين، شكلت رسالة حاسمة تعكس حرص جلالته على تعزيز مبدأ العيش المشترك، وتكريس ثقافة الحوار بين مختلف الأديان السماوية، إلى جانب الدفاع المستمر عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتمكينه من ثوابته الوطنية، وحق الشعب الفلسطيني في الحرية والحياة.
وقال الملك، وفق عدد من الحضور، أنا مع الجميع وأقف على مسافة واحدة بين كل المواطنين، مؤكدًا أن الأفكار العنصرية دخيلة علينا ولم تنشأ في بلدنا، وتقع على عاتق مدارسنا مسؤولية تنشئة جيل يؤمن بقيم المواطنة والعيش المشترك. كما أشار الملك خلال الزيارة إلى أن على المسؤول اتخاذ إجراءات صارمة بحق أي شخص يحارب هذه القيم وينشر الكراهية، مؤكدًا أن واجبنا جميعا نبذ الكراهية.
وزير الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية الاسبق الدكتور وائل عربيات، خاطب من أسماهم "دعاة الفتنة والطائفية والكراهية" في الأردن، بـ"اننا سنبقى؛ مسلمين ومسيحيين، اسرة واحدة، واصحاب هذه الارض الطاهرة، على الدوام نواجه التحديات معًا".
ودعا عربيات الى عدم الانجرار وراء مختلف محاولات زرع الفتنة بين مختلف المكونات الاجتماعية الأردنية، والحفاظ على العيش المشترك، والتنبه الى التحديات في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها امتنا وتواجه المملكة. وأضاف "إن الاردن يسعى على الدوام وفي ظل انتشار قوى الإرهاب والتطرف، إلى نشر قيم التسامح والمحبة بين اتباع الأديان السماوية لتحقيق الأمن والاستقرار لشعوب العالم المختلفة".
وقال عربيات، نفخر في الاردن ان من الله علينا، بقيادة هاشمية حكيمة كرست جهدها على الدوام للعمل على نشر ثقافة العيش المشترك، والمحبة والوئام، وتعزيز القيم الإنسانية النبيلة ونبذ ثقافة الكراهية، فجعلت من الاردن عنوانًا لأخوة إنسانية، تعظم الجوامع المشتركة بين البشر، وتتجاوز الاختلافات في الاجناس والاعراق والاديان. وتابع: إن الديانات السماوية، وبما تحمله من قيم إنسانية وروحية، تدعونا جميعًا الى السمو الروحي والأخلاقي، لهذا فان اي ممارسات، مهما كان شكلها ومضمونها، تحاول الاساءة الى الاديان السماوية واصحابها واتباعها، انما هي محاولات بائسة ومنبوذة.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بالجامعة الاردنية الدكتور ليث نصراوين قال إن جريمة "خطاب الكراهية تعد من القيود أو الحدود المشروعة التي يمكن أن ترد على الحق الدستوري في حرية الرأي والتعبير"، فعلى الرغم من أن المشرع الدستوري قد كفل لكل فرد الحق في حرية التعبير عن نفسه وآرائه بوسائل التعبير كافة، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة بل يتم ممارستها وفق أحكام القانون، وفي حال تجاوز هذه الحرية وممارستها على خلاف الأصول المقررة لها في التشريع تصبح جريمة جزائية يعاقب عليها القانون.
وأضاف، إنّ القانون الاردني يتضمن نصوصًا واضحة وصريحة تحظر خطاب الكراهية وذلك في المادة (20) من قانون الاعلام المرئي والمسموع رقم (26) لعام 2015، التي تنص على التزام المرخص له بعدم بث ما يخدش الحياء العام، أو يحض على الكراهية والإرهاب.
وأشار نصراوين إلى انه تم وضع نص جديد يعاقب على الكراهية في قانون العقوبات الاردني في عام 2017، وهذا السلوك التشريعي في إضافة بند خاص بتجريم هذا السلوك اساسه أن جريمة خطاب كراهية واجهت المجتمع الأردني فكان لا بد من التصدي لها والمعاقبة عليها، فجرى تعديل المادة (467) من قانون العقوبات بالنص على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة، كل من حرض على كراهية بأي وسيلة كانت، وفي أي مكان كان".
وبناء على ذلك، يوضح نصراوين أن جريمة خطاب الكراهية تعد حديثة على المجتمع الأردني ولم تكن معروفة لديه حتى عام 2017، مشيرا الى ان انتشار استخدام الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ساهم بظهورها، وبالتالي اصبحت الوسيلة الاكثر سهولة وشيوعا لبث عبارات تحتوي على خطاب الكراهية. وتابع "هناك تشريعات نافذه للحماية من خطاب الكراهية في المجال الاعلامي بقانوني الاعلام المرئي والمسموع والعقوبات، وهناك أحكام قضائية صدرت في المحاكم الاردنية ادين فيها اشخاص بجرم خطاب الكراهية".
ويقول مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب الدكتور رفعـت بدر، من السمات المميزة التي نفخر فيها ومنذ البدء هي سمة التواصل بين القائد وشعبه، فجلالة الملك لا يتعب ولا يمل من زيارة المواطنين في أماكن سكناهم، وفي مختلف مدن وقرى المملكة العزيزة، فنراه يومًا في وادي رم ونراه في البتراء ونراه في أم قيس، وها نحن أمس قد رأيناه في مدينة الفحيص، القريبة جغرافيًا منه والقريبة أيضًا معنويًا، لذلك لم نتفاجأ صراحة من هذه الزيارة الكريمة التي أتت مع مطلع هذا العام، ومع موسم الاحتفال بميلاد وعماد السيد المسيح، فهو يأتي ليقول كما ابتدأ كلامه خلال الزيارة (كل عام وأنتم بخير)، وهذا هو رمز للتواصل وللمحبة الموجودة صراحة، وهي محبة متبادلة بين القائد وشعبه.
وتابع: المميز في هذه الزيارة أنها تأتي بعد عاصفة من الاحتجاجات ومن السجالات على السوشال ميديا، التي خلقت نوعًا من التوتر بين السكان وبين المواطنين، ولم نعتد طبعًا على هذه الصورة، المعتاد أن نكون أسرة واحدة متحابة، متراصة، متضامنة، ومتكاملة: الواحد يكمل الآخر وليس هنالك توقف عند الفروقات العرقية أو الدينية أو الطائفية أو حتى الحزبية.
وأضاف "نحن اليوم أمام مشهد جميل جدًا وهو أن الملك يزور ليستمع، وهذه أيضًا سمة من سمات جلالته أنه يستمع إلى شعبه مباشرة بدون وسائط وبدون تكلّف، هذا أيضًا ما يشجّع الشعب على أن يقول له ما يريد وما يفكر به وأحيانًا ما يؤلمه وما نأمل بإصلاحه في المستقبل، هنالك قضايا تهمنا جميعًا ومنها الإصلاح السياسي، والإصلاح الاقتصادي لتحسين معيشة المواطنين، وهناك أيضًا قضايا تهمنا كمسيحيين وكمسلمين أولاً لأن جلالة الملك له صلة خاصة مع المقدسات في القدس الشريف، كوصي شرعي على مقدساتها، وأيضًا مع المقدسات الأردنية التي تعتبر بتاريخيتها وعراقتها جوهرة السياحة الدينية وبالتالي الرافد الكبير للإقتصاد الوطني".
ثانيًا، بحسب الأب بدر، هنالك هذه اللحمة بين العشائر الأردنية وبين الأفراد والمؤسسات المسيحية والاسلامية، المؤسسات الدينية الروحية والمؤسسات التعليمية وإلى كل مؤسسات الوطن التي تخصنا جميعًا، ما شهدناه يوم أمس هو أن يعود الأردن ويعود المواطنون ويعود كل الشعب الأردني إلى الأصالة الأردنية التي نتغنى بها دائمًا، اي الى الحياة الاعتيادية، والتي ورثناها عن الآباء والأجداد والتي لم يكن هنالك أي متسع وأي امكانية لخلق لا سمح الله فتنة أو تشنج على أساس الاختلافات الدينية.
وأشار بدر إلى أن السوشال ميديا طبعًا لها مفعولها في هذه الأيام، وقد قالها الملك قبل ثلاثة أعوام بأن لماذا نحول وسائل التواصل إلى وسائل تناحر. وأكد الأب بدر "إننا كلنا مع الملك للنهوض بوسائل إعلامنا وبالأخص بوسائل الاعلام الحديثة، لكي تكون بانية ومبنية على المحبة والألفة والتعاون لخدمة وطننا الواحد، وإن شاء الله نقوم بعمل مبادرات في هذه السنة لتمتين اللحمة الوطنية من خلال تشجيع شبابنا وشاباتنا على الاستخدام الحسن والأخلاقي لوسائل التواصل الاجتماعي لتعود وسائل بناء وليس وسائل هدم لا سمح الله".
وشدد الأب بدر على أن التطرّف والتشنج والتعصب ليست من شيم بلدنا الحبيب، أو مواطننا الأردني الطيب من اصله، ولم تكن ابدًا بين العشائر الاردنية، لذلك ان زيارة جلالة الملك يوم امس ولقائه مع اخوته في الفحيص، هو لقاء مع الاسرة الاردنية الواحدة والطيبة والمتحابة والمركزة على البناء لمستقبل افضل، نبنيه كمسيحيين ومسلمين معا، خلف قيادة جلالة الملك الحكيمة.
من جهته، أكد المحل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، أن الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، يُمثل نموذجًا في العيش المشترك والتآخي بين جميع المكونات الاجتماعية والدينية والعرقية. وتابع: لقد شكل اختلافنا في الأردن على الدوام مصدر قوة لنا، وخطابنا لم يكن يومًا إلا خطابًا جامعًا، يُعظّم القواسم المشتركة بين مختلف الأديان السماوية، موضحًا اننا في الأردن على الدوام كنا دعاة نشر ثقافة المحبة والوئام، ونعمل على تعزيز القيم الإنسانية، ونبذ خطاب الكراهية والعنف، لنشكل بذلك عنوانا لإخوة إنسانية نفاخر بها.
ولفت الحجاحجة النظر إلى أن الأردن، يؤكد أهمية حوار الحضارات، فجلالة الملك عبدالله الثاني أول من دعا إلى تشجيع الحوار بين الأديان، والسعي نحو بناء ثقافة الوئام والاحترام بين اتباع الديانات، وهذا نابع من إيمان جلالته والأردنيين، بضرورة العمل المتواصل من أجل تعزيز مناخات الوئام، واحترام الإنسان وخصوصيته وكرامته وحريته، لذلك جاءت رسالة عمّان التي تدعو إلى قبول الآخر، وتؤكد اهمية تعظيم قيم المحبة والتسامح والاعتدال، ونبذ العنف والتطرّف.
وذكر الحجاحجة أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، عملت على الحفاظ عليها وحمايتها وإعمارها ومنع تهويدها، مؤكدا أن الأردن بقيادة جلالته لن يقبل، ولن يسمح بتغيير الوضع القانوني والتاريخي في القدس الشريف.