موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٨ فبراير / شباط ٢٠٢٥
رافي سايغ يكتب: إعلام يجعلنا رفقاء درب
قراءة في رسالة البابا فرنسيس في اليوم العالميّ التاسع والخمسين لوسائل التواصل الاجتماعيّة 2025

رافي سايغ - القامشلي :

 

في اليوم العالميّ التاسع والخمسين لوسائل التواصل الاجتماعيّة، وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالته السنويّة المعتادة لهذه المناسبة، وقد حملت هذا العام عنوان: "تشاركوا بوداعة الرّجاء الذي في قلوبكم"، وذلك من وحي رسالة القديس بطرس الأولى 3: 15-16.

 

تأتي كلمات قداسته باعثة للرجاء في قلوب الإعلاميين من جديد، وفي أيام استثنائيّة، سيما وأنّ الكنيسة تعيش يوبيل عام 2025 "حجّاج رجاء". وجميعنا مدعوون إلى عيش هذا الرجاء في كل تفاصيل أيامنا. والسؤال هنا: كيف وأين يجد إعلاميو اليوم هذا الرجاء في عالم وسائل التواصل الاجتماعي؟

 

تقع على عاتق الإعلاميين، ولاسيما من فئة، الشباب مسؤوليّة كبيرة في تقديم الرجاء وسط أخبار كثيرة تفيض بها قنوات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وهنا، يلفت قداسته الانتباه بأنّ هذه الوسائل قد أصبحت اليوم "لا توّلد الرجاء، بل الخوف واليأس".

 

 

⮜ إعلام منفتح وصديق

 

إنّ شباب اليوم، وبصفتهم إعلاميين ملتزمين، لديهم مهمّة. ورغم أنّها تبدو صعبة في بعض الأوقات، إلا أنّها ممكنة! وهي أن يكونوا "شهودًا ومشجّعين"، وأن يعملوا لكي يأخذ الوسط الإعلامي روحًا جديدة، من خلال الخبرات الشبابية التي يمتلكونها، ومن دراستهم المتقدمة في هذا الميدان، وأيضًا من خلال خبراتهم في مواكبة التطوّر التكنولوجي الكبير.

 

تشجّع هذه الأمور الإعلاميين أن يخلقوا بيئة إعلاميّة تبثّ الرجاء، وفي تقديم الواقع الذي يعيشون فيه بعيدًا عن أهداف وغايات غير خادمة للخير، إنما بشجاعة حمل رسالة إعلاميّة "تعكس وجه المسيح القائم!". فالإعلام الذي نعمل ونشهد له هو إعلام يخدم ويهدف إلى تعزيز الفهم المتبادل بين مختلف الثقافات والأديان، وهو كالجسر الذي نتقرب من خلاله من الآخر، وأن نتشارك معه ما ندركه ونعرفه من حقائق ومعلومات. وبالتالي ليس إعلامًا ضيقًا ومنعزلاً، بل منفتحًا وصديقًا.

 

 

⮜ قصص مليئة بالرجاء

 

يشدّد البابا فرنسيس في رسالته الإعلاميّة لهذا العام على ضرورة نشر "قصص مليئة بالرجاء"، رغم الأحداث المحزنة التي يشهدها عالمنا من حروب وصراعات. بالتالي، هي تمثّل هذه الوثيقة دعوة للإعلاميين لكي ينشروا الأمل، في مشاركة صوت الآخرين وتجاربهم.

 

إنّ الكثير من الناس يتحدّون كافة أنواع اليأس، عبر حملهم للرجاء. حتّى لو كان هذا الرجاء بسيطًا، إنما رجاء ذو قيمة كبيرة، لأنّه يولد في مناطق تعاني من آلام وأحزان ناجمة عن فقر وحروب ودمار. فهؤلاء، أصحاب الرجاء، يعملون جاهدين لإحداث فرق في مجتمعاتهم، من خلال التطوّع والخدمة والعمل المجتمعي... وفي مسيرة حياتهم، غالبًا ما تكون لديهم قصصًا ملهمة تعمل على تحفيز الآخرين على التمسّك بالرجاء، وسط كل هذه الآلام والصعوبات.

 

على الإعلام المسيحي ألا يكون بعيدًا عن واقع الإنسان، بل أن ينبع من صلب هذه المعاناة. ففي حين أنّ نقل الواقع بشكلّ حقيقيّ ليس بالأمر الهيّن -لا بل في غالب الأحيان هو مكلف وصعب جدًا- إلا أنّه من واجب الإعلاميّ المسيحيّ، الذي يحمل في قلبه الإعلام كرسالة، أن يكون شاهدًا للقيم الإنجيليّة في الرجاء والمحبّة والرحمة والسلام.

 

 

⮜ العمل الجماعي

 

كذلك، يسّلط قداسة البابا فرنسيس الضوء في رسالته على مفهوم "العمل الجماعي"، ويقدّم مثالاً وطريقًا لهذا العمل من خلال كلمات بسيطة، ألا وهي: "كتابة قصة مستقبلنا معًا". إنّ حمل رسالة إعلاميّة يدفعنا للقاء بالآخر والإصغاء له، وكذلك مشاركته في شهادة جماعيّة مع كل من يحمل الإعلام كرسالة، لا كوسيلة لتحقيق غايات وأهداف.

 

كما يتيح الإعلام أرضيّة مشتركة لنلتقي هذا الآخر، وأن نصيغ معه أفكارًا ورؤى جديدة تكتمل بالتعاون المبنيّ على المحبة وقبول الآخر، وهذا يسهم بدوره في صنع حاضر ومستقبل بعيدًا عن خطاب الكراهية والعنف، بل يصنع سلامًا حقيقيًّا مبنيًّا على معرفة الحقائق والأمور كما هي.

 

 

⮜ الرجاء هو دائمًا مشروع جماعي

 

"الرجاء هو دائمًا مشروع جماعي". فمن خلال الربط بين رسالة الإعلام والرجاء نسمح للرّب بأن يعمل من خلالنا كأدوات تواصل وخير، وليس كزارعي تنافر وشرّ، لا سمح الله! فالوسط الإعلامي بحاجة اليوم لمن يعزّز فيه القيم الإنسانيّة، وإلا سيصبح أرضًا جوفاء، قاحلة.

 

يأتي الرجاء كدعوة تتطلّب من الإعلاميين والإعلاميات، ومن كل شخص يستخدم وسائل التواصل، الإجابة عليها. وكلنا أمل في الاستجابة لهذه المهمّة لكي نصنع معًا هذا الفرق، وهذا الرجاء في العالم. أمّا الكنيسة اليوم، فبصوتها الأخلاقيّ، تمدّ يدها لكلّ إعلامي وإعلاميّة، وتُضيء لنا النور للسير بهدي الإنجيل في مختلف سياقات الحياة.

 

مع كلمات قداسة البابا فرنسيس في هذه المناسبة العزيزة، فإنّه لدينا دعوة جديدة، وهي أن نصبح كلنا إعلاميين "رفقاء درب" للكثيرين حول العالم، من من لديهم إيمان شخصيّ وروح مسيحيّة، ويضعون كل غالٍ ورخيص في سبيل تحقيق رسالتهم في هذه الحياة. إنّ الدرب الإعلامي يصبح أجمل وأنقى عندما نؤمن بالرجاء الذي سوف يجعل من الإعلام رسالة ومسيرة من أجل الخير والجمال والطيبة، وطبعًا لكرامة الإنسان.