موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢
"محبّة المال" أصل كلّ شرّ!

أشخين ديمرجيان :

 

ارتأيت أنّ القصة التالية يُناسبها المثل الشعبي القائل: "خذ الحكمة من أفواه الأطفال" وربّما نتعجّب من مثل هذه المقولة متساءلين "هل من المعقول أن يتفوّه الأطفال بأقوال حكيمة؟؟!!" ويكمن الجواب في القصة أدناه.

 

تتناسب الأمثلة الشعبية غالبًا مع مواقف حياتية مختلفة، فهي أحيانًا خفيفة الظلّ تُضحكنا أو ساخرة تلذعنا، أو واقعية تُبهرنا، وخلفها قصة حقيقية حدثت في الماضي، وفي أثرها كان المثل الشعبي.

 

شاءت الأقدار أن يكون الطفل المذكور أدناه مجبولاً بالخير، ويجمع براءة الطفولة ودقّة التمييز وشجاعة النقد الذاتي.

 

وصلَت إليّ من بعض الأفاضل هذه القصة باللغة الانجليزية، ويبدو أنها متداولة في بعض المواقع الالكترونيّة، فقمتُ بنقلها (ترجمتها) بتصرّف، لما فيها من بساطة وتبصّر وحكمة... لكنّي في النهاية أضفتُ ما توصّلتُ إليه من استنتاجات... وها هي القصة بتفاصيلها:

 

في صباح إحدى الأيام، خطر على بال رجل ثري، أن يستصحب ابنه في زيارة إلى القرية. وفي نيّة الأب أن يبيّن لابنه كيف يعيش الفقراء... وبعد أن أمضيا وقتاً ممتعًا في مزرعة تعيش فيها أسرة فقيرة، أزفت ساعة العودة إلى البيت.

 

وفي الطريق سأل الأب ابنه: "كيف كانت الرحلة ؟ وهل استمتعت بها؟" -أجابه الصبي بأنّها كانت رحلة ممتازة. قال الأب: "أخبِرني ما هي العبر والدروس المستفادة من زيارتنا لتلك العائلة الفقيرة؟" - أجاب الابن بلا تردّد: "نملك كلبًا واحدًا والعائلة الفقيرة تملك أربعة... لدينا بركة ماء في حديقتنا، ولدى تلك العائلة جدول ماء يبدو كأنّ لا نهاية له... نحن نستضىء بالمصابيح الكهربائية، وتستضيء تلك العائلة بنجوم تتلألأ في السماء، لا تُعدّ ولا تُحصى... نحن نشتري طعامنا من السوق، وأفراد تلك العائلة تأكل ما تزرع... نحن نملك أسواراً تحمينا ، وتلك العائلة تملك أصدقاء كثيرين يحمونها... لدينا خدم وحشم يقومون على خدمتنا، وأفراد تلك العائلة تقوم بخدمة بعضها... نحن نسهر أمام التلفاز، وأفراد تلك العائلة تسهر مع بعضها... نحن نتّكل على العالم، وتلك العائلة تتّكل على الله"... ثمّ أردف الطفل قائلا: "شكرًا لك يا أبي لأنك أظهرتَ لي مدى فقرنا وضعفنا ...

 

هذه هي أحداث القصة القصيرة وللقارىء الكريم الحكم... من المؤكّد أنّ والد الطفل كان صامتًا يستمع إلى ابنه... مشدوهًا لسداد رأي نجله وعمق تفكيره وإدراكه للأشياء الأساسيّة في الحياة، والتي لم يتعمّق فيها والده من قبل. لقد نظر الطفل إلى الأمور بقلبه النضر، فلم يقف عند المظهر بل أدرك الجوهر...

 

العبرة من هذه القصة أنّنا لا نقيس "ثراء" الإنسان بالمال ، بل بالقيم الأخلاقيّة والتحلّي بميزة البساطة في التعاطي مع شؤون الحياة. أضف إلى ذلك التحلّي بالعواطف الإنسانية النبيلة والصداقة الرقيقة والمحبّة الخالصة والرحمة، كلّ هذا لإكرامًا لوجه الله .

 

كما وتُثرينا علاقتنا الشخصيّة بالله عزّ وجلّ، المبنيّة على أسس ثابتة وصحيحة لأنّ الله وحده هو "الغني". وهو الذي يُضفي على نفوسنا السلام الداخلي، وعلى حياتنا البهجة، ونعمته تتحدّى كلّ المصائب.

 

 

خاتمة

 

إنّ السعي وراء الثروة بطريقة مبالغ فيها هو طريق محفوف بالمخاطر، وهو طريق يحذّرنا منه الله في الكتاب المقدّس: "لأنّ حبّ المال أصل كلّ شرّ، وقد استسلم إليه بعض الناس فضلّوا عن الإيمان وأصابوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1 تيموثاوس 6 : 10).

 

قال السيّد المسيح (من أحبّ الآيات على قلبي): "لأنّه ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟" (مرقس 8: 36).