موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٨ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣
في الصداقات.. علاقات تنمو بالتقبل والتجرد من الأحكام واللوم المسبق

ديمة محبوبة :

 

يستمد الإنسان طاقته ووجوده من خلال وجود الآخر في حياته وووفقا لبيئته ومحيطه الاجتماعي الذي نشأ به، وحينما يعيش حياة فيها الكثير من المعارك الشخصية والحياتية تؤذيه وتتعبه نفسيا وعاطفيا وحتى صحيا، يحتاج حينها إلى متنفس يشكو ويفرغ ما بداخله ويتحدث حتى عن أخطائه ويكون على طبيعته كما هو. لكن هل يمكن أن يجد الفرد بحياته هؤلاء الأشخاص الموثوقين؟.

 

هذا السؤال يراود سمر، فهي لا تستطيع أن تتحدث عن همومها وحياتها وأسرارها لأحد، إذ تقول “لدي الكثير من الصديقات والمعارف، لكن بمجرد أن أتحدث عما في داخلي أجدهم يحاكمونني ويبدأون بإلقاء اللوم عليّ”.

 

سمر تدرك أنها تخطئ في كثير من الأحيان وتكون قراراتها غير صائبة، ولا تحتاج لأن ينبهها أحد على ذلك، لكن كل ما تطلبه أن يسمعها الآخرون القريبون منها بقلبهم ويتفهموها من دون عبارات، “قلنالك وما رديتي”، “أنت الغلط”، “هي نتيجة أفعالك الغلط”، “لو بتسمعي الكلام ما صار فيك هيك”.

 

وتبين سمر أنها تحتاج كثيرا إلى أن تقول ما يدور في عقلها من دون أن تجد اللوم أو المعاتب في حياتها بكل صغيرة أو كبيرة، أو حتى النصح الذي ليس بمكانه، فهي أحيانا تعرف أين أخطأت، ولماذا ومدى حجم ذلك، ولا تريد من يعاتبها ويصر على تقصيرها هنا وهناك، هي بحاجة فقط إلى مستمع جيد يساعدها من دون أن يحاكمها بلا مبرر.

 

لذلك، توقفت عن تفريغ ما يدور داخلها من متاعب وضغوطات وأوجاع من قصص تعيشها، لأنها وجدت الصمت أفضل بكثير من كلام يتعبها أكثر مما يشعرها بالراحة، تقول “أسوأ ما في العلاقات إصدار الأحكام واللوم والعتب.. كل منا بحاجة لإنسان يسمعه بقلبه وروحه”.

 

اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، يبين أن على الفرد أن يفرق بين المعارف وبين الأصدقاء، موضحا أن الكثيرين يجدون أناسا يرافقونهم فقط بأماكن السهر والخروج للترفيه وحتى السفر، لكن الرفقاء الحقيقيين يقضون وقتا طيبا مسليا معهم يسمعونهم و يشاركونهم الأحاديث من القلب للقلب.

 

أما الصديق، وفق جريبيع، فهو ذلك الشخص الذي يلجأ إليه الفرد وكأنه مرآته الخاصة، وهو قادر على الحديث بصراحة وشفافية معه عن كل شيء، أحيانا يتداول معه أفكارا لا يتحدث بها مع نفسه، وكأنه يتعرى أمام هذا الفرد والمقصود الحديث الشفاف بلا تكلف أو خوف من إصدار أحكام أو لوم وعتب.

 

لذلك، وبحسب جريبيع، الإنسان يكون لديه الكثير من الأصحاب، لكن الصديق الحقيقي وإن كان واحدا فقط فهو يكفي، وهو الذي يستمع لصديقه بكل جوارحه لا يلومه طوال الوقت ويجد التوقيت المناسب لنصيحته والوقوف بجانبه.

 

ويلفت جريبيع الى أن الصداقة مرحلة عميقة لا يمكن أن يصلها الشخص مع أي فرد بحياته، إلا بعد التجربة. وحول كيفية أن يبوح بما في داخله براحة وثقة، يؤكد أن التجربة هي الاختبار الوحيد والبرهان يكون من خلال الزمن.

 

ويوضح أن العلاقات والمعارف والأصدقاء هي نتاج خيارات الفرد وانتقائيته، ما يعني أنه هو من يعطي هذه الفرصة للأفراد من ثم يتبع شعوره بمن يرافقه بهذه الحياة ويكون حقيقيا ووفيا ومخلصا.

 

ويرى ضرورة أن يتحلى الفرد بالذكاء الاجتماعي، وألا يكون منجرفا أمام أي أحد من معارفه معتقدا أن هذا الصديق الذي انكشف أمامه بأفكاره ومشاعره سيكون كما هو متوقع، فهذه المرحلة تحتاج حقيقة لشخص ذكي وذي تجربة بأمور بسيطة بداية، وإن كشفت لا تؤثر بشكل حقيقي، لكن بالمقابل يعرف من الذي يتعامل معه.

 

اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، يذهب الى أن موضوع الثقة بين الأصدقاء ليس بالسهل لكن لن يعرف الشخص مدى متانة أي علاقة إلا من خلال التجربة، والثقة هي أهم وأول أسس الصداقة ولها فوائد نفسية مهمة في حياة الفرد.

 

ووفق مطارنة، فإن من يثق بشخص وهو صديق يمكن أن يحصل على حياة منعمة ورضا نفسي حقيقي وسند لا يمكن التخلي عنه، مبينا أن الثقة بالصديق تعني الأمان والسلامة النفسية، والقدرة على أن يكون الشخص على سجيته وطبيعته من دون أن يخشى من العواقب السلبية، وأنه مهما قال أو فعل لن يكف صديقه عن إظهار الحب والمودة له والاستماع له بكل جوارحه، وذلك لأنه يعرفه حق المعرفة من الداخل.

 

والثقة بالصديق تحفز المرء على طرح أفكاره وأسئلته والتحدث بصراحة، وحينها يمكنه أن يعبر عن مخاوفه ونقاط ضعفه من دون حواجز، ويسهم في تصحيح بعض قراراته، فثقته بصديقه تشجعه على التحدث والاستماع للنصيحة، وذلك لأنه يحترم ما يقوله ويتفهمه.

 

ويؤكد أن التواصل الجيد من أهم الأمور في العلاقات الاجتماعية، وإذا انعدمت الثقة بين الصديقين ستصعب عملية التواصل وذلك بسبب الخوف من سوء الفهم، وبالتالي سيخفي الصديقان أمورا كثيرة عن بعضهما بعضا.

 

وفي النهاية، الثقة بالصديق تعطي ثقة بالنفس أن هناك من لجأ إليه ووقف بجانبه ويعرفه كمعرفته لذاته، ولا يتوجب على هذا الشخص أن يشرح ذاته ويبرر كل ما يقوله، وفق مطارنة، لافتا إلى أن انعدام الثقة أمر مرهق عاطفيا، وذلك لشعور الفرد بالقلق، والخوف الدائم في تصرفاته وأثناء تحدثه وفي تجميل كلامه خوفا من الأحكام واللوم، ولكن عند إيجاد بيئة جديرة بالثقة بينه وبين صديقه سيشعر بالأمان والراحة، ويقلل الضغط الواقع على عاتقه.

 

(الغد الأردنيّة)