موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
الرضا والسعادة بين الوهم والحقيقة

د. اسمهان ماجد الطاهر :

 

أن اجهزة الهاتف الذكي تكاد لا تنزل من أيدي الشباب فهي تستخدم لساعات طويلة ومعظم الوقت في تبادل التحيات الصباحية والمسائية والعبارات اليومية المزينة بباقات الزهور والمحملة بالأمنيات السعيدة. ان المراسلة اليومية جعلت المودة مزيفة والعبارات فارغة من محتواها الصادق الحقيقي. في أحيان كثيرة نعاود الإرسال دون قراءة المحتوى وقد نستخدم لغة التعبير بالوجوه والرسومات كأداة لسرعة الرد.

 

استخدام كثيف للهاتف الذكي جعل مواقع التواصل الاجتماعي مخترقة لحياتنا بكل ما تبثه من عبارات بعضها يدعو إلى الإيجابية والإحساس بالرضا والسعادة المطلقة وإلى التركيز بشكل مفرط على التوقعات والآمال الإيجابية إلى حد غير واقعي. كن سعيدا، كن أكثر ذكاء وأكثر ثراء، كن أكثر إنتاجية، كن كاملا ومدهشا وكن الأفضل، بالرغم من أنه إحيانا التركيز الشديد على ما هو إيجابي وما هو أكثر تفوقاً يذكرنا بما نحن لسنا عليه.

 

ان العبارات المصممة للمساعدة الذاتية التي يتم تناقلها على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تصلنا بسرعة البرق نتيجة الرفيق الدائم لنا الهاتف الذكي في مجملها تركز على ما يفتقر إليه العديد من البشر. وكأنها بمثابة شعاع من الليزر يركز على مواقع الفشل والنقص في الحياة ويذكرك بها طيلة اليوم.

 

في قناعاتي أن من يشعر بالسعادة لن يجد الوقت لإقناع نفسه بأنه سعيد. ان المبالغة في التركيز على سراب السعادة والإحساس بالرضا ما هو إلا تعلق سطحي مزيف بكل ما هو صعب المنال وغير واقعي بل هو وهم يتبناه البشر نتيجة كثرة الأخبار والأحداث والصور السريعة المرور من حولنا.

 

هل فكرنا ما الذي يجعل البعض من الشباب في هذا الزمن غاضبا ساخطا يثور لاسباب تافهة! ولما العديد منهم غير قادر على التحكم بانفعالاته! يرتكبون الحماقات والكثير من العنف ثم يصابون بالندم على ما قاموا به.

 

لقد بات الشباب أكثر قلقاً وتوتر طيلة الوقت فهم في سعي دائم للوصول إلى الكمال أو الأفضل أو إلى ما لا يملكون مما يجعلهم أكثر حساسية تجاه أنفسهم وتجاه المواقف والأحداث التي تمر بهم أو يمرون بها وقد يعتصرهم شعور بالذنب يوصلهم إلى الحزن والغضب بسبب أتفه الأسباب.

 

أن التكنولوجيا وجدت لمساعدتنا في الإنجاز والتواصل، أما أن تصبح هوسا يسيطر علينا طوال اليوم فهذا شيء مثير للدهشة. نحن في العالم العربي لم نساهم في صناعة التكنولوجيا واكتفينا بالاستخدام المكثف الذي عزز تضخيم الأحداث والمشاعر بشكل مبالغ به.

 

والسؤال ما هو الحل وما الذي نحن بحاجه إليه ! ببساطة نحن بحاجه أن نتقن استخدام الأشياء بدل من تركها تستخدمنا. إضافة إلى إننا بحاجة إلى مزيد من الحدائق العامة والملاعب الرياضية ونشر الثقافة البدنية والروحية للتخلص من كمية التوتر والغضب والاحاسيس المزيفة التي باتت تحاصرنا.

 

(الرأي الأردنية)