موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
صاحب النيافة،
الإخوة الأجلاء في الأسقفيّة والكهنوت،
أعضاء الحكومة المحترمين والسلك الدبلوماسي،
الإخوة والأخوات،
لقد أرسلني البابا فرنسيس كمندوب له لتدشين الكنيسة اللاتينيّة في مكان معموديّة يسوع، ويسرّني أن أكون هنا معكم في هذه المناسبة التاريخيّة. اليوم، نحن مدعوون أولاً وقبل كلّ شيء لنتقدّم بالشكر لله، وليس فقط من أجل هبة هذه الكنيسة التي تكرّس له. كلّ شيء ينبع من حقيقة أن الله صار إنسانًا، وعاش بيننا، تحديدًا في هذه المنطقة من الأرض، في هذه الأرض المقدّسة.
أوّد، أيضًا باسم قداسته، أن أشكر العائلة المالكة، وخاصة جلالة الملك عبدالله الثاني، وحكومة الأردن على العناية التي أولوها لهذا المكان المقدّس منذ أن تمّ تحديده في التسعينيات على يد الأب ميشيل بيتشيريلو. إلى جانب ذلك، تشهد أماكن أخرى في المملكة الهاشميّة على حضور المسيح والكنيسة الأولى، وستكون موضوع المعرض الذي سيقام في شهر شباط المقبل في الفاتيكان؛ وهكذا يتجلّى التعبير عن الرابط العميق بين الأردن والكرسي الرسولي. أخيرًا لا يسعني إلا أن أتقدّم بالتعبير عن امتناننا العميق للسيّد نديم معشر، الذي ساهم كثيرًا في إنجاز هذه الكنيسة، التي وضع البابا بندكتس السادس عشر حجر أساسها خلال زيارته للأراضي المقدّسة في عام 2009، وكذلك الآباء من الكلمة المتجسّد الذين يعتنون بها.
لقد كان هذا المكان مكانًا للحج منذ 25 عامًا، لأنّه هنا عمّد يوحنا المعمدان المسيح، كما سمعنا في إنجيل اليوم. إنّه مكان رمزي، لأنّه وفقًا للتقاليد، هنا تمّ رفع إيليا إلى السماء من التلّ القريب. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن الشعب عبر نهر الأردن من هنا لدخول الأرض، وفقًا لكتاب سفر يشوع. تتجمّع العديد من الأحداث والشخصيات الإنجيلية هنا تقريبًا لتقول إنّ هذا المكان يتمركز حول كلّ التوقعات في العهد القديم التي تفتح على حضور المسيح، تجلّي الآب. تتحدّث الجغرافيا نفسها عن ذلك: نحن هنا في أدنى نقطة على الأرض، ولكن هنا، يلتقي الله بنا، تقريبًا ليجمع أيضًا الأكثر بعدًا عنه. علاوة على ذلك، بترتيب العناية الإلهيّة، تقع هذه الكنيسة التي نكرّسها اليوم في محور كنيسة القيامة في القدس: معموديّة المسيح هي البداية، ولكنّها تتطلّع نحو الكمال في سرّ الفصح، الذي تمّ الإشارة إليه بكلمات قالها يوحنا المعمدان: "ها هو حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم".
كلّ هذا يتحدّث عن معموديتنا، التي من خلالها ندخل أيضًا في سرّ المسيح الذي مات وقام. نحن مسيحيون لأنّنا معمّدون. في المعموديّة، عطيّة الروح القدس تطهّرنا من الشرّ، وتجعلنا أبناء الله، وتحوّلنا داخليًّا، وتتيح لنا أن نحظى بحياة الله في داخلنا. معموديتنا هي بداية الحياة الأبديّة فينا. حتّى بالنسبة لآباء الكنيسة، كان عبور الشعب عبر نهر الأردن رمزًا لمرورنا إلى الحياة الأبديّة من خلال ماء المعموديّة. لهذا السبب، يجب أن يصبح هذا المزار مكانًا مميّزًا لكلّ مؤمن لتجديد معموديته، وتمسّكه بالمسيح الذي مات وقام، ليس فقط بالكلمات، بل بحياته بأكملها. السنة المقدّسة التي بدأناها، سنة المغفرة والرحمة، هي فرصة مناسبة لمثل هذا الحجّ. هكذا، فإنّ مكان معموديّة يسوع ليس مجرّد مكان تاريخيّ، بل هو مكان للتجديد الروحيّ.
وجودي هنا اليوم، أيضًا بإرادة البابا، يهدف إلى أن يكون علامة ملموسة على قرب الكنيسة بأسرها من الجماعات المسيحيّة في الشرق الأوسط. لقد تجسّد هذا الحضور بطرق عديدة في الأشهر الأخيرة، الأشهر المؤلمة والمليئة بالحرب، لاسيّما من خلال كلمات البابا فرنسيس. أودّ أن أذكر بشكل خاص الرسالة التي أرسلها قداسة البابا إلى كاثوليك الشرق الأوسط في 7 تشرين الأوّل 2024، والتي تبرز دعوتكم لأن تكونوا بذرة أمل، بذرة صغيرة، بذرة محاطة بالظلام، ولكن البذرة التي تؤتي ثمارها. أودّ أن أحثّ الجميع على عدم الاستسلام لصعوبات هذه اللحظة، مع الثقة بأنّ الله يدير تاريخ البشر، حتّى لو حمل هذا التاريخ علامات العنف والخطيئة والموت. في لحظة تاريخيّة حيث تؤثّر الاضطرابات الجادّة على هذه المنطقة، من المهمّ أن يُسهم المسيحيون أيضًا في بناء مجتمع عادلٍ وسلميّ. أودّ أيضًا أن أوجّه نظري إلى ما وراء نهر الأردن، مطالبًا بوقف النار، وإطلاق سراح الأسرى والرهائن، وضمان حقوق الإنسان، وأن ينفتح قلب قادة الأمم للبحث عن السلام والتعايش بين الشعوب. يجب ألا يكون العنف هو الذي يحدّد مستقبلنا!
أحبّائي الإخوة والأخوات،
من هذا المكان، أدنى نقطة على الأرض، من هذه الأرض المباركة حيث نشعر بكلّ معاناة الصراعات واللاإنسانيّة والخطيئة، من هذا المكان الذي انفتحت فيه السماء، نطلب من السماء هبة السلام، السلام الحقيقي الذي يولد في القلوب وينتشر في كلّ نسيج المجتمع. اليوم، نكرّس هذه الكنيسة، التي تصبح رسميًّا مكانًا للعبادة. معها نقدّم إلى الله قلوبنا وحياتنا، لكي يسود في الشرق الأوسط السلام الذي يريد المسيح أن يمنحه.