موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
قال البابا فرنسيس، في مقابلته العامة مع المؤمنين، الأربعاء 8 كانون الثاني 2025، إنّ عيد الميلاد هو الوقت المناسب للتفكير في وضع الأطفال، موضحًا أنّه يخصّص تعليمين أسبوعيين على وجه الخصوص للتحدّث حول آفة عمالة الأطفال.
وأمام الحضور المحتشد في قاعة البابا بولس السادس في حاضرة الفاتيكان، أعرب الحبر الأعظم عن أسفه لأنّ "العصر الذي ينتج الذكاء الاصطناعيّ ويخطّط لحياة في الكواكب المتعدّدة، لم يواجه بعد آفة الطّفولة المُهانة والمُستغلّة والمجروحة حتّى الموت".
وبالنظر أولاً إلى الكتاب المقدّس، لفت البابا فرنسيس إلى أنّ كلمة "ابن" تتكرّر في العهد القديم ما يُقارب الخمسة آلاف مرّة. وقال مستشهدًا بسفر المزامير، إنّ الأبناء هم عطيّة من الله، ولكن للأسف، هذه العطيّة لا تُعامل دائمًا باحترام.
وعبر طرق التاريخ، أوضح قداسته بأنّ العهد القديم لا يظهر "أغاني الفرح" فحسب، إنما أيضًا "صرخات الضّحايا". وعلى سبيل المثال، أورد بعض الآيات؛ في سفر المراثي "لَصِقَ لِسانُ الرَّضيع بِحَنَكِه مِنَ العَطَش. الأَطفالُ طَلَبوا خُبزًا، ولم يَكُنْ مَن يَكسِرُه لَهم" (4، 4)، وكتب نحوم النّبيّ، مُذكّرًا بما حدث في مدينتَي طيبة ونينوى القديمتَين: "أَطْفالُها حُطِّموا في رأسِ كُلِّ شارِع" (3، 10).
وقال: لنفكّر في كم من الأطفال اليوم يموتون من الجوع والمصاعب، أو مزّقتهم القنابل.
وانتقل البابا فرنسيس إلى العهد الجديد، وقال: على يسوع المولود الجديد أيضًا، هبّت عاصفة العنف على يد هيرودس، الذي قام بمذبحة أطفال بيت لحم. وهي مأساة قاتمة تتكرّر بأشكال أخرى عبر التّاريخ. وهكذا، واجه يسوع ووالداه كابوس الهرب واللجوء إلى بلد غريب، كما يحدث اليوم لأشخاصٍ كثيرين (راجع متّى 2، 13-18)، ولأطفالٍ كثيرين. وبعد أن مرّت العاصفة، كبر يسوع في قرية لم تُذكر قَطّ في العهد القديم، النّاصرة، وتعلَّم حرفة النّجارة من أبيه بحسب الشّريعة، يوسف (راجع مرقس 6، 3؛ متّى 13، 55). وهكذا "كانَ الطِّفلُ يَتَرَعْرَعُ ويَشتَدُّ مُمْتَلِئًا حِكمَة، وكانت نِعمةُ اللهِ علَيه" (لوقا 2، 40).
تابع: كان يسوع يعظ في حياته العلنيّة في القرى مع تلاميذه. في يوم من الأيّام، اقتربت منه بعض الأمّهات وقدّمن له أطفالهنّ ليباركهم، لكن التّلاميذ انتهروهنّ. عندئذٍ خالف يسوع التّقاليد التي كانت تَعتبر الطّفل شخصًا لا قيمة له، ودعا التّلاميذ إليه وقال: "دَعوا الأَطفالَ يأتونَ إِلَيَّ، لا تَمنَعوهم، فلأَمثالِ هؤلاءِ مَلَكوتُ الله". وهكذا جعل الأطفال نموذجًا للبالغين. وأضاف رسميًّا: "الحَقَّ أَقولُ لكم: مَن لم يَقبَلْ مَلَكوتَ اللهِ مِثْلَ الطِّفْلِ لا يَدْخُلْه" (لوقا 18، 16-17). وفي موضعٍ مُشابه، دعا يسوع طفلًا ووضعه في وسط التّلاميذ وقال: "إِن لم تَرجِعوا فتَصيروا مِثلَ الأَطفال، لا تَدخُلوا مَلكوتَ السَّمَوات" (متّى 18، 3). ثمّ حذّر فقال: "وأَمَّا الَّذي يَكونُ حجَرَ عَثرَةٍ لأَحدِ هؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنينَ بي فَأَولى بِه أَن تُعلَّقَ الرَّحى في عُنقِه ويُلقى في عُرْضِ البَحْر" (متّى 18، 6).
ومسلطًا الضوء على محنة الكثيرين من الأطفال الذين أجبروا على العمل واستغلهم اقتصاد "لا يحترم الحياة"، قال البابا: إنّ تلاميذ يسوع المسيح يجب ألّا يسمحوا أبدًا بأن يُهمل الأطفال أو بأن تُساء معاملتهم، أو بأن يُحرَموا حقوقَهم، أو ألّا يكونوا محبوبين أو محميّين. من واجب المسيحيّين أن يلتزموا فيمنعوا حدوث ذلك، وأن يُدينوا بحزم وثبات العنف أو الاعتداء على الأطفال.
أضاف: اليوم أيضًا وخصوصًا، الصِّغار المجبَرون على العمل كثيرون جدًّا. والطّفل الذي لا يبتسم ولا يحلم لن يستطيع أن يعرف ولا أن ينمّي مواهبه. في كلّ أنحاء العالم، هناك أطفال يُستغلّون في اقتصادٍ لا يحترم الحياة، وهو اقتصادٌ يحرق بهذه الطّريقة أكبر مخزون لنا من الرّجاء والمحبّة. الأطفال يحتلّون مكانة خاصّة في قلب الله، ومن يؤذي طفلًا، عليه أن يقدِّم حسابًا لله.
وخلص إلى القول: "من يعترف بأنّه ابن الله، وخصوصًا من هو مُرسَل ليحمل للآخرين بشرى الإنجيل السّارة، لا يمكنه أن يبقى غير مبالٍ، ولا يمكنه أن يقبل أنّ أخواته وإخوته الصّغار، بدل أن يكونوا محبوبين ومحميّين، تُسرق منهم طفولتهم وأحلامهم، ويصيرون ضحايا الاستغلال والإهمال"، داعيًا "الرّبّ يسوع أن يفتح عقلنا وقلبنا على العناية والحنان، حتّى يستطيع كلّ طفل وطفلة أن ينمو في القامة والحكمة والنّعمة (راجع لوقا 2، 52)، فتُقدَّم لهم المحبّة ويقدّموها هم أيضًا".