موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢
عظة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا لعيد يسوع المسيح، ملك الكون

بطريرك القدس للاتين :

 

لوقا ٢٣: ٣٥– ٣٤

 

يأخذنا المقطع الإنجيلي لهذا اليوم (لوقا ٢٣: ٣٥– ٤٣) إلى الجلجلة حيث نرى يسوع محكوما عليه بالموت والصلب.

 

المسيح ليس وحيدًا، فعند أقدام الصليب كان الشعب ينظر، كما كان هناك الرؤساء والجنود (لوقا ٢٣: ٣٥– ٣٦) والمجرمان المصلوبان معه.

 

يسمع يسوع نوعين من الطلبات.

 

في الأول يُطلب منه باستهزاء أن ينزل عن الصليب ويُخلّص نفسه. يُوجّه إليه هذا الطلب ثلاث مرات، من الرؤساء ثم الجنود وأخيرًا مِن أحد المجرميْن.

 

إنه طلب استفزازي يشبه في شكله تجارب يسوع الثلاث في الصحراء. لقد عرف يسوع أن الشيطان كان بانتظاره في القدس، وسيجرّبه هناك مرة أخرى. خلال أحداث التجربة، ووفقًا لإنجيل القديس لوقا، “لمّا أَنْهى إبليسُ جَميعَ ما عِندَه مِن تَجرِبَة، انصَرَفَ عَنه إلى أَن يَحينَ الوَقْت” (لوقا ٤: ١٣). لقد حان الوقت، وهنا كما في الصحراء يجب على يسوع أن يختار إما أن يكون إنسانًا مثل أي إنسان آخر، أو أن يختار هذه المرة، إن شاء، طريق القوة والإذهال وإثارة الإعجاب. يُخيّر هنا بين الثقة بقوته الشخصية أو الثقة بالآب.

 

أمام هذا الطلب، يلتزم يسوع الصمت.

 

سمع يسوع الطلب الثاني باهتمام، وردّ عليه. في الواقع يتحدّث المجرم إلى رفيقه وينتهره بسبب عدم إدراكه أن الله قد سمح لنفسه أن يحمل عقابنا، وذلك كي يبقى معنا، حيثما نكون في ضلال.

 

ثم يتوجه بحديثه إلى يسوع ويناديه باسمه كما يفعل الأصدقاء. لا يطلب منه أن ينزل عن الصليب ولا أن يُنزله هو أيضًا.

 

بل يطلب منه أكثر من ذلك، لأن اللص أدرك أنّ هذا الإنسان، القادر على الموت غافرا، يمكن أن يعطي أي شيء يُطلب منه. يدرك أن يسوع لديه ملكوت تتخطى حدوده الموت، ويسأله أن يذكره فيه.

 

يقوم بذلك بكل تواضع ولا يتبجح بأي استحقاق، بل يعترف بكل خطاياه تمامًا مثل العشار في الهيكل. هو أيضًا ينزل إلى بيته مبرورًا (لوقا ١٨: ١٣– ١٤).

 

في الواقع، يرد يسوع على هذا الطلب بخلاف الأول.

 

يقوم بذلك بطريقة سامية ويبدأ بكلمة “حقًّا“، أي نعم من دون إعادة التفكير فيما تم قوله، وينهي كلامه بوعد.

 

حينما يقطع الله وعدًا في الإنجيل فهو يقوم بذلك بسخاء كبير. واليوم لم يكن بوسع يسوع أن يعد أفضل من ذلك.

 

عندما أدرك المجرم أن الله حمل خطيئتنا وفشلنا وألمنا كي يكون معنا، صار قادرا أن يستقبل حُبّ المسيح، ونعمة البقاء معه في ملكوته: “سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس” (لوقا ٢٣: ٤٣).

 

بعد ذلك ينفتح عالم جديد أمام هذا الإنسان اليائس. ما ينبغي أن يكون اليوم الأخير في حياته يمسي أول يوم في حياته الأبدية التي تتمثل في البقاء مع الرب.

 

ما يقوم به يسوع هو بذلُ ذاته، فاتحًا الملكوت لكل من يصلي ويرى نفسه محتاجًا إلى المغفرة، ولِمَن لا يدعي الأجر. يمنحهم يسوع أن يكونوا معه.

 

لقد وصلنا إلى نهاية السنة الليتورجية التي فيها عشنا من جديد، من خلال احتفالات وأعياد إيماننا، السر الكامل لحياة الربّ يسوع.

 

لقد رأينا، من خلال عيد الميلاد المجيد، أن يسوع هو الربّ الذي يسكن معنا.

 

ثم احتفلنا بعيد الفصح الذي كشف لنا وجه الله الذي مات عنا.

 

وأخيرًا، احتفلنا في عيد العنصرة بالله الساكن فينا.

 

اليوم تُختتم السنة الليتورجية بهذا العيد الجليل وهذا الإنجيل. ما الأمر الذي نحتفل به؟ ماذا نستطيع أن ننال أكثر مما نلنا في الميلاد والفصح والعنصرة؟

 

اليوم نحتفل بحقيقة كوننا معه، في ملكوته.