موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في ظل تصاعد الهجمات والاعتداءات التي نفذها المستوطنون خلال الأشهر الماضية، احتضنت الطيبة شرقي رام الله مبادرة شبابية للمؤازرة، تهدف إلى تعزيز التكاتف المسيحي والصمود المجتمعي.
وجمعت المبادرة شبابًا من منطقتي بيت لحم ورام الله، في إطار مبادرة بادَر بها سليم عنفوص وبالتنسيق مع القس الدكتور منذر إسحاق راعي كنيسة الرجاء الانجيلية اللوثرية في رام الله، والأب بشار فواضله راعي كنيسة المسيح الفادي للاتين في الطيبة، فيما تولت نهيل حنا ونتاليا حنا الإشراف على تنظيم فعاليات الجولة، بما يعكس روح التعاون والشراكة بين مختلف أطراف المجتمع المسيحي.
وأشرفت منصة وإذاعة "نبض الحياة" على تقديم الشرح والمعلومات حول المواقع التي شملتها الجولة، لتجسّد المبادرة تواصلًا حقيقيًا بين الشباب والمجتمع المحلي، وتعزز روح التكاتف المسيحي في مواجهة التحديات.
وانطلقت الفعاليات بالاستقبال في دير اللاتين في الطيبة، تلاه ورشة عمل بعنوان "الشباب: آلام وآمال" بإشراف الأب بشار فواضله، تضمنت حلقات نقاش تناولت التحديات التي تواجه الشباب المسيحي وآفاق مشاركتهم في تعزيز المجتمع والدفاع عن وجودهم في أرضهم.
وشملت الجولة الروحية والثقافية زيارات لمواقع دينية وتاريخية في البلدة، بدءًا من كنيسة المسيح الفادي للاتين وبيت الأمثال ومكان إقامة شارل دي فوكو، مرورًا بـ كنيسة الروم الأرثوذوكس، وصولًا إلى كنيسة الخضر التي تعرّضت مؤخرًا لاعتداءات وحرق محيطها من قبل مستوطنين. وفي الموقع الأخير، قام المشاركون بزراعة أشجار الزيتون في المناطق المتضررة، في لفتة رمزية لتعزيز الحياة والتواصل مع الأرض، ومواجهة الاعتداءات، والحفاظ على صمود المجتمع.
وتميزت الجولة بتأملات وصلوات مشتركة في مختلف المواقع، اختتمت المبادرة بصلاة ختامية في أجواء من التأمل والتكاتف، مؤكدين على أهمية المبادرات الشبابية في تعزيز الصمود الروحي والاجتماعي في الطيبة وفلسطين عمومًا.
أكد الأب بشار فواضله على الدور المحوري للمبادرات الشبابية في تعزيز التكاتف والصمود المسيحي، مشيرًا إلى أن هذه المبادرة خرجت من الشباب ومن قلب المجتمع دون أن تكون مرتبطة بهيكلية مؤسساتية أو رسمية، مما يعطيها طابعًا حيًا وصدقًا في الرسالة. وقال: "رؤية الشباب يتكاتفون ويقف بعضهم إلى جانب بعض يعزز المسؤولية المشتركة، ويؤكد قدرة المجتمع المسيحي على الصمود أمام أي تهديد".
ولفت إلى أن المبادرة تمثل نموذجًا لإشراك الشباب في العمل المجتمعي بروح قيادية ومبادرة شخصية: "الشباب هنا لا يكتفون بالمشاركة، بل يصبحون قادة صغار في مجتمعهم، يتعلمون التخطيط واتخاذ القرارات والتنسيق مع الآخرين، وهذا ما يجعل الرسالة أكثر تأثيرًا واستدامة".
وشدد على أهمية استمرار المبادرات وتواصلها بين الشباب من مختلف المناطق، مشيرًا إلى أن الاستدامة وبناء شبكة دعم حقيقية تضيف مصداقية وصلابة لأي عمل جماعي. وأضاف: "المبادرات الشبابية لا تقتصر على الدعم النفسي والاجتماعي فقط، بل ترسل رسالة حيّة للعالم عن قدرة المجتمع المسيحي على التكاتف، وتقوي روح الانتماء والصمود، خصوصًا عندما يشارك فيها من هم قريبون من قلب المجتمع ويعرفون نبضه وحاجاته".
واختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة تشجيع مثل هذه المبادرات لتكون نموذجًا يحتذى به للشباب الآخرين، معتبرًا أن كل خطوة مؤازرة وتكاتف تعزز الوجود المسيحي وتحافظ على الهوية المجتمعية في فلسطين، مشددًا على أهمية دعم الشباب لإيجاد طرق مبتكرة لتمكينهم ومنحهم مساحة للتأثير والمشاركة الفاعلة، ليصبحوا شركاء فاعلين في بناء مجتمعهم بوعي وثقة.
من جانبه، أكد القس إسحق أن المبادرة الشبابية في الطيبة جاءت من وعي الشباب بأهمية التضامن والمشاركة، موضحًا أن "فكرتها تقوم على التكاتف ومشاركة ألم بعضنا البعض والوقوف معًا في المحن". وأشار إلى أن الظروف الراهنة تتطلب التفكير المشترك والعمل الجماعي: "التهديد يطالنا جميعًا؛ اليوم الطيبة وغدًا مناطق أخرى، لذلك من الضروري تنسيق الجهود وتبني استراتيجيات جماعية للصمود".
وحول دور الإيمان، شدد على أن المبادرة تبرز تأثير الإيمان العملي: "يجب أن نتساءل كيف يدعم إيماننا صمودنا ويحدد قيمنا. المبادرة خرجت من الشباب وهذا ما يميزها، ونتمنى أن تصبح نموذجًا يُحتذى به". وأكد أن الإيمان مرتبط بالمسؤولية المجتمعية: "علينا أن نكون فاعلين في مجتمعنا، لا مجرد متفرجين. فكرة الضحية أو الأقلية ليست مفيدة؛ نحن جزء من هذا الوطن وعلينا مواجهة الاستهداف جماعيًا".
وحذر من خطورة التغاضي عن الاعتداءات المستمرة: "الاستهداف وصلنا جميعًا، وإذا لم نقف معًا سنخسر هذه المعركة". وشدد على أن مواجهة التحديات تحتاج إلى وحدة وتعاون داخلي وخارجي: "الانعزال والانغلاق على النفس يشبه الانتحار البطيء". واختتم حديثه بالشكر لأهالي الطيبة على نموذجهم في الصمود: "نشكر أبونا بشار فواضله وكل الطاقم على الاستضافة، فقد قدموا مثالًا واضحًا عن التوحد ومواجهة التحديات، وأظهروا رسالة صمود وإيمان للعالم بأسره".
فيما أكدت المنسقة نهيل حنا أن المبادرة تجسد روح التكاتف بين المسيحيين، خصوصًا في ظل التحديات المستمرة التي يواجهها المجتمع على الصعيدين الأمني والاجتماعي والثقافي. وقالت حنا: "الهدف كان أن نسلط الضوء على أننا شعب واحد، ومسيحيون متحدون. صحيح أن عددنا قليل، لكن هذا لا يجعلنا أقلية، بل يعكس صمودنا ووجودنا المستمر في أرضنا".
وشددت على أهمية الدعم المتبادل بين الشباب، مشيرة إلى أن كل واحد يعيش في منطقة مختلفة، لكنهم يسعون دائمًا لأن يكونوا موجودين لبعضهم البعض، كإخوة وأخوات، وأن مشاركتهم في المبادرة تثبت أن التكاتف ليس شعارًا، بل ممارسة حقيقية تعكس قوة الروابط المجتمعية.