موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١ أغسطس / آب ٢٠٢٥
تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثامن عشر من زمن السنة العادي ج، 2025

بطريرك القدس للاتين :

 

يحمل إنجيل هذا الأحد (لوقا 12: 13-21) أصداءً تذكّرنا بواقعة مرتا ومريم، التي تأملنا فيها قبل أسبوعين. هناك، كنا أمام أختين؛ وهنا، أمام أخوين. هناك نشب خلاف بين الأختين؛ وهنا، يبرز نزاع حول الميراث. وفي كلا النصّين، يتوجّه أحد الطرفين إلى يسوع طالبًا تدخّله لحلّ المشكلة. غير أنّ يسوع، في كلتا الحالتين، لا ينغلق في إطار المسألة المطروحة، بل يوجّه النظر إلى ما هو أعمق، إلى ما ينقص الإنسان حقًا، إلى الجوهر.

 

في إنجيل اليوم، يبدأ يسوع كلامه بتنبيه صارم: "تَبَصَّروا" (لوقا 12: 15)، وهي دعوة إلى الحذر من خطر يهدّد الحياة بجدّية. ولكن الحذر وحده لا يكفي؛ إذ يضيف يسوع: "ٱحذَروا" (لوقا 12: 15). وما الذي ينبغي الابتعاد عنه؟ الجواب واضح: الطمع.

 

لا يطلب منّا السيد المسيح أن نبتعد عن المال في ذاته، بل عن الطمع، بل عن كلّ طمع، أي عن كلّ تعلّق داخلي، وعن كلّ عبودية خفية للأشياء، وعن خداع النفس حين تظنّ أن الامتلاك هو سرّ الحياة وغايتها.

 

ولتوضيح تعليمه، يقدّم يسوع مثلاً (لوقا 12: 16-20): يبدأ المثل بقول إن أرض رجل غنيّ أثمرت محصولًا وافرًا "رَجُلٌ غَنِيٌّ أَخصَبَت أَرضُه" (لوقا 12: 16) مشيرًا إلى وفرة تدعو إلى شكر الله، وإلى خير كان ينبغي أن يُشارك مع الآخرين. لكنّ شيئًا من هذا لا يحدث. فما امتلكه الرجل لم يُستقبَل كعطية من الله، ولم يثمر شكرًا ولا مشاركة. بل على العكس، ينغلق الرجل على ذاته، ولا يخاطب أحدًا سوى ذاته. والمثل يُبرز هذا الحوار الذاتي مرتين (لوقا 12: 17 و19)، ليصف إنسانًا أسيرًا لأفكاره، غارقًا في ذاته، لا يرى سواه.

 

وعن ماذا يدور هذا الحديث الداخلي؟ يدور كلّه حول ذاته، بل بالأحرى حول ممتلكاته: محاصيله ومخازنه وثرواته وحتى نفسه. ويتأمّل في مشاريعه، وفي كيفية الحفاظ على ما يملكه، قائلاً: "يا نَفْسِ، لَكِ أَرزاقٌ وافِرَة تَكفيكِ مَؤُونَةَ سِنينَ كَثيرة، فَاستَريحي وكُلي واشرَبي وتَنَعَّمي" (لوقا 12: 19). وهنا، يحدث أمر ما.

 

يتدخّل الله ويخترق هذا الحوار الداخلي المنغلق، ويخاطب الرجل بكلمة لا تُشبه ما اعتاد أن يقوله لنفسه، بل تُصدمه وتوقظه: "فلِمَن يكونُ ما أَعدَدتَه؟" (لوقا 12: 20).

 

وهكذا، يُعلن الله أن ما ظنّه هذا الرجل ملكًا دائمًا، ليس له في الحقيقة. كل ما جمعه، وسهر على حفظه، سينتقل إلى غيره، ومنه إلى سواه. ما راكمه لا يستطيع أن يصمد في وجه الموت، ولا أن يهب الحياة الأبدية، ولا أن يرافقه في رحيله. ويُختتم المثل بالإشارة إلى غِنى من نوع آخر، وحده يُرضي الله: "فهٰكذا يَكونُ مَصيرُ مَن يَكنِزُ لِنَفْسِه ولا يَغتَني عِندَ الله" (لوقا 12: 21).

 

لا يُفصح يسوع عن ماهية هذا الغِنى الحقيقي، تمامًا كما لم يشرح لمرتا ما هو "النصيب الأفضل" الذي لن يُنزع منها (لوقا 10: 42). ذلك لأنّ الحياة، بكل بساطة، والصلاة في جوهرها، ليست سوى مسيرة بحث دائم عن ما هو أساسي، عن ما نحتاج إليه حقًّا، عن ما يُغني في نظر الله.

 

لهذا، فإنّ شفاء العلاقات الأخوية لا يتحقّق بمجرد توزيع عادل للإرث، بل بانفتاح القلب لاكتشاف الغِنى الأعمق: الغِنى الذي يتجسّد في ذلك الأخ، وتلك الأخت، الحاضرين أمامك، واللذين لا تحتاج تجاههما سوى كلمة واحدة: شكرًا.

 

"شكرًا" هي الكلمة التي لا يستطيع أن ينطق بها سوى قلب شُفيَ من الطمع.