موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٩ مايو / أيار ٢٠١٧
رسالة من عذراء فاطيما إلى العالم جاءت قبل 100 سنة

ألمانيا - الأب منويل بدر :

 

يوم الثالث عشر من أيار عام 1917، ومع حلول انتهاء الحرب العالمية الأولى، التي كانت قد أنهكت أوروبا وتركت وراءها، إلى جانب ملايين القتلى، دون أن ننسى التدمير والخرابات التي لا سابق لها. وسط هذه الحالة اليائسة، ظهرت العذراء مريم في فاطيما في البرتغال لثلاثة أطفال من عائلات فلاحين بسطاء، كانوا واقفين مع أغنامهم لا تتراوح أعمارهم العشر سنوات، وهم (الأخوين فرانسيسكو مولود 11.06.1908 وشقيقته جاشنتا مولودة 11.03.1910 ولوسي ابنة عمهم مولودة 22.03.1907). هذا وتوالت لهم الظهورات كل يوم 13 من أيار وحتى تشرين الأول، حسب طلب السيدة التي ظهرت لهم، وهي العذراء مريم سيدة الوردية. وهذا يعني أنّ العالم والكنيسة هما الآن على عتبة مرور 100 سنة على هذه الظهورات. يا له من يوبيل مهم، إذ البابا فرنسيس بنفسه سيقوم بالإحتفالات الدينية إحتفالا بهذا اليوبيل المئوي الأول.

 

 

أولاً اسم فاطيما

 

هو اسم الموقع الذي تمت فيه الظهورات على هضبة في البرتغال. والاسم يعود إلى الاحتلال الإسلامي لإسبانيا في القرن الحادي عشر، حيث كانت قد ولدت ابنة جميلة لأحد ملوك اسبانيا وقعت في أسر حاكم المنطقة المسلم المدعوة سانتارين، فأحبّها هذا الحاكم لجمالها وسماها فاطيما تيمنًا بفاطمة ابنة نبي الإسلام، ولشغفه بها غيّر اسم المكان كاملاً من سانتارين إلى فاطيما عام 1158 وبقي حتى اليوم. لكن منذ 1917 هناك امرأة أخرى جعلت المنطقة مشهورة وإلى الأبد، وهي العذراء مريم، حيث ظهرت في ضيق أواخر الحرب العالمية الأولى، لثلاثة أطفال برسالات معزّية للكنيسة وللعالم كله. فما عادت فاطيما كما كانت.

 

 

الظهور الأول

 

"إنّي جئت إليكم اليوم لأطلب منكم أن تأتوا كل يوم 13 من كل شهر لكل الشهور الستة القادمة، في نفس التوقيت إلى هذا المكان. وفيها سأكشف لكم من أنا وماذا أريد". وما أن أذاعت الطفلة لوسي هذا الخبر أمام الجماهير بعد مشاهدتها الظهور الأول، حتى انتشر كالنار في الهشيم. فراح يزداد عدد المشاهدين من ظهور إلى آخر بشكل عجيب. فبينما كان عدد الفضوليين يوم الظهور الثاني ما بين 50-60 شخصًا فقط، زاد عددهم في الظهور الرابع ما بين 15000-18000 مشاهد. ويوم الظهور الأخير في شهر تشرين الأول 1917 قد وصل عددهم ما بين خمسين إلى سبعين ألف شخص.

 

وعلى قول الأطفال الرائيين فقد ظهر لهم ملاك عام 1916 ثلاث مرات هيأهم لما سيحصل معهم في العام القادم أي 1917. وعلى الرّغم من حديث الأطفال البريء فكما حدث في لورد، لم يؤمن الكثيرون بداية بأقوالهم واعتبروها هذيان وخيال غير واقعي. وكم سخر الناس بلوسي لأنها الأكبر عمرًا بينهم، مستهزئين بتسميتها برناديت فاطيما. حتى كاهن الرعية هدد الأطفال بعدم حلهم من الخطيئة إن بقوا مصرّين على قولهم، أنهم شاهدوا العذراء.

 

وكنتيجة لهذا الإنذار فقد كان عدد الحاضرين لظهور العذراء الثاني يوم 13 حزيران 1917 محصورًا ولا يزيد عن الستين شخصًا كما ذكرنا، وأنه لا أحد منهم لاحظ أو شاهد أي علامات ظهور، لكن الأطفال لوحدهم استطاعوا رؤية الظهور. فلوسي رأت العذراء وتكلمت معها. بينما جاشينتو رآتها فقط وأما فرنسيس فقد سمعها فقط لكنه ما رآها.

 

وعند ظهورها في شهر تموز، واستجابة لطلب من لوسي، وعدت سيدتنا بأنها في شهر تشرين الأول ستقوم بمعجزة كبيرة أمام انظار العامة لكي يؤمنوا ويعرفوا من هي. هذا وفي كلّ ظهور كانت رسالة العذراء التشديد على التوبة وإلا ستكثر الويلات والحروب والعالم سيتدمّر.

 

لقد أدت الظهورات إلى هيجان سريع وكبير في المنطقة، وهذا ما جعل السلطات المدنية الملحدة مذعورة. ففي موعد الظهور المحدد للسيدة، 13 آب، ورغم أن أكثر من 15000 شخصًا كانوا ينتظرون موعد الظهور، فقد خطف المحافظ الملحد الأطفال ووضعهم في السجن. ورغم تهديداته لهم بالحرق في زيت مغلي وهم أحياء إن لم يكذّبوا الحدث علنيًا، لكنهم تحدوا الحاكم الذي ما أُطلِق سراحهم إلا في 15 الشهر وبعد 4 أيام أخبر الأطفال أن العذراء ظهرت لهم في مكان آخر، وهي نفسها التي شاهدوها 3 مرات قبل الآن.

 

 

المعجزة الموعودة لشهر تشرين الأول

 

تباعًا للظهورات السابقة، كانت البرتغال بأجمعها مهتاجة بالأحداث الواقعة في فاطيما التي أصبحت فجأة أكثر المناطق أهمية في البلاد. وخاصة الصحافة التي اهتمت كثيرًا بموضوع المعجزة الكبرى التي كان من المقرر وقعها. العديد من الصحفيين والمصورين كانوا على أهبة الاستعداد لتسجيل الأحداث، أو لكي يثبتوا أن هذه الأخبار ليست سوى أكاذيب.

 

في الأيام السابقة للثالث عشر من تشرين الأول، كانت جميع الطرق المؤدية إلى فاطيما ممتلئة لعدة أميال وعبر طرق وعرة. وفجأة أمطرت السماء كل ليلة الثاني عشر وصبيحة الثالث عشر. بحلول منتصف النهار تجمع أكثر من سبعين ألف شخص كانوا واقفين في الطين حتى ركبهم، محتشدين تحت المظلات بحثًا عن حماية من المطر القاسي وهم يصلون وردياتهم.

 

بعد منتصف النهار بقليل حضرت السيدة بظهورها الأخير. أخبرت الأطفال: "أنا سيدة الوردية جئت لأنبه المؤمنين لكي يغيروا حياتهم ويطلبوا الصفح عن خطاياهم. يجب ألا يغضبوا ربنا أكثر من هذا، لأنه قد أغضب بشكل موجع بخطايا الناس. على الناس أن يصلوا الوردية. ويستمروا في صلاتها كل يوم، حتى لا تحدث حروب جديدة".

 

فعلاً في ظهور يوم 13 تشرين الأول جرى ما سمّي بأعجوبة الشمس. فكثير من الحاضرين قالوا إنهم شاهدوا شيئًا غريبًا، كأنَّ الشمس تركت مكانها ومسارها وراحت تقترب من الأرض ككتلة نار.

 

"بينما كانت السيدة على وشك المغادرة، أشارت إلى الشمس، وكررت لوسي بشكل انعكاسي هذه الإيماءة فنظر الناس إلى السماء. فجأة توقف المطر، وتفرقت الغيوم، وأشرقت الشمس ولكن ليس بإشعاعها المعتاد. بل ظهرت بدلاً من ذلك بشكل قرص فضي، شاحبة مثل القمر، فكان بإمكان الجميع التحديق بها دون إجهاد لعيونهم فجأة وبدفع من بعض القوى الغامضة، بدأ القرص بالدوران في السماء، مطلقًا إشعاعات كبيرة من الضوء المتعدد الألوان، أحمر وأخضر وأزرق وأصفر وبنفسجي، إشعاعات كبيرة انطلقت عبر السماء وبجميع الزوايا، مضيئة كل القرية ولعدة أميال حواليها، وخاصة وجوة الناس السبعين ألف المتجهة الى فوق والمسحورة. بعد ثلاث دقائق توقفت الأعجوبة، ولكنها استأنفت أيضًا لمرة ثانية وثالثة- ثلاث مرات بمجموعها- ولمدة تقارب الاثنتي عشرة دقيقة. بدا العالم جميعاً وكأنه في نار مع كل دورة للشمس، التي تزايدت سرعتها في كل مرة.

 

بعدها ارتفعت صيحة رعب من الحشد، لأن الشمس بدت وكأنها قد فصلت نفسها من السماء وجاءت منهارة فوق الجماهير المرتعبة. صرخت إحدى النساء "إنها نهاية العالم"، وتوسلت أخرى "إلهي العزيز لا تدعني أموت بخطاياي!" وصاحت ثالثة "أيتها العذراء القديسة إحمينا" كان الجميع راكعين بخوف ويطلبون العفو عن خطاياهم. وفي الوقت الذي بدت فيه كرة النار ستسقط فوقهم وتدمرهم، توقفت المعجزة ورجعت الشمس إلى مكانها المألوف في السماء مشرقة بسلام كما هي أبدًا.

 

عندما نهض الناس من الأرض، سمعت صيحات الدهشة من جميع الجوانب. كانت ملابسهم التي سبق وأن ابتلت بالماء والطين، نظيفة وجافة والعديد من المرضى والمقعدين قد شفوا من أمراضهم.

 

وفي هذا الظهور أعلنت العذراء لجاشينتا وفرنسيس أنهما لن يعيشا طويلاً بل سيفارقان هذا العالم قريبًا، أما لوسي فستعيش أطول وذلك لكي تحمل بشرى الظهورات لأكبر عدد ممكن من البشر. "قالت سيدتنا لـلوسي وهي تحمل قلبها محاطًا بالأشواك الخارقة له من كل جوانبه: يرغب الله في أن تبقين في هذا العالم لبعض الوقت لأنه يريد أن يستخدمك لتؤسسي في هذا العالم عبادة (أخوية) لقلبي الطاهر". وهذا ما حدث فإن فرنسيس قد توفي بعد إصابته بمرض الإنفلونزا بعد أقل من سنتين أي يوم 4 نيسان من العام 1919 ولحقته جاشينتا يوم 20 شباط 1920 مصابة كذلك بنفس المرض. وأمّا لوسي وبموجب توصية من أسقف فاطيما فقد دخلت عام 1921 مدرسة داخلية للراهبات لتعلم القراءة والكتابة، وأصبحت راهبة فيما بعد في رهبنة اخت القديسة دورثي وعندما أصبحت راهبة أعطيت إسم الأخت مريم دولورس وبقيت في الدير لا تغادره إلى يوم وفاتها في 13 شباط 2005.

 

عام 1924 أجبرت لوسي من لجنة كنسية على الإستنطاق والجواب على سؤلات دقيقة حول تلك الظهورات وبعد سنوات قليلة طُلبت منها لجنة ثانية أن تكتب تصريحاتها خطيًا سلمتها للجنة مختومة بختم كنسي رسمي، استلمها مطران الأبرشية ووضعت في سجل الأسرار المكتومة، والتي لا يحق إعلانها أو الاطّلاع عليها.