موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٤ يوليو / تموز ٢٠٢٤
تسكين الألم

أشخين ديمرجيان :

 

ترجو زهرة المدائن من أبنائها الحفاظ على قداستها الروحانيّة بعد أن زرعت في أعماق ضمائرهم على مرّ التاريخ الولاء لها والوفاء... تنوح "زهرة المدائن" وتبكي نفسها وأبناءها الأعزّاء الذين يعانون بشدّة من طوق الاحتلال وقسوته، وتخشى من قساة الرّقاب سلبهم لتراثها، وتمزيقهم لهويّتها المقدسيّة الأصيلة، وتهويدهم للمكان والزمان بعد أن تهوّدت أسماء المعالم الفلسطينيّة، وتمّ الاستيلاء على المقدّسات بذريعة  الصلاة والعبادة... وحذف الماضي من المناهج الدراسيّة والكتب المدرسية!

 

في الأوضاع المُزرية التي نعيشها في بلادنا خاصة والعالم العربي عامة، ما أحوجنا إلى علاج شاف، يُزيل عنّا التوتّر ويُخفّف أوجاعنا الجسديّة والنفسيّة، بما أنّ الدواء الذي يستعمله المريض غالبًا ما لا يأتي بالفائدة المرجوّة فتتدهور صحّته باستمرار.

 

لذلك يؤكّد علماء النفس بعد أبحاث وتجارب وخبرات كثيرة أنّ المؤمن الذي يسلك طريق البِرّ بلا رياء، يتمتّع بصحّة جيّدة أكثر من غيره. وينصح الأطبّأء بالتغذية الصحيحة، وبرياضة المشي،  وبممارسة تمارين رياضيّة تتناسب مع حالة كلّ شخص ووضعه الصحّيّ وعمره، حتّى لوكانت الرياضة من النوع المعتدل الخفيف. أمّا السبب الرئيسي في فوائد الرياضة الصحيّة فهو هرمون "الإندورفين":

 

هرمون الإندورفين هو المسبب الرئيسي لحالة الشعور بالسعادة التي يحسّ بها الرياضيّون وممارسو التمارين الرياضيّة بشتّى أنواعها: بداية بتسلّق الجبال إلى الغوص في قعر المياه إلى السباحة والجري إلخ، والسبب في ذلك أنّه لدى ممارسة الإنسان للرياضة البدنيّة يُفرز من جسمه مادة الإندورفين فيشعر بحالة من السرور ناجمة عن إفراز تلك المادّة. لذلك يوصي الأطبّاء بممارسة التمارين الرياضيّة لتحسين الصحّة وتعديل المزاج.

 

يُفرز الإندورفين استجابة للجهد البدني معتدل الشدّة الذي يدوم لمدّة ثلث ساعة أو أكثر، ويفرز أيضًا في حالة الجهد البدني الأقلّ شدة إذا استمرّ الجهد لفترة طويلة. أمّا في أثناء الجهد البدني العنيف الذي يستغرق فترة وجيزة، كعدو المسافات القصيرة أو رفع الأثقال، فلا يغيّر من تركيز الإندورفين في الدم.

 

ويُفرَز الإندورفين استجابة للألم أو الإجهاد ، ويعمل على تخفيف الشعور بالألم، وخفض الإجهاد، وتعزيز الجهاز المناعي، ومن تأثيرات إفراز الإندورفين تحسّن المزاج لدى المرء والشعور بالهدوء النفسيّ والاسترخاء.

 

هرمون الإندورفين من أهم مسكّنات الألم التي يفرزها جسم الإنسان بشكل طبيعي (أفيون الجسم الطبيعي).  لقد تمّ اكتشاف هذا الهرمون عام 1975م بمحض الصدفة، وهو عبارة مادّة موجودة في الجهاز العصبي، ويتكوّن من سلسلة "مجموعة البيبتيدات" ( polypeptidesسلسلة من الأحماض الأمينيّة). ويعتقد العلماء أنّ الإندورفين وبعض المواد الكيميائية المماثلة لها  يكوّنون جزءاً من مجموعة كبيرة من مركّبات شبيهة بالمورفين التي تساعد على تخفيف الآلام وتعطي شعوراً بالراحة، لذلك فالإندورفين يشكّل جزءًا من نظام "تسكين الألم" في الجسم.

 

عند إفراز الإندورفين من خلايا الدماغ أو من الغدّة النخامية، يرتبط بالمراكز التي تستقبل الألم في الدماغ ويسكّن الألم، ولا يُدمن الإنسان عليه كما هو الحال مع الأدوية المخدّرة أو المسكّنة لأنّه يُفرَز طبيعياً من الجسم. وأنواع الإندورفين كثيرة وأكثرها فعاليّة ما يسمّى "بيتا إندورفين" الذي يتكوّن من ثلاثين حمضاً أمينياً.

 

مشكلة الشرّ والألم تلازمنا دومًا وتحمل رسالة رومية (8: 28) بعض التعزية لكلّ من يمرّ بأوقات صعبة: "ونحن نعلم أن كلّ الأشياء تعمل معًا للخير للّذين يحبّون الله، الذين هم مدعوّون حسب قصده". واختبر داوود في زمانه نفس آلام الكثيرين اليوم حينما هتف في المزمور (22: 1-8): "الهي الهي لماذا تركتني؟" أمّا المدينة المقدّسة، فقد بكاها إرميا النبيّ في المراثي (1: 1)، نعم! وما أشبه اليوم بالأمس، عندما قهرها البابليّون: "كيف جلست وحدها، المدينة كثيرة الشعب، أمسَت كأرملة، العظيمة في الأمم، سيّدة البلدان باتت تحت الجزية؟".

 

خاتمة

 

تبقى المعاناة لغزاً صعباً في حياتنا إلى يوم القيامة. ويعرف السيّد المسيح ما في قلوبنا من ضيقات لذلك يدعونا كي يمنحنا الراحة والسلام: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين وثقيليّ الأحمال وأنا أريحكم" (متّى 11: 28).