موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢١ مارس / آذار ٢٠٢٣
الباباوات والصوم: قيمة الصدقة، لفتة محبّة مجانيّة
الأسئلة حول معنى فعل المشاركة هذا تجد إجابات متعددة في كلمات الباباوات. نسترجع بعض التأملات من تعاليم البابا فرنسيس والبابا بندكتس السادس عشر، ويوحنا بولس الثاني وبولس السادس

فاتيكان نيوز :

 

إنّ عناصر المسيرة الروحية في زمن الصوم الكبير هي الصلاة والصوم والصدقة. ومصطلح "الصدقة"، بشكل خاص، يشتقُّ من اللغة اليونانية ويعني "الرحمة"، وبالتالي على الصدقة إذًا أن تحمل معها غنى الرّحمة بأسره. وكما أن الرّحمة تملك آلاف الدّروب والأساليب، كذلك الصدقة تظهر أيضًا بأشكال عديدة لتخفّف ضيق الذين يعيشون في العَوَز.

 

 

البابا فرنسيس

 

كذلك يشير هذا المُصطلح إلى المجانيّة، ففي الصدقة، كما أكد البابا فرنسيس خلال القداس الإلهي في 5 آذار 2014، "نحن نعطي لشخص لا ننتظر أن نتلقى منه شيئًا في المقابل". "الصدقة تساعدنا لكي نعيش مجانيّة العطاء، التي هي التحرر من هوس الاستحواذ، ومن الخوف من فقدان ما لدينا، ومن حزن الذين لا يريدون أن يتقاسموا رفاهيتهم مع الآخرين".

 

ترتبط إحدى السمات النموذجية للصدقة المسيحية بواقع أنها يجب أن تكون خفيّة. وقد ذكّر ذلك البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في 9 نيسان 2016، وقال يطلب منّا يسوع ألاّ نتصدّق لكي نُمدَح ويُعجب الناس بسخائنا ويقول: "لا تَعلَمْ شِمالُكَ ما تَفعَلُ يَمينُكَ". ليس الظّاهر الذي يُهِم وإنّما القدرة على التوقّف للنظر في وجه الشّخص الذي يطلب مساعدة. يمكن لكلّ فرد منّا أن يسأل نفسه: "هل أنا قادر على التوقّف للنّظر في وجه الشّخص الذي يطلب مساعدتي؟ هل أنا قادر؟ لا يجب علينا إذًا أن نعتبر الصّدقة مجرّد تقدمة مال بسيطة وسريعة بدون النّظر إلى الشّخص وبدون التوقّف للحديث معه لنفهم ما هو بحاجة إليه حقًّا. في الوقت عينه ينبغي علينا أن نُميّز بين الفقراء ومختلف أشكال التسوّل التي لا تقدّم خدمة جيّدة للفقراء الحقيقيّين. لذلك، فالصّدقة هي تصرّف محبّة موجّه نحو الذين نلتقي بهم؛ إنّها تصرّف اهتمام صادق تجاه الذي يقترب منا ويطلب مساعدتنا، ويتمُّ في الخُفية حيث يرى الله وحده ويفهم قيمة هذا التصرّف.

 

 

البابا بندكتس السادس عشر

 

إن الصدقة، يؤكّد البابا بندكتس السادس عشر في رسالته بمناسبة الصوم الكبير لعام 2008، "تمثل طريقة ملموسة لمساعدة المحتاجين، وفي الوقت عينه هي تمرّسٌ في الزهد لكي نتحرّر من التعلّق بالخيور الزمنية. فبقدر ما تكون قوية تجربة انجذابنا إلى الثروات المادية بقدر ما يجب أن تكون قراراتنا حازمة لكي لا تتحول إلى أصنام، هذا ما يؤكده يسوع بلهجة حاسمة حين يقول: "لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (لوقا 16، 13). إن الصدقة –نقرأ أيضًا في الرسالة– تساعدنا لكي نتغلّب على هذه التجربة المستمرة إذ تعلّمنا أن نلبّي احتياجات القريب ونتقاسم مع الآخرين ما وهبنا إياه الصلاح الإلهي. وهذا ما تهدف إليه حملات جمع التبرعات الخاصة بالفقراء التي تُنظَّم خلال زمن الصوم في مناطق عديدة من العالم.

 

وتضيف الرسالة يكتب القديس بولس، إنَّ المسيح افتقر لأجلنا وهو الغنيّ لنغتني بفقره؛ لقد وهبنا ذاته بكليّتها. وبالتالي يحثنا زمن الصوم من خلال ممارسة الصدقة أيضاً لكي نسير على خطاه. ففي مدرسته نتعلّم كيف نجعل حياتنا عطاء كاملاً، وبالاقتداء به نصبح مستعدّين لا لكي نعطي جزءًا مما نملكه وحسب، وإنما لكي نبذل ذاتنا بكاملها أيضاً. أوَلا يُختصر الإنجيل برمّته في وصية المحبة وحدها؟ وبالتالي تصبح ممارسة الصدقة في زمن الصوم وسيلةً للتعمق في رسالتنا المسيحية. وعندما يبذل المسيحي ذاته مجاناً يشهد على أن المحبة وليس الخيور المادية هي التي تنصُّ قوانين الحياة. ولذلك فالمحبة هي التي تعطي الصدقة قيمتها وهي ما يشكل مصدر إلهام لأشكال مختلفة من العطاء، وفق إمكانيات كل واحد منا وظروفه.

 

وخلص البابا بندكتس السادس عشر إلى القول إنّ زمن الصوم يدعونا لكي "نتمرّس" في الأعمال الروحية، من خلال الصدقة أيضاً، لكي ننمو في المحبة ونرى المسيح في وجوه الفقراء. نقرأ في أعمال الرسل أن القديس بطرس الرسول توجه إلى المقعد الذي كان يضَّجع عند باب الهيكل يلتمس الصدقة قائلاً: "لا فضة عندي ولا ذهب، ولكنّي أعطيكَ ما عندي: بإسم يسوع المسيح الناصريّ امشِ". وبالتالي من خلال الصدقة نحن نقدّم شيئاً مادياً كعربون للعطية الأكبر التي يمكننا أن نقدِّمها للآخرين من خلال إعلان المسيح والشهادة له، هو الذي بإسمه تكون الحياة الحقيقية.

 

 

البابا يوحنا بولس الثاني

 

"إنَّ المسيح -والكنيسة بعده– يقترح علينا أيضًا، في زمن الصوم الكبير، الوسائل التي تساعدنا على الارتداد. يتعلق الأمر أولاً بالصلاة، ومن ثم بالصدقة والصوم". هذا ما يذكّرنا به القديس البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته لزمن الصوم الكبير عام 1979.

 

"إن الصدقة والصوم كوسيلتين للإرتداد والتوبة المسيحية ترتبطان ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض. إنَّ الصوم يعني السيطرة على النفس، يعني أن نكون مُتطلِّبين تجاه ذواتنا، وأن نكون مستعدِّين للتخلي عن الأشياء -ليس فقط عن الطعام- وإنما أيضًا عن الاستمتاع بالملذات المختلفة. وبالتالي فالصدقة -بالمعنى الأوسع- تعني أن نكون مستعدّين وجاهزين لكي نشارك أفراح وأحزان الآخرين، ونعطي القريب والمحتاج بشكل خاص وأن نتقاسم لا الخيور المادية وحسب، وإنما عطايا الروح أيضًا".

 

 

البابا بولس السادس

 

في8 شباط 1967، يوم أربعاء الرماد، ذكّر البابا بولس السادس بكم هو صعب، في الأعمال الخيرية المادية، أن نحرم ذواتنا من أي شيء عزيز علينا، أو مفيد وربما ضروري: وأن نُعطي صدقة تؤثِّر حقًا على مدخراتنا وخصوصيتنا. إذ أننا نعطي الفائض عن طيب خاطر وما لا يُكلِّف شيئًا". "أما الصدقة الحقيقية فتقترح أن نُعطي جزءًا مما يُكلِّف، وما يبدو أنه لا غنى عنه بالنسبة لنا. هذه هي القاعدة الحكيمة التي يمكنها أن تفتح لنا آفاقًا لا حدود لها".