موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أطلقت المبادرة المسيحية الفلسطينية المسكونية، أمس الجمعة في مدينة بيت لحم، وثيقة "كايروس فلسطين الثانية" بعنوان: "لحظة الحقيقة: الإيمان في زمن الإبادة"، وذلك بمشاركة قادة الكنائس الفلسطينية والعالمية، وممثلي الهيئات المدنية.
وجاء الإطلاق الوثيقة خلال المؤتمر الدولي السادس عشر للمبادرة، بعد أكثر من عامين على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما يزيد عن 15 عامًا على صدور الوثيقة الأولى عام 2009، التي شكّلت آنذاك صرخة إيمان ورجاء ومحبّة من قلب المعاناة الفلسطينية، ولاقت صدى واسعًا في الكنائس محليًا وعالميًا، مؤكدة استمرار الصوت الكنسي في الدعوة إلى عدالة شاملة للشعوب.
واستُهل المؤتمر فعالياته بصلاة جددت الإيمان في نفوس الحضور، قدّمها النائب البطريركي للاتين في القدس وفلسطين المطران وليم شوملي، الذي اعتبر أن السلام "هبة وسعي"، وأنّ المؤمنين، لكونها هبة، يطلبونها من الله. وشدّد على أن الكرامة الإنسانية غير قابلة للقهر والمساومة، مؤكدًا أن الكنائس في فلسطين تعمل من أجل عالم يسوده السلام في الحق والعدالة وفي الحرية والكرامة.
وفي مداخلة البطريرك ميشيل صبّاح، مؤسّس مبادرة كايروس فلسطين، شكر غبطته الحضور من مختلف أنحاء العالم على مواقفهم المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، معتبرًا أن "أملنا ما زال متأصّلاً في الله، ومتجذّرًا في الأخوّة والطيبة الموجودة في العالم". وقال: إنّ "المؤتمر السنوي ينعقد اليوم فيما نتأمل معًا في وثيقة كايروس 2 ونتساءل: ماذا بعد غزة؟ أي لاهوت بعد غزة وبعد واقع الإبادة فيها؟".
وأضاف: "لقد رأينا في غزة ما رأيناه، وكشفت لنا الأيام نوايا الموت والابادة. وقيل لنا صراحة: أنتم، الشعب الفلسطيني، لا يجوز أن تكونوا هنا؛ إمّا الرحيل وإما الإبادة. ونحن نقول: الله لا يقول ذلك. الله يقول سلامًا وحياة وحرية وعدلاً ومساواة. لذلك نؤكد أننا سنبقى هنا. وبما أن الله هو ربّ الحياة والموت، فسنظلّ ثابتين. أمّا قرار الإنسان، مهما استبد واستعلى، فلن يكون هو الأعلى".
وتساءل: "بعد غزة، ماذا علينا نحن الشعب الفلسطيني أن نفعل؟ إن أحداث غزة تشكّل عبرة لنا جميعًا، وهي بداية جديدة لنا وللآخرين. نحن، ولا سيما المسؤولين منّا -سواء في السلطة أو الأحزاب- علينا مزيدٌ من المحبّة، ومزيدٌ من روح الخدمة». واعتبر أن المحبّة، التي توحّد القوى المقاومة والمطالِبة بالحقوق الأساسية، هي السبيل إلى تحقيق رؤية تجعل الوطن أولًا، وفلسطين قبل أي حزب أو انتماء.
ووجّه البطريرك كلمة إلى الكنائس المناصرة للشعب الفلسطيني حول العالم، قائلًا: "قضيتنا قضيتكم، وهي قضية إنسانية قبل كل شيء. إنها قضية إنسان يُدمَّر على يد إنسان آخر. وعليكم أن تنتبهوا لنا ولأنفسكم، فالقداسة تدعوكم إلى مواصلة مساندة الشعب الفلسطيني بالصوت والكلمة".
وأضاف محمّلًا الكنائس مسؤوليتها التاريخية: "أرضنا مقدسة وهي أرض الجميع، وأنتم مسؤولون عن سلامها. إن جريمة ضد الإنسان ارتُكبت في غزة، وقصد الإبادة ما يزال مستمرًا فيها وفي الضفة الغربية. وهذا الواقع يفرض علينا أن ننبّه شعوب العالم إلى ما يحدث. وقد شهدنا جماهير واسعة تسير وتتظاهر وتصلّي وتصوم من أجل وقف الإبادة في غزة، كما بدّلت دول كثيرة مواقفها خوفًا على مستقبل البشرية".
وشدّد على أن رؤيته للواقع والمستقبل تجعله يقول: "لقد بدأنا مرحلة جديدة في أرضنا… والله سبحانه بدأ معنا مرحلة جديدة. فالحياة هي لمن يطلب الحياة. لقد دخلنا مرحلة حياة للشعب الفلسطيني، الذي سيعيش على أرضه وفي مدنه وقراه".
ووجّه البطريرك صبّاح كلامه للشعب الإسرائيلي: "مصير الشعب الإسرائيلي بين يديه. إن استمرّ في قتلنا سيجد الموت في نفسه. أمّا إن طلب الحياة بطرق الحياة، فسيجدها. حياة إسرائيل تكمن في سلامها مع الشعب الفلسطيني. فبقاء إسرائيل لا يتوقف على قوتها وأسلحتها، بل على سلامها مع الشعب الفلسطيني. هذه هي طريق الحياة والبقاء لإسرائيل".
وقدّم المطران عطا الله حنا، أحد الداعمين للمبادرة، مداخله أشار فيها إلى أنّ "العالم المسيحي يستعد لاستقبال العام الجديد، وستغدو المدن مليئة بالأنوار والزينة. وهنا، وجب أن نؤكد وندعو المسيحيين في كل مكان، أثناء احتفالهم بعيد الميلاد، إلى أن يلتفتوا إلى أرض الميلاد، بيت لحم".
وأضاف: "من دون بيت لحم لا يوجد عيد ميلاد، ومن يظن أنه يمكنه أن يحتفل بعيد الميلاد من دون بيت لحم وفلسطين فهو مخطىء في اعتقاده ومنحرف في ايمانه". وطالب الكنائس والعالم بتصويب إيمانها، معتبرًا أن "أي بوصلة لا تشير إلى فلسطين ليست في الاتجاه الصحيح".
واعتبر أن "من تضامن مع فلسطين فقد تضامن مع إنسانيته، ومن طالب بوقف حرب الإبادة في غزة إنما عبّر عن إيمانه وإنسانيته وقيمه". ورأى أن محاولات الاحتلال القضاء على الشعب الفلسطيني أسفرت عن نتائج معاكسة، إذ تضاعف الوعي والإدراك بالقضية الفلسطينية.
وأوضح المطران أنّ "هناك ظلمًا تاريخيًا تعرّض له الشعب الفلسطيني، ولكي يكون هناك سلام حقيقي يجب أن تزول المظالم وينعم الفلسطيني بالحرية. فالمشاهد التي تعيشها فلسطين لا تُرى إلا فيها، حيث يُمنع الفلسطيني من التنقل بحرية، كما أن مدينة الميلاد محاطة بالأسوار والبوابات، شأنها شأن القدس وكل المدن والبلدات".
وشدّد على الفلسطيني "لن يستسلم لعدوانية الاحتلال، وأن الحق سينتصر على الباطل، وأن المسيحيين في فلسطين يفتخرون بالانتماء للكنيسة الأولى التي انطلقت رسالتها من بيت لحم، وسلامنا هو سلام العدالة والحق وحفظ كرامة الإنسان وحريته".
وأكد أن السلام "لا يُبنى على الاستبداد، أو الاحتلال، أو القمع والظلم، بل على صون حرية وكرامة الإنسان الفلسطيني"، مشيرًا إلى أن مفهوم السلام بالنسبة للاحتلال هو "استسلام الفلسطيني". واعتبر أن الموقف المسيحي والإنساني الحقيقي هو أن "يعيش الفلسطيني بحرية يستحقها في وطنه وأرضه المقدسة".