موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥
البطريركية اللاتينية: أكثر من 1500 طن من المساعدات الإنسانية إلى غزة خلال عام

أبونا :

 

أعلنت البطريركية اللاتينية أنّها تمكّنت من إيصال أكثر من 1500 طن من المساعدات الإنسانية خلال الفترة الممتدة من تشرين الثاني 2024 حتى تشرين الأول 2025، وذلك ضمن استجابة إنسانية متواصلة لدعم السكان المتضررين من الحرب والأوضاع المعيشية القاسية.

 

وجاء ذلك في التقرير المفصّل الذي أصدرته البطريركية اللاتينية في شهر تشرين الثاني 2025، والذي استعرض حجم المساعدات المالية التي جُمعت عقب النداء الإنساني الذي أطلقته للتخفيف من معاناة الأفراد في قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية. وأوضح التقرير أنّ هذه المساعدات استفاد منها نحو 200 ألف شخص في المناطق.

 

وقال الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين: "في هذا الزمن، اختبرنا ككنيسة أن الثقة المتبادلة تفتح أعيننا لنرى الواقع بصورة بنّاءة وإيجابية. أما حين تغيب الثقة، فإن أعيننا تنغلق ونفقد قدرتنا على التمييز السليم. وقد جعلتنا الثقة التي وُلدت وسط المآسي نُدرك أننا مدعوون ليس فقط للاهتمام بالآخرين، بل أيضًا لأن نكون مثل صغار الإنجيل".

 

 

شريان حياة في قلب غزة

 

وفي واحدة من أصعب بيئات العمل الإنساني في العالم، أشارت البطريركية إلى أنّ مجمّع كنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة تحوّل إلى مركز إنساني متكامل شكّل شريان حياة حقيقيًا لآلاف المدنيين، جامعًا بين الحضور الروحي والدعم الإغاثي العملي.

 

وقدّمت البطريركية أكثر من 1.2 مليون وجبة غذائية للنازحين داخل مجمّع الرعية والمناطق المحيطة، إضافة إلى توفير الاحتياجات الأساسية لما يُقدَّر بنحو 10% من سكان شمال غزة، في ظل نقص حاد في الغذاء والمياه والخدمات الأساسية.

 

وفي إطار تعزيز مقومات الصمود، أُنشئت داخل المجمّع بنية تحتية متكاملة شملت مخبزًا ميدانيًا، وعيادة طبية، وآبار مياه، وأنظمة طاقة شمسية، ومرافق لغسيل ملابس، ما أتاح لمئات الأشخاص العيش بكرامة رغم الظروف الاستثنائية.

 

كما توسّع برنامج التوظيف التابع للبطريركية ليشمل نحو 200 وظيفة حيوية بحلول عام 2025، موفّرًا مصدر دخل ثابت للأسر التي فقدت سبل عيشها. وفي المجال التعليمي، تمّ إطلاق برامج تعليمية رسمية داخل غزة يعمل فيها 48 معلّمًا من المسيحيين والمسلمين، لضمان تعليم معتمد للأطفال المتضرّرين واستمرارية مسارهم التعليمي رغم ظروف الحرب.

 

 

دعم الاستقرار في الضفة والقدس

 

وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث أدّت الحصارات الاقتصادية والاضطرابات السياسية إلى تراجع حاد في سبل العيش، ركّزت البطريركيّة اللاتينية على منع انهيار الأسر والبنية التحتية المجتمعية. فقد جرى توزيع 5600 قسيمة غذائية دعمت الأسر الأكثر تضررًا، إلى جانب دعم أصحاب المحال التجارية المتأثرين بالركود. كما استفاد أكثر من 2000 شخص من برامج الرعاية الصحية وتوفير الأدوية والعلاجات اللازمة.

 

وفي مجال التعليم، تم الحفاظ على مستقبل نحو 5000 طالب عبر منح دراسية شاملة. فيما جرى توزيع أكثر من 4000 فرصة عمل عبر برامج العمل مقابل النقد وبرامج التدريب الداخلي، تعزيزًا للاعتماد الذاتي للأسر. وعلى الصعيد السكني، قُدّم دعم للإيجار والمرافق لأكثر من 4000 أسرة (نحو 20 ألف شخص)، حمايةً لهم من خطر التشرّد، إلى جانب دعم أساسيات الأطفال لأكثر من 3000 رضيع، ومساعدات شتوية شملت أجهزة تدفئة وملابس وبطانيات لأكثر من 6000 مستفيد.

 

 

دعم المهاجرين وطالبي اللجوء

 

كما اضطلعت البطريركية اللاتينية برسالة إنسانية لدعم الأسر المسيحية المهاجرة التي اضطرت إلى النزوح القسري نتيجة تصاعد العنف في المناطق الشمالية والجنوبية للأرض المقدسة، مركّزة على توفير السكن الآمن والأمن الغذائي.

 

ومن خلال مساعدات إيجارية موجّهة وبرامج غذائية منتظمة، تمكّنت هذه الأسر من الحصول على الاستقرار الأساسي، إلى جانب تقديم الدعم النفسي والإنساني، بما يعكس التزام البطريركية بصون الكرامة الإنسانية خلال الأزمة.

 

 

آفاق المستقبل

 

وأكدت البطريركية اللاتينية أن الطريق إلى الأمام لا يزال مليئًا بالتحديات، إلا أن الشراكات التي أُقيمت مع المنظمات المحلية والدولية خلال هذه السنوات الصعبة أظهرت وجود أسباب حقيقية للإبقاء على الرجاء حيًّا، والعمل بإيمان من أجل صون كرامة الإنسان المقدّسة.

 

وأضافت أن الأوضاع في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية لا تزال تتسم بالإنهاك والدمار الاقتصادي، إلى جانب قلقٍ عميق حيال المستقبل. وفي هذا السياق، شددت البطريركية على التزامها بتكثيف تدخلاتها الإغاثية والتعليمية والتنموية، مع الحرص على البقاء قريبة قدر الإمكان من الفقراء والمجروحين، ومتجذّرة بالكامل في رؤية كنيسة تسير مع شعبها وترافقهم في آلامهم، بكرامةٍ ورجاء.

 

وأوضحت البطريركية أنه في غزة، يتطلّب المضي قُدمًا اعتماد استراتيجية شاملة تدمج بين إعادة الإعمار، والإغاثة الإنسانية، وتوفير تعليم جيّد، واستعادة سبل العيش. وتشمل الأولويات إعادة تأهيل المنازل المدمّرة، وإعادة بناء البنية التحتية المجتمعية، وتعزيز مجمّع كنيسة العائلة المقدسة بوصفه مركزًا للصمود والرجاء.

 

وأضافت أنّ الأهداف العملية للعام المقبل تتمثّل في مساعدة الناس على استئناف حياتهم من جديد، عبر توفير السكن، وافتتاح مدرسة واحدة على الأقل، وتأمين الرعاية الطبية التي تشتدّ الحاجة إليها. كما ستواصل البطريركية دعم التعليم، وتقديم الرعاية النفسية-الاجتماعية، وبرامج خلق فرص العمل، بما يسهم في استعادة الكرامة والاستقرار لدى الأسر التي تعرّضت لصدمات عميقة.

 

أما في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فأشارت البطريركية إلى أنّ العمل سيرتكز على خلق فرص العمل، وتقديم المساعدات الإنسانية الطارئة، ودعم السكن، والمساعدة في الرسوم الدراسية، والخدمات النفسية-الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، وتثبيت أوضاع الأسر، بما يضمن عدم انزلاق الأسر الأشدّ هشاشة إلى فقر دائم.

 

وفي جميع المناطق، أكدت البطريركية اللاتينية أنها ستواصل التمسّك برسالتها الأساسية: صون الحياة، وإبقاء الرجاء حيًّا، ورعاية مستقبل جماعاتنا من خلال خدمة ملتزمة، وإدارة مسؤولة، وتضامن مسيحي فعّال. وفي عام 2026، أشارت البطريركية إلى أنها تتطلّع إلى المستقبل وتجدد التزامها، في المسيح يسوع، بالاستماع إلى أصوات صغار الإنجيل، لكي يتحوّل صوت الشعب إلى قوة فاعلة تُحدث تغييرًا إيجابيًا في منطقتنا وفي العالم المرتبط بها ارتباطًا وثيقًا.