موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٣ ابريل / نيسان ٢٠٢٥
أحد النّخل أو الشعانين: الخلاص من الخطيئة

أشخين ديمرجيان :

 

لدى دخول السيد المسيح بيت عنيا قرب جبل الزيتون أقام لعازر الميت، الذي توفّي ودفن قبل أربعة أيام من وصوله إلى هناك. وصل نبأ قيامة لعازر الى أهل أورشالم عن طريق الجموع التي شهدَت المعجزة، فتدفقوا بأعداد كبيرة إلى بيت عنيا، لمشاهدة لعازر الحي بعد أن كان جثة نتنة في قبره لأربعة أيام. فتعجّبوا واندهشوا من السيد المسيح، وازدادت سمعته وشعبيّته.

 

أمّا ردّة الفعل لدى رؤساء الكهنة اليهود حينما وصلهم الخبر عن قيامة لعازر فكانت مختلفة. وأدركوا عظمة سلطان المسيح الروحاني وأصابتهم الغيرة الشديدة لأجل ذلك، وخافوا أن يتركهم الشعب ويتبعه، وبالتالي يفقدون قيمتهم لدى الشعب وكرامتهم وامتيازاتهم. وتساءلوا فيما بينهم: "ما العمل؟" أعلن رئيس الكهنة قيافا الفريسي عن ضرورة موت السيد المسيح "من أجل سلامة الأمّة". وقرّر رؤساء الكهنة بالإجماع أن يموت لعازر أيضًا، ليبرهنوا أنّ هذا المُقام من بين الأموات يمكنهم أن يُميتوه، ويُلقوه في القبر، متى أرادوا ذلك (يوحنا 11: 46 وتابع ؛ 12: 10).

 

كان الفريسيون يتبعون مذهبًا دينيًا متشدّدًا في الحفاظ على شريعة موسى داخل المجتمع اليهودي في فلسطين. وقد عزلوا أنفسهم عن أفراد مجتمعهم لاعتقادهم بأنّهم أفضل البشر، مع أنّ الله وحده هو فاحص القلوب، وهو الذي يُحاسب الناس ويميّز الأشرار من الأبرار كلاًّ حسب أعماله. وبّخهم السيد المسيح مرات عديدة، بسبب تمسّكهم بالحرف وتزمّتهم طالبين الدقّة في المظهر والمادة دون الجوهر والروح، وأيضًا بسبب غرورهم. ومن أكبر المجادلات بين السيد المسيح وبينهم حول يوم السبت هو ذاك الجدل الذي ورد في (متى 12: 1-14). وقد تبع السيد المسيح بعضًا منهم أمثال نيقوديموس وسمعان وغيرهم. وكان بولس الرسول قبل اهتدائه فريسيًا متشدّدًا.

 

لمّا دخل أورشالم لم يهرب السيد المسيح من الخطر الذي يُدركه بل تقدّم بشجاعة وأكمل طريقه، كي يتمّم الخطة الالهيّة المرسومة لخلاص الأثمة عن طريق آلامه وموته نيابة عنهم، ولكن تتبعها قيامته المجيدة رجاء الأمم في الحياة الأبديّة. حينما سَمعَت الجموع أنَّه  قادم إلى أُورشالم، فرشوا ثيابهم وأغصان الشجر والنخل في الطريق وخرجوا لاَستقباله على أبواب المدينة المقدّسة، لأنّهم شاهدوا وسمعوا الآية التي صنعها في إحيائه لعازر من بين الأموات، ولآيات كثيرة قبل وبعد إحياء لعازر.

 

"أمّا السيد المسيح فبكى على القدس، لأنه رأى الخراب الذي سيحدث في المدينة فيما بعد، وتألّم من تدمير العاصمة مسبقًا (لوقا 19: 43-44). أبصر التعصب الديني، واشتمّ رائحة الرياء والظلم وقساوة القلوب والكفاح حول السلطة. ولم تلاحظ الجماهير المرافقة له لشدّة انفعالها وفرحتها دموعه.  وتعجّب الحجّاج الغرباء من هذا الموكب الحافل.

 

وحينما دخل الهيكل طرد بائعي الحيوانات، والتجار، وقلب موائد الصيارفة. وعندما سُئل أجاب: "مكتوب، بيتي بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (متى 21: 13). وشفى المرضى والمشلولين وأدرك البعض أنّه المسيح الآتي حسب سفر اشعياء: "حينئذ تنفتح أعين العمى، وآذان الصم تتفتح. حينئذٍ يقفز الأعرج كالإيل ويترنم لسان الأخرس..." (اشعيا 35: 5-6).

 

ولم يفهم التلاميذ معنى هذه الأحداث واستقبال الجموع للسيّد المسيح. ولكنَّهم تذكَّروها بعد قيامته من بين الأموات، وفهموا أنَّ الجموع عملت هذا من أجل المسيح وأنّ الآية التي هتفوا بها تُخبر عنه.

 

"الإنسان من النسيان" الجموع التي رحّبت بالسيد المسيح تألّبت عليه وتآمرت ضده بعد أيّام معدودة، بتحريض من رؤساء الكهنة ضاربين عرض الحائط المعجزات التي رأوها بأمّ العين والبيّنات التي أدركوها.

 

 

خاتمة

 

كان دخول السيّد المسيح الى أورشالم يختلف عن منطق البشر والملوكيّة السياسيّة الزمنيّة التي يصحبها الخيل والجيوش والسيوف وتتمّة لنبوات العهد القديم الواردة في سفر زكريا القائلة بدخول المسيح الى أورشالم (زكريا 9:9) وكذلك في سفر صموئيل الثاني وأشعيا وتتمّة لنبوة ملاخي: "وسُرعانَ ما يأتي إلى هيكله السيّد الذي تطلبونه، وملاك العهد الذين تُسرّون به" (ملاخي 1:3). وهتاف الجموع "هوشعنا" أي خلّصنا الآن. وفق المعاني الروحانية والعقائد المسيحية تشير إلى الخلاص من الخطيئة، تحقيقًا لرسالة المسيح القائمة في سر الفداء. في التراث التوراتي تُعَدّ صلاةً من كلمة واحدة تدعو إلى المسيح المُنتَظَر.