موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
سنة بعد سنة، وذكرى بعد ذكرى، وعيد بعد عيد، ويوم بعد يوم، يمر وتبقى ذكرى استشهاد المطران فرج رحو، شيخ شهداء كنيسة العراق، ورفاقه الشمامسة، تعبر عن ايمان عميق بمن احب العراق واحب مدينته الموصل الحدباء، مدينة الاجراس والكنائس، حيث كان وفيا لمدينته وعراقيته حد الموت فيه ومن اجله، بالرغم من التهديد والوعيد ولكن الاصرار على البقاء كانت ضريبته الاستشهاد حيث تم اختطافه يوم 29-2-2008 واستشهد مرافقيه، بعد ان فجر الاشرار كنيسته والتي كانت علامة تنبيه لما سيحدث في مدينة الكنائس، مدينة الموصل الحدباء، ام الربيعين، التي حولها الاشرار الى ثكناة للموت والدمار. ان استشهاد الحبر الجليل مار بولس فرج رحو، رئيس اساقفة الموصل وتوابعها، ورفاقه فارس وسمير ورامي، وما حدث لاهل الموصل واصحابها الحقيقيين من تهجير وتنكيل، الى ان وصل المغول الجدد وهجروا ابناء العراق الاصلاء من مدينتهم وقراهم ليكونو في العراء بعد قدموا لهذه الارض حتى دمائهم واملاكهم. ولو عدنا لنتفحص اسباب هذا القتل وهذا الدمار الذي وصل الى تدمير تاريخ عريق لشعبنا وكنائسنا واديرتنا ولو تفحصنا جيدا ما جرى ويجري لابناء العراق الاصلاء وللعراق واردنا ان نحمل جهة ما مسؤلية ما حدث وما جرى، فسيكون جواب البعض من الذين افكارهم محددة ومغلقة سيقول الانظمة المستبدة؟ وانا اقول له، نعم الانظمة المستبدة والانظمة الشمولية لها دور كبير في تدمير بلدانها بسبب تصرفاتها الهوجاء، ولكن ما هو دور تلك الدول التي تدعي انها دول كبرى لها مخططين ومفكرين ومحللين ولها قوانين انسانية... فانه يمكننا ان نعلن ونقول وبكل جرأة أن ما حدث لبلدنا العزيز العراق يتحمله المحتل الذي دمر الصخر والشجر وترك البلاد تتقاتل مع نفسها بسبب غبائه وعناده. فقد احرقت الكنائس بسببه. واحرقت الجوامع بسببه، وشرد شعبا كاملا وهو مسؤول عن ذلك قانونيا واخلاقيا. ومهما حدث لبلدنا من سرقات وتدمير امكانات العراق فالمحتل هو مسؤول مسؤولية مباشرة لما حدث ويحدث مع ان عقول البعض تغيرت بزمننا هذا حيث اصبحت عبدا للاخضر المشؤوم فهم ايضا مشتركين مع المحتل فيما حدث لاستشهاد المطران الجليل وعلماء العراق، وهم جميعا مسؤولين عن ما حدث لبلدنا العراق، فرجالنا الاوفياء وفي مقدمتم مطران الرجولة الذي ترك باستشهاده اثرا عميقا غائرا في قلب العراق الكبير وخسره ابناء شعبه الذي احبه، في زمن تخلت الانسانية عن قيمها واليوم عندما نتذكر المطران الشهيد شيخ شهداء كنيسة العراق نتذكر ما حل بالعراق بعده وما حل بابناء العراق الاصلاء بعده. ان باستشهاد الحبر الجليل فقد العراق رمزا دينيا مرموقا رفض المساومة وبقي امينا وفيا لايمانه وضحى بما يملك واعز ما يملك وهي روحه الطاهرة من اجل شعبه واليوم تمر أيام اختطافه ومدينته اليوم تتألم لفراق أهلها الأصلاء وكنائسها سجينة الإرهاب، وقد دنسها الأغراب. تلك الكنائس التي استقبلت حتى أبناء الموصل من الديانات الأخرى الذين كانوا يزورنها لوضع شمعة لسيدتنا العذراء مريم التي ذكرتها جميع الكتب السماوية، وهي أشرف نساء الدنيا التي حملت سيدنا يسوع المسيح ليكون منقذاً للبشرية في أخطائهم. تلك الكنائس التي دنسها الحاقدون المتخلفون، وتركها أهلها الأصلاء بعيون منكسرة وعيون باكية لهجرتهم لقسرية والتي يراد لها ان تكون ارض الاجداد والاباء ومنذ اكثر من الفي عام خالية من هذا المكون الاصيل. ولهذا سبقهم شيخ الشهداء المطران فرج رحو وغادرها إلى دنيا الحياة بعد أن تسامى في العطاء وقدم روحه فداءً لإيمانه ولمدينته التي أحبها، وترك غصة في نفوسنا ولوعه في قلوبنا، وفي العالم الذي ضج يوم اختطافه وحزن لما حدث له من عذابات قاسها من أجل إيمانه، ولكن رغم كل ذلك فهو لا يزال يعيش معنا في أحلامنا وضمائرنا. اليوم اجراس الكنائس ونواقيسها حزينة مدمرة مخطوفة مذبوحة بجرم الارهاب حيث توقفت الكنائس والاجراس في الموصل عن الترنيم بسبب قوى الشر الغاشمة التي اسكتتها ودمرت مخطوطاطها ونشرت الرعب في مدينة المحبة، مدينة الأديرة والكنائس، وحولت شوارعها وأزقتها إلى سواد في سواد، وانتشرت فيها رائحة البارود والموت، وسيطرت العقول والأفكار المسمومة. وغاب عنها أهلها، وغابت عنها نفحات المحبة والتآلف، وأصبح البكاء والعويل رموزها، بعد أن كانت مدينة الربيع والعطاء والزهور. حتى حجر الاديرة القديمة اخافتهم وراحوا امس الاول ليدمروا دير مار ايليا الذي عمره اكثر من 1450 سنة. واليوم اذ تمر ذكرى استشهاد رجل السلام المؤلمة هذه نرى ونسمع عن شعب الشهيد المطران فرج رحو الذين كانوا يحتفلون بحزن بذكرى استشهاده في كنائس الموصل بالصلوات والدعاء وهم محزونون مكروبون بفقدانه وغيابه عن أرض الموصل جسداً ولكن الارهاب لا يعلم انه عندما قتل الجسد بقت روح الشهيد المطران فرج رحو تحوم حول مدينة المدن التي أحبها الشهيد، وشعبه مشرد بين دول الجوار ومدن كردستان وهم يئنون مما حصل لهم من ذوي القربى ومن الأغراب، هؤلاء القتلة والمأجورين اللذين دفعهم حقدهم على الإيمان وعلى كل من هو قريب من الرب. اننا اليوم جميعا نتذكر ويتذكر شعب الشهيد عند الأصيل كلماته ويصلون مع الشهيد في الفجر ببسمة الأطفال البريئة، ويسمعون معه نشيد شجياً مع تراتيل الملائكة والقديسين. فيوم وداع الشهيد فرج لم يزل يؤلمنا جميعاً ومدينته التي كرمته ووضعت اسمه في أحد شوارعها، اليوم تبكيه وتبكي أهلها الذين غدر بهم الكافرون، وجعلوها مدينة الحزن والبكاء، بعد أن تحولت إلى مدينة الموت والدمار والدماء، فتحولت أزقتها إلى أشباح بعد أن كانت مدينة التآخي ومهرجان الربيع والفرح وليس مدينة السيوف. ومع أن ماساتنا اليوم كبيرة وكارثية، بعد أن فقدنا شهدائنا ومدينتنا وأرضنا وبيوتنا وما نملكه، ولكننا لم نفقد إيماننا وحبنا لبلدتنا العزيزة، وإن كان مطراننا قد رحل عنا فهو اليوم يقف معنا ليصلي من أجلنا لأنه أحب السلام وأمن بالتسامح، ومن أجل ذلك قدم روحه الطاهرة قرباناً لحبه للمسيح ولشعبه العراقي، وإننا جميعاً نعلم ونثق بأن الظلم لن يدوم، وأن الحق سيعود ويدحر الأوغاد إلى جهنم، وتبقى لأرواح شهدائنا في السماء، ومهما فعل هؤلاء المرتدون ومهما هددوا وقتلوا وعاثوا في الأرض فساداً فإنهم لن يستطيعوا إلغاء الحقيقة والوجدان في حب أهل الموصل لكنائسهم وأديرتهم، لأن الموصل ستبقى قبلة مسيحيي العراق بالرغم من التهديدات والتفجيرات التى طالت الكنائس وبيوت المؤمنين. وستعود تلك الاجراس لترنم صلوات الايمان. وكما كان الشهيد المطران فرج رحو يقول ويردد دائماً أن: "الموصل الشهباء أرضاً مقدسة للمسيحيين، وأرضاً متعايشة فيها الأديان السماوية بالمحبة والوئام يتعايش فيها الجميع على المحبة والتسامح، يجب أن نبقى فيها وأن نموت فيها". هكذا كان يقول مطراننا الجليل إلى أن استشهد فيها. إننا بهذه الذكرى المؤلمة، نعزي المحبة والسلام والتسامح التي ناضل من أجلها الشهيد بإيمانه وصلواته، ونتذكره اليوم بعد أن توج خطواته بالسلام والتسامح التي يشهد عليها أبناء بلدته الموصل بشيوخها ورجالها ونسائها وأطفالها وشبانها. سيدي ومولاي الجليل العزيز المطران فرج رحو، أقول لك اليوم: نم، نم، نم قرير العين، فإننا نبشرك أن ذكراك ستبقى خالدة في الدينا، وأن قصتك في الشهادة في هذا الزمن الغادر سترويها الأجيال، لأن استشهادك توج مسيرة الإيمان التي خطها سيدنا وربنا يسوع المسيح عندما صلب على الصليب. إننا نبكيك اليوم، نبكيك دماً ودمعاً لذكر اسمك الوقور الطاهر، فعش يا سيدي قوياً عند ربك، بإيمانك بالله العزيز، والمسيح والعذراء والكنيسة، فالجنة فتحت لك أبوابها، وبئس ما فعله الغادرون لأنهم لا يعلمون أن شهدائنا في السماء ينعمون مع القديسين والصديقيين والملائكة في الجنة. نم قرير العين!، لأن اسمك سيبقى نجماً وتنزف باسمك المؤمنين دماً، وتبكيك السماء لفقدانك أيها الراعي الصالح، وستبقى روحك الطاهرة ترفرف فى كل كنيسة خدمت فيها، وفي قلب كل طفل عمدته بيديك، وبوجدان كل شابة وشاب أعلنت إكليلهم، وكل شيخ وإمراة صليت معهم. الرحمة لك، ولكل الشهداء الذين ساروا في طريقك هذا من فرسان سيدنا المسيح. عشت عظيماً.. ومت عظيماً