موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
إن مشروع المصالحة الوطنية الذي سمعنا عنه منذ فترة طويلة، والذي لا يزال لم يرى النور، يحتاج اليوم الى بعث الروح به بعد ما مر العراق به من هزات كبيرة كان بدايتها الصراع الطائفي ومن ثم الهزة المؤلمة التي أدخلت القوى الظلامية والعنصرية لدواعش العصر واخوتهم من المؤيدين لهم إلى مدننا العزيزة، والتي قارب الوطن على الخلاص من تلك القوى. ومن ثم الاستفتاء الكردي الذي بسببه حصلت تحولات كبيرة في جغرافية العراق وتحول الى خلاف داخلي كردي كردي قبل ان يكون خلاف عربي كردي والذي اوصلنا الى وضع نحتاج به اليوم الى ايجاد وثيقة تسوية وطنية شاملة لخلق مشروع وطني متكامل. على ان يكون هذا المشروع الوطني لا يتحدد فقط بالنخب السياسية للجماعات الكبيرة من الطوائف الشيعية والسنية والكردية فقط بل يجب ان يضم هذا المشروع جميع مكونات شعبنا العراقي من مجتمع مدني الى اقليات عرقية ودينية ومكونات المجتمع العراقي بكافة توجهاته السياسية والوطنية وعدم اهمال اي شريحة اجتماعية له؟ وجدنا في الماضي ان جميع الخطابات والتوجهات الخاصة بايجاد تسوية وطنية وعلى مدى اكثر من 14 سنة ان جميع تلك الخطابات الخاصة بالتسوية الوطنية تبنى على اساس مقاربة لممثلي الجماعات الكبيرة الثلاث من الشيعة والسنة والاكراد واهملت بشكل متعمد اصوات الاقليات الدينية والعرقية والقومية الاخرى، وكأن العراق هو فقط لتلك التجمعات الكبيرة من ابناء الوطن، والذي جعل القسم الاكبر من تلك الجماعات الاثنية والدينية والقومية تعجز عن ايصال صوتها الحقيقي والوطني بسبب القمع الذي لاقته على مدى سنوات. وفيما يتعلق بالتسوية الوطنية، فقد اختارت على مضض الهجرة والابتعاد عن الساحة العراقية بعد ان فقدت الامل بمشروع وطني شامل نتيجة القوى الكبرى التي هيمنت بشكل كامل على الوضع العراقي وعلى مشروعه الوطني هاملة كل تطلعات ابناء الوطن الاخرين. ومع بروز المشاكل بين ابناء الوطن الواحد وخاصة بعد الاستفتاء الكردي وانسحاب القوى الكردية من المناطق التي يطلق عليها "مناطق متنازع عليها" والتي هي في صلب حقوق مكونات صغيرة ليست من ضمن الثلاث الكبار والتي تحتاج اليوم الى ان تكون هذه المناطق من ضمن اي وثيقة تسوية وطنية مستقبلية يمكن الوصول اليها للحفاظ على وجود تلك المكونات الدينية والعرقية التي عانت وتعاني من اهمال متعمد لسيطرة القوى الكبيرة على تلك المناطق، هذا بالاضافة الى ضرورة وجود وشمول اي تسوية تعقد مستقبلا بعد ما حدث بعد الاستفتاء الكردي بأن تشمل تلك التفاهمات والمشاريع الخاصة بالتسوية تلك الشرائح الاجتماعية جميعًا، بالاضافة الى الاخذ بنظر الاعتبار اعادة توزيع السلطات والامتيازات التي تم حرمان هذه المكونات منها، وضرورة الابتعاد بشكل كامل عن التصارع على السلطة من قبل النخب السياسية التي سيطرت بشكل كامل على الساحة السياسية. وعلى من يفكر اليوم بايجاد مشروع وطني جديد يحتاجه عراقنا العزيز ان يشارك بهذه المشاريع القوى العابرة للطائفية بالاضافة الى قوى المجتمع المدني والاقليات الدينية التي انزوجت بعيدا بسبب ضعف الحماية لها والتي تم استبعادها وتهميشها من قبل القوى الثلاث الكبار فاختارت الهجرة على البقاء في وطن اهملها، وهي صاحبة الارض الحقيقية؟ وهذا جميعه يحتاج الى خلق تسوية وطنية لا تغيب فيها اي اصوات لاي تجمعات وتكتلات دينية او اثنية لخلق رؤى جوهرية لبناء عراق جديد يعتمد على تحقيق حقوق الجميع حيث ان التسوية الوطنية التي نحتاجها اليوم اكثر من اي يوم مضى تعتبر ضرورة حتمية لابناء العراق في هذا الظرف المصيري بعد ان انتهت القوى الظلامية من داعش واخواتها والذي يتطلب اليوم وبشكل جدي الى ضرورة ايجاد رؤية وطنية موحدة لجميع ابناء العراق دون تهميش اي احدا منهم بحيث يشارك الجميع في صنع القرار العراقي دون مكابرة احد على المكونات على الاخرى. ان بلدنا العراق اليوم يحتاج الى خلق مشروع وطني يضم الجميع ويعترف بوجود ثقافات متنوعة واحترام حقوق الغير وحريته والاعتراف بوجود ديانات مختلفة ومتنوعة. ليس على ورق الدستور فقط بل في التطبيق واحترام الايدلوجيات السياية المختلفة وعدم محاربة ايدلوجيات الاخرين واحترام الخصوصية وخلق المساواة الاجتماعية والاقتصادية لغرض بناء الدولة المدنية القائمة على اساس المواطنة، وهذا جميعه يتحقق في ايجاد مشروع وطني شامل بعد كل ما حدث لبلدنا العراق فهل سنصل يوما ما الى خلق مشروع وطني بهذه الصفات؟ عسى ان يكون ذلك اليوم قريبًا؟