موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٦ يناير / كانون الثاني ٢٠٢١
ما هي الحقائق الذي يعلنها سجود المجوس للطفل يسوع؟

الأب د. لويس حزبون :

 

الحقيقة الأولى: يسوع هو المسيح الملك المنتظر

 

تعلن زيارة المجوس حقيقة شخصية الطفل المولود باعتباره "المسيح الملك المنتظر" تحقيقاً للنبوءات العديدة.

 

وجد متى الإنجيلي في النجم الذي استهدى به المجوس (متى 2: 2) الكوكب الذي استهدى به الشعب في العهد القديم حيث تنبأ بلعام عن المسيح "خرُجُ كَوكَبٌ مِن يَعْقوب ويَقومُ صَولَجانٌ مِن إِسْرائيل فيُحَطمُ صُدغَي موآب وجُمجُمةَ جَميعِ بَني شِيت" (العدد 24: 17) ويقول أوريجانوس بان المجوس قد احتفظوا بنبوءة بلعام واعترفوا بانها تحققت لدى رؤيتهم النجم الطالع. والنجم يرمز الى المسيح الملك. لقد تبع المجوس النجم ووصلوا إلى يسوع، النور الكبير الذي أتى إلى العالم و" يُنيرُ كُلَّ إِنْسان" (يوحنا 1: 9). وكحجاج إيمان، أصبح المجوس نجومًا ساطعة في سماء التاريخ يرشدوننا إلى الطريق.

 

كما أن الحوار بين المجوس وهيرودس ورؤساء الكهنة والكتبة، يُعلن أن يسوع كان تحقيقًا لنبؤة ميخا عن ميلاد المسيح الملك في بيت لحم "أَنتِ يا بَيتَ لَحمُ أَفْراتَة إِنَّكِ أَصغَرُ عَشائِرِ يَهوذا ولكِن مِنكِ يَخرُجُ لي مَن يَكونُ مُتَسَلِّطًا على إِسرائيل وأُصوِلُه مُنذُ القَديم مُنذُ أَيَّامَ الأَزَل" (ميخا 5: 2). فالهدف من النبوءة هو إظهار يسوع داود الجديد الملك الذي يرعى شعبه فآمن به المجوس وسجدوا له، في حين اورشليم الممثلة في رؤسائها منذ البدء قد رفضته.

 

ويشير قدوم المجوس الى اورشليم الى أن يسوع كان منذ طفولته ملكاً للأمم (متى 2: 1-11). فيتعلموا ناموس الله، ويلتقوا بأمير السلام ربنا يسوع المسيح، كي يحملوا سلامه الى العالم؛ وبهذا يؤكد متى الإنجيلي نبوءة أشعيا ان يسوع يحكم بين الأمم للسلام. "تَنطَلِقُ شُعوبٌ كَثيرةٌ وتَقول: هَلُمُّوا نَصعَدْ إِلى جَبَلِ الرَّبّ إِلى بَيتِ إِلهِ يَعْقوب وهو يُعَلِّمُنا طُرُقَه فنَسيرُ في سُبُلِه لأَنَّها مِن صِهْيونَ تَخرُجُ الشَّريعَة ومِن أُورَشَليمَ كَلِمَةُ الرَّبّ. وبَحكُمُ بَينَ الأُمَم ويَقْضي لِلشُّعوبِ الكَثيرة فيَضرِبونَ سُيوفَهم سِكَكاً ورِماحَهم مَناجِل فلا تَرفَعَ أُمَّةٌ على أُمَّةٍ سَيفًا" (اشعيا 2: 2-4).

 

 ويستحضر المجوس للذهن أيضًا الوعود النبوية الواردة في مزمور "حمِلُ المُلوكُ إِلَيكَ الهَدايا" (مزمور 68: 29) والوعد النبوي الوارد في مزمور “مُلوكُ تَرْشيشَ والجُزُرِ الجِزيَةَ يؤدُّون ومُلوكُ شَبَأَ وسبَأَ الهَدايا يقَدِّمون" (مزمور 72: 10). فيدعى المجوس ملوكا (أشعيا 60: 3) ويظهرون مسافرين على الإبل والجمال (أشعيا 60: 6).

 

أمّأ تقديمات المجوس ليسوع "ذَهب وبَخور ومُرّ " (متى 2: 10) فتشير الى تتميم نبوءة أشعيا في يسوع الرب "كُلُّهم مِن شَبَأَ يَأتون حامِلينَ ذَهَباً وبَخوراً يُبَشِّرونَ بِتَسابيحِ الرَّبّ" (أشعيا 60: 5-6). رأَى المجوس ولم يناقشوا، بل آمنوا، واعترفوا به بالهدايا الرمزيّةِ التي قدَّمُوها: بالبخورِ اعترفوا به إلهًا، وبالذهبِ قَبِلُوه مَلِكًا، وباللُبانِ آمنوا بموتِه. وفي هذا الصدد يقول البابا غريغوريوس الكبير "يقدّم الذهب كجزية الملك، ويقدّم البخور تقدمة لله، ويستخدم المرّ في تحنيط أجساد الموتى. لهذا أعلن المجوس بعطاياهم السرّيّة للذين يسجدون له بالذهب أنه الملك، وبالبخور أنه الله، وبالمرّ أنه يقبل الموت.

 

 

الحقيقة الثانية: دعوة الأمم الوثنية الى الايمان والخلاص

 

تعلن زيارة المجوس أن يسوع المسيح لم يأت لليهود فقط بل للأمم أيضًا (ممثلين في "المجوس من المشرق"). وهكذا تتحقق نبوءة أشعيا النبي الذي لمَّحَ الى جمهور الوثنيين الذين يدخلون اورشليم المستنيرة بمجد الله "فتَسيرُ الأُمَمُ في نورِكِ والمُلوكُ في ضِياءِ إِشْراقِكِ" (أشعيا 60: 3). إن الأمم الممثلة بالمجوس تتّجه نحو الله الحي (أشعيا 45: 14-17)، وتشترك في عبادته (أشعيا 60: 1-16). وقالَ أيضًا موجِّهًا كلامَه إلى الله: "هَا إنَّكَ تَدعُو أُمَّةً لَم تَكُنْ تَعرِفُهَا، وَإلَيكَ تَسعَى أُمَّةٌ لَم تَكُنْ تَعرِفُكَ" (أشعيا 55: 5). ويعلق القديس البابا لاون الكبير "نعرفُ أنَّ هذا كلَّه تَمَّ لمّا جاءَ المجوسُ الثلاثة، وقد دعاهم اللهُ من بلادِهم البعيدة، وقادَهم بالنجمِ، ليَعرِفوا ويسجدوا لمَلِكِ السماءِ والأرض. ويحملُنا النجمُ نحن أيضًا على الطاعةِ نفسِها، أي أن نُصغِيَ بقدرِ ما نستطيعُ إلى النعمةِ التي تدعو الجميعَ إلى المسيح" (العظة 3 في عيد ظهور الرب، 1-3 و5: PL  54، 240-244).

 

وجمع الله حوله الأمم وكل الألسن (أشعيا 66: 18-21). وجميع الشعوب تعترف به ملكاً، وكلهم يجتمعون مع شعب إبراهيم (مزمور 47)، والجميع ينعتون صهيون بلقب الأم (مزمور 87). وهكذا فلا بدَّ وأن يجتمع مجدداً في اليوم الأخير، شعب واحد لله سوف يستعيد العالمية الشاملة الأولى. إن النبوءة تعود إلى السر الأصلي بتطلعات واسعة الآفاق.

 

كما كان سجود هؤلاء الأمم صورة مسبقة للإرسالية العظمي للكرازة بالإنجيل لجميع الامم "اذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم" (متى 28: 19). يعلق البابا بندكتس السادس عشر "رأى المجوس علامة النجم، وساروا ليجدوا ذلك الملك الذي أسّس ملوكيّة جديدة ليس لشعب إسرائيل فقط بل للبشرية بأسرها" (عظة عيد الدنح 1/7/1/2013). 

 

إنّ وحدة الانسانية تتوثَّق في يسوع المسيح كما يقول بولس الرسول "فلَيسَ هُناكَ يَهودِيٌّ ولا يونانِيّ، لأَنَّكم جَميعًا واحِدٌ في المسيحِ يسوع" (غلاطية 3: 28). فهناك بشرية جديدة واحدة، بناء واحد، حجر زاويته المسيح، جسد واحد راسه المسيح (أفسس 2: 11-22). فإنه مات ليس فقط من أجل أمته، لكن حتى يجمع في الوحدة كل ابناء الله المشتتين كما تنبأ عنه قَيافا رئيس الكهنة" إَنَّ يسوعَ سيَموتُ عَنِ الأُمَّة، ولاعنِ الأُمَّةِ فَقَط، بل لِيَجمَعَ أيضًا شَمْلَ أَبناءِ اللهِ المُشَتَّتين" (يوحنا 11: 50-52). ها هي البشرية الجديدة التي خلصها يسوع، حمل الله بدمه: انها جمهرة من جميع الأمم والأجناس والشعوب والألسنة “رَأَيتُ بَعدَ ذلِكَ جَمعًا كَثيرًا لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يُحصِيَه، مِن كُلِّ أُمَّةٍ وقَبيلَةٍ وشَعبٍ ولِسان، وكانوا قائمينَ أَمامَ العَرشِ وأَمامَ الحَمَل" (رؤيا 7: 9-17)، تحييّ في الله ملك الأمم بقولها "عَظيمَةٌ عَجيبَةٌ أَعْمالُكَ أَيُّها الرَّبُّ الإِلهُ القدير وعدل وحَقٌّ سُبُلُكَ، يا مَلِكَ الأُمَم. مَن تُراه لا يَخافُ اسمَكَ ولا يُمَجِّدُه يا رَبّ؟ فأَنتَ وَحدَكَ قُدُّوس. وستَأتي جَميعُ الأُمَمِ فتَسجُدُ أَمامَكَ لأَنَّ أَحْكامَكَ قد ظَهَرَت" (رؤيا 15: 3).

 

 

الحقيقة الثالثة: ايمان المجوس ورفض اليهود

 

منذ زيارة المجوس للملك هيرودس قام صراع قام بين الملك هيرودس ومن يحيط به من زعماء اورشليم الدينيين، وبين يسوع الملك الذي أبصر النور والمجوس المؤمنين به. اليهود يرفضونه، والوثنيون يسجدون له، لأنَّ إيمانَ المجوسِ هو بمثابةِ إيمانِ الشعوبِ الوثنيّةِ. فبينما قدّم هؤلاء المجوس الغرباء الإكرام والسجود للمسيح المولود، فإن هيرودس ورؤساء الكهنة دبّروا مؤامرة لقتل الطفل يسوع (متى 2: 3-6)، وقتل أطفال بيت لحم الأبرياء خوفا على فقدان كرسي ملكه. ويعلق الأب رفيق "إنّ محاولات هيرودس ما زالت مستمرة لقتل الطفل، ولكن إرادة الحياة والانتصار في المسيح يسوع أقوى من رغبة الموت والدمار". وهكذا نجد الأمم يؤمنون وينالون الخلاص، بينما لم يؤمن غالبية الشعب اليهودي (متى 8: 5-13، 15: 21-28، 27: 19 و54).