موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٤
وُلِد المسيح وظهر بيننا!

أشخين ديمرجيان :

 

وهكذا لمّا تمّ الزمان، وُلِد الطفل في أمان. وانقَسَم التاريخ إلى قِسمين: عهد قديم أدركه وقت الانتهاء، وعهد جديد استُهِلّ بالضياء، في غمرة نور وبهاء، وأصوات تُجلجل من السماء: "مجدًا لله في العلاء، وعلى الأرض الهناء، وللناس المسرّة والإخاء".

 

بناءً على دعوة من وليد بيت لحم، لا يكتمل العيد إلّا إذا وضعنا أنفسنا في خدمة الجماعة، وروينا مَن أذابهم العطش، أطعمنا مَن فرى الجوع أحشاءهم، أرَحنا مَن أنهكت الهجرة أجسامهم وأرواحهم، أو التهمتهم الشمس الحارقة، أو نخر بهم البرد القارس، وعزّينا الحزانى الذين فقدوا ذوي القربى، حيث خيّم سكون الموت بقسوة على الأحبّاء.  العيد هو زمن اهتمام أكبر لحاجات القريب، بروح محبّة صادقة ولخير جميع سكان مشارق الأرض ومغاربها، ورعايتهم بوجدان حيّ ووعي نيّر وإرادة خيّرة من أجل إشاعة السلام والخير والوئام.

 

وفي نفس الوقت، عيد ميلاد المسيح الطفل هو زمن مكافحة التجاوزات التي تمتهن الحقّ والعدالة والحرية، بانضباط وشجاعة مشبعة بروح الإنجيل الطاهر، بحيث لا يبقى مجالا لعنجهيّة الانتساب إلى شعب مختار دون سواه، أو للقمع والبطش غيرةً على مصلحة الوطن، بتعصّب ورياء، لأنّ المسيح وضع أسس المساواة والعدالة والحرية، ليُصبح البشر في معاملاتهم لبعضهم أكثر إنسانيّة، وهكذا يتسنّى خلق مجتمعات أمثل وأكمل.

 

ما أصعب تحقيق السلام! وما أسهل إشعال الحروب والفتن وشنّها بأسلحة وأفكار جهنّميّة، كأنّنا نعيش وسط أتون الجحيم على مدار الساعة حول محيط الكرة الأرضيّة! ولا أريد في هذه المناسبة السعيدة أن أغوص في وصف أولئك الذين يقفون وراء كلّ ما يجري في العالم من أحداث رهيبة تدميريّة.

 

مثلما يتضوّأ الأفق ساعة بزوغ الشمس، هكذا شعلة الإيمان تعمر الوجدان، والرجاء يدغدغ قلب العطشان، مع انحدار طفل من روحٍ قّدوس، إلى أرض بشر ضعاف النفوس، لتُصبح الأرض سماء، ملأى بالفرح والبهاء... فتتهافت الوفود إلى الزيارة، تهافُت الرعاة إلى طفل  المغارة، وتهافُت المجوس بحرارة، إلى تقديم ذهب ولبان ومرارة.

 

ومن أقوال القدّيس أغسطينوس أحد آباء الكنيسة: "إنْ كانت البشريّة العاقلة لم تعرف كيفيّة استقبال الطفل المعجز كما يجب، انطلقت الطبيعة الجامدة تشهد له بلغتها الخاصة: شهدت له السماوات بظهور النجم الساطع فوق المغارة التي وُلِد فيها، وحمله البحر إذ مشى عليه (متّى 14: 22 وتابع)، وصارت الرياح والبحر هادئة ومطيعة لأمره (متّى 23: 27). وعرفه علماء المشرق (المجوس) عن طريق "النجم" المُضيء كعلامة سماويّة وجميلة قدّمها الربّ.

 

 

خاتمة

 

يا رب! نسألكَ أن تنتهي الحروب وما تجلبه من دمار... فيسود  بين جميع الأطراف المعنيّة الاستقرار، مع حلول لمستقبل أفضل "بكلّ وقار".

 

أرجو أن يكون عيد الميلاد المجيد حسب تقويم الكنيسة الأرثوذكسية فاتحة خير وسلام في فلسطين الحبيبة خاصة، وفي العالم أجمع عامة، إلى الربّ نطلب! في هذه المناسبة أُطلق التحية الأرمنية: "وُلِد المسيح وظهر!" - "لكم ولنا بشرى عظيمة!".. وكلّ عام وأنتم بألف خير!