موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في جميع مجالات الحياة بلا استثناء، تقوم التّحليلات النفسيّة بتفسير تساؤلاتنا: لماذا نفعل ما نفعله، ولماذا نفكّر بالطريقة التي نفكّر بها... كما وتعطينا فكرة عن سلوكنا وعن تصرّفاتنا. لا يوجد كائن بشري لا يهتمّ بضرورة معرفته لنفسه بشكل أفضل. ومع بعض النظريّات النفسيّة، وبعد معرفتنا لأنفسنا يمكننا اكتشاف ذواتنا من جديد، وحتى تغييرطريقة تفكيرنا فيما يتعلّق بحياتنا. ولا يغربنّ عن بالنا أنّ بداية نجاحنا اكتشاف الذات. حينئذ نصل إلى الاكتفاء بالذات ونعمل ما يفيدنا في حياتنا.
فيما يلي نظريّات نفسيّة تُعَدّ طفرة في فهم الدماغ والنفس الإنسانيّة، وتُمكّننا من تغيير حياتنا إلى الأفضل، إذا كنّا ننوي فعلاً الاستفادة من هذه المعلومات بالشكل الصحيح.
المحبّة أمر جوهري
سنة 1938 استهلّ علماء النفس دراسة استمرّت 75 عاماً، بحثوا فيها مراحل حياة 724 رجُلاً من المراهقة إلى الشيخوخة، وجُمعت بيانات في مختلف مجالات حياتهم للإجابة على السؤال الأساسيّ: كيف يكون المرء سعيدًا؟ كان الاستنتاج من هذه الدراسة حاسمًا لا رجعة فيه – علاقات الناس مع بعضهم ، والمحبّة التي يتبادلونها، هي جُلّ ما يحتاج إليه الإنسان والأمر الجوهريّ من أجل تحقيق حياة سعيدة!
لقد أكّد المدير المشرف على الدراسات أنّ طريق السعادة بحاجة إلى عمودَين يدعمانه، العمود الأوّل هو المحبّة، والثاني هو إيجاد طريقة للتعامل مع الحياة بشكل لا يسيء إلى المحبّة. وهذا يعني أنّنا إذا كنّا نمتلك كلّ أموال العالم، أو نعمل في وظيفة يحلم بها كلّ إنسان، أو نتمتّع بصحّة جيّدة، ومع كلّ ذلك نفتقر إلى علاقات جيّدة مع الآخرين قائمة على المحبّة ، فكلّ ما لدينا لن يشفع لنا في الحصول على السعادة. وهذه النظريّة في علم النفس تذكّرني برسالة القدّيس بولس الرسول عن المحبّة والتي كتبها إلى أهل قورنثوس، أوردها في خاتمة هذا المقال .
نظرية السلطة وإفساد النفوس
وهذه النظريّة تذكّرني بمقولة"جون أكتون" في القرن التاسع عشر:"السلطة تميل الى الإفساد، والسلطة المطلقة تفسد بشكل مطلق". وهذا ينطبق على كلّ العصور والأزمنة. وفي عام 2003 أثبتت الدراسات هذه النظريّة. في أثناء الدراسة عُيّن قادة للمجموعات التي تخضع للاستجواب، وتمّ وضع صحن من الحلوى على الطاولة. تناول كلّ قائد مجموعة قطعتين من الحلوى، بطريقة فظّة فتناثر الفتات على الأرض. وأظهرت الدراسة أنّ السلطة تُنسي المرء الخلق الكريم وتشجّعه على الجشع .
ومع ذلك، بالإضافة إلى الجشع وانعدام اللباقة، تناولت الدراسة سلوكيّات سلبيّة أخرى. لاحظ الباحثون أنّ قادة المجموعات، بدت عليهم مظاهر العدوان، حينما حاولوا التحرّش بالمشتركات من النساء في مجموعاتهم، وقد عبّر غيرهم عن تمييز وعنصريّة في سلوكيّاته. وعليه، إذا وصل المرء إلى مركز من مراكز السلطة، فليتذكّر دائمًا أنّ مظاهر الفساد قد تسيطرعليه تمامًا، وتغيّره إلى الأسوأ، خاصةً في غياب المساءلة والشفافيّة .
خاتمة
سبق القدّيس بولس علماء النفس بقرون عديدة ليبيّن أهمّيّة المحبّة وعظمتها في حياة الإنسان قال: "لو تكلّمتُ بلغات الناس والملائكة، ولم تكن لي المحبّة...ولو كانت لي موهبة النبوّة، وكنتُ عالمًا بجميع الأسرار وبالمعرفة كلّها، ولو كان لي الإيمان الكامل فأنقل الجبال، ولم تكن لي المحبّة، فما أنا بشيء. وإن فرّقتُ جميع أموالي... ولم تكن لي المحبّة، فما يُجديني ذلك نفعًا. المحبّة تصبر، المحبّة تخدم، ولا تحسد ولا تتباهى ولا تنتفخ من الكبرياء، ولا تفعل ما ليس بشريف ولا تسعى إلى منفعتها، ولا تحنق ولا تُبالي بالسوء، ولا تفرح بالظلم بل تفرح بالحقّ. وهي تعذر كلّ شيء... وتتحمّل كلّ شيء".
"المحبّة لا تسقط أبدًا. وأما النبوّات فستبطل، والألسنة ينتهي أمرها، والمعرفة تبطل... فالآن تبقى هذه الأمور الثلاثة: الإيمان والرجاء والمحبّة، هذه الثلاثة ولكن أعظمها المحبّة (1 قور 13: 1 وتابع).