موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في ليتورجيا الكنيسة الكاثوليكية، يقع عيد دخول مريم العذراء إلى الهيكل، أو تقدمة سيّدتنا مريم العذراء، في الحادي والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ عام.
كرّست القديسة حنّة -والدة مريم العذراء- ابنتها مريم لله. وكما جاء في التقليد الكنسي الذي توارثناه بالتواتر، دخلت مريم إلى الهيكل، وهي طفلة في الثالثة من عـمرهـا، إتمامًا للنذر الذى قدّمته أمّهـا القدّيسة. وأقامت العذراء في الهيكل وقضت طفولتها هناك، مكرّسة ذاتها للّه استعدادًا لقبول كلمة الله ، إلى أن تمّت خطبتهـا للقدّيس يوسف في الثانية عشرة من عمرها.
من أقوال القدّيس أغسطينوس عن السيّدة مريم العذراء: "الكلّ ارتكب الخطيئة ما عدا العذراء القدّيسة مريم التي من أجل كرامة الرب لا أستطيع أن أقبل عنها حتّى مجرّد السؤال عندما نطرح موضوع الخطيئة للبحث".
من أقوال القدّيس مار أفرام السرياني: "أيقظي أوتارك يا قيثارتي... في مديح مريم العذراء... ارفعي صوتي وترنيمي... بالسيرة المعجزة للعذراء. خرج السيّد المسيح من أحشاء البتول، فإنّه بحق ولدته هذه العذراء من غير ألم... وبقيت بتوليّتها سالمة!".
ويقول: "إمرأتان بريئتان بسيطتان كلّ البساطة، مريم وحواء، كانتا في كلّ شيء متساويتين غير أنّه، فيما بعد صارت الواحدة سبب حياتنا والأخرى سبب موتنا. إنّ قيثارة روح القدس هذه لن تبعث لحنًا أعذب ممّا تصدره حين تتغنّى بمديح مريم. مريم هى جنّة عدن التى من الله . لا توجد فيها الحيّة التي تضرّ، ولا حواء التي تقتل، إنّما فيها شجرة الحياة التى أعادت المنفيين إلى عدن".
وفي هذه المناسبة السعيدة، أودّ أن أورد بعضًا من خلجات قلبي، خطّها قلمي للسيّدة مريم العذراء، عساها تعبّرعن مكنونات نفسي البشريّة:
رويدكِ مهلاً يا مليكتي وأمّي... لا تسأليني عن محبّتي لك أو عن مشاعري تجاهك... ألا تعلمين بأنّ خيالك المليء برقّة الأمومة والطيبة اللامتناهية، يكمن في رحاب أوراقي وخواطري تحت عنوان "مذكّراتي الغالية". ويتواجد أيضًا في كلّ مكان من زوايا نفسي وخبايا روحي بما فيها من أشجان وخواطر بلا عنوان... أقرأ فيها أنا، ولا يقرأ أحدٌ غيري في تلك الخبايا النفيسة الغالية التي تقبعين فيها وتتربّعين...
أيا سلطانة السماء والأرض! يا مَن تبعث في أجواء روحي عبقاً من النور والفرحة، أستمدّه منك دفئاً ناعماً يغمر حنيني إليكِ... ويلطّف أجواء الصراعات الدنيويّة من حولي.
أحتفظ دوماً بنورك في ثنايا قلبي، نورك الذي برأفتك لن يُطفئه الزمان أو توالي الأيام والسنين... وعندما يسألني الزمان بإلحاح شديد عن مدى اشتياقي إليك ويُلحّ علي، أشعر بتناغم لطيف ما بين روحي وجسدي وضميري وفكري... تناغم دائم مستمرّ.
ألا تعلمين أنّ أوتار قلبي تعزف أنغام الولاء لكِ والاخلاص؟ ورغم ضعفي ووهني البشريّ، نجحتِ في خلق أجواء سيمفونية جميلة في صميم كياني، يعجز قلمي عن وصفها وبعثرة ألحانها على الورق، كما يعجز الكون بأسره عن احتواء روعتكِ الساحرة، وقداستك الخالدة.
ترى هل العناية الإلهيّة أنصفتني حينما زرعتني في درب حقولك الخضراء؟ دربك عشب أخضر يُريح النفس، وسماء صافية يسرح فيها الملائكة ويمرحنَ. دربك ورود معطّرة تتناثر لتملأ دنياي فرحًا وتنشر فيها أجمل مشاعر المحبّة والوفاء لشخصكِ المحبوب.
خاتمة
يا أمّ النور الممتلئة نعمة، والمباركة في النساء، في هذا اليوم الجميل، يوم تقدمتك إلى الهيكل، لا يسعني إلاّ أن أشكره تعالى على هذه الهديّة الثمينة لبني البشر، والتي لا نستحقّها، ألا وهي أمومتكِ الروحانيّة المتسربلة بعطفك الدائم وحنوّكِ المتواصل الذي لا ينضب... وكلّ عام وأمّنا مريم تغمر العالم أجمع بمعونتها الدائمة آمين.