موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
لفظة "ملاك أو ملَك" تعني حامل "لوصيّة أو رسالة"، موفَد منه تعالى لتبليغ إرادته للبشر. والملائكة أرواح سماويّة طاهرة غير منظورة، وجزء من النور الذي خلقه تعالى حينما قال: "ليكن نور" (تك 1: 3). والملائكة نار ملتهبة: "الجاعل الرياح له رسلاً، والنيران الملتهبة خُدّامًا" (مزمور 104: 4). يُشير الكتاب المقدّس إلى أنّ عدد الملائكة كبير وهم ينتظمون في طغمات لا تُعَدّ ولا تُحصى.
تؤمن الغالبيّة العظمى من الناس بالملائكة، بصرف النظر عن العالم الشرّير الذي يسود المجتمعات والتي يهيمن عليها- للأسف الشديد - الشيطان بأساليبه وأعوانه من كلّ شكل ولون. ومن المذهل وجود الأبرار الصالحين الذين انتصروا بنعمته تعالى على الأرواح الشرّيرة، في كلّ مكان وزمان، رغم المعاناة والإغراءات، ولسان حالهم يردّد (المزمور 22) من سفر المزامير: "الربّ راعيّ فلا شيء يُعوِزُني... في مروج خصيبة يُربضني، لمياه الراحة يوردُني، فيُنعش نفسي... ولوسرتُ في وادي ظلال الفناء لا أخاف سوءًا لأنّك معي..".
تتواجد بيننا في هذه الحياة الدنيا ملائكة كثيرة غير منظورة، ومنها الملاك الحارس لكلّ إنسان. ويبدو أنّ الملائكة تتأقلم طبقًا للمجتمع الذي تقصده لتتميم مهمّتها. أعطى الأنبياء في الكتاب المقدّس صورة وافية عن الملائكة، منها ما وردعلى سبيل المثال لا الحصر في (دانيال 7،6:10؛ متّى 3:28؛ مرقس 5:16؛ لوقا 4:24؛ أعمال الرسل 10:1؛ 7:12؛ سفر الرؤيا 1:10).
ولكن عندما يتراءى الملاك عياناً للبشر، يصنع لنفسه جسماً كي يراه الإنسان. وينحلّ هذا الجسم حينما ينتهي الملاك من الرسالة التي جاء من أجلها. أي يبدو الملاك كإنسان عادي، وهذا هو سبب عدم تعرّف الناس إلى الملائكة حال ظهورها، كما هو مذكور في آيات كثيرة من الكتاب المقدّس. ولكن عندما تكشف الملائكة عن هويّتها وعن طبيعة رسالتها، عندئذٍ يتعرّف إليها الإنسان.
حدث ذلك على سبيل المثال مع يشوع بن نون لمّا كان عند أريحا: رفع عينيه ونظر، فرأى رجلاً واقفًا أمامه، فأقبل عليه وسأله: "أمنّا أنت أم من أعدائنا؟" – أجابه الملاك: أنّه رئيس جند الربّ. فسقط يشوع على وجهه على الأرض وسجد، وسأل المَلاك عن رسالته تعالى. وكانت الرسالة أن يخلع نعليه من رجليه، لأنّ المكان مقدّس". فصنع يشوع كذلك (سفر يشوع 5 :13-15).
حينما تراءى ملاك الربّ لأمّ شمشون أخبرها أنّها ستلد ابناً سيكون منذورًا لله. ولم تعرف المرأة أنّه ملاك الله. فأخبرت زوجها ويُدعى "مَنوح": "جاء رجل منظره كمنظر ملاك الله، له هيبة عظيمة. لم يُخبرني باسمه، ولم أسأله من أين هو..." ولمّا أتى الملاك ثانيةً إلى المرأة وهي في الحقل، دعاه زوجها إلى تناول الطعام، لأنّه هو الآخر لم يعلم أنّه مَلاك. ونصحه المَلاك أن يُعِدّ محرقة للربّ ويُصعدها. وعندما ارتفع اللهيب عن المذبح نحو السماء، صعد المَلاك في لهيب المذبح، ومنوح وامرأته ينظران بدهشة، وسقطا على وجهيهما إلى الأرض. ولم يعد ملاك الرب يتراءى لهما. فعَلِم منوح حينئذ أنّه ملاك الرب... (سفر القضاة 13 : 3 وتابع).
ويُعَدّ الملاك جبرائيل أحد رؤساء الملائكة السبع. وهو الذي بشّر زكريا الكاهن بميلاد ابنه يوحنا من زوجته أليصابات العاقر. والبشارة الملائكية العظيمة لسيّدتنا مريم العذراء، حينما بشّرها الملاك جبرائيل بميلاد المسيح... وتُعرَف زيارة جبرائيل لمريم العذراء بالبشارة وهو عيد تحتفل به الكنيسة يوم 25 آذار من كلّ عام. وتراءى ملاك الربّ ليوسف فى الحلم في المرّة الأولى طلب منه أن يأخذ الطفل وأمّه ويهرب إلى مصر، وأن يُقيم هناك حتى يُعلِمه لأنّ هيرودس سيبحث عن الطفل ليُهلكه (مت 2: 13). وبعد وفاة هيرودس تراءى ملاك الربّ في الحلم ليوسف في مصر مرّة ثانية وطلب منه أن يعود بالطفل وأمّه إلى مسقط رأسه لأنّ هيرودس قد مات (مت 2: 19، 20).
خاتمة
بما أنّنا نُظهر إيماننا من خلال ما نفعله، وعن طريق إنجازنا لأعمال الخير التي بإمكاننا أن نعدّها أعمالاً ملائكيّة، نرتقي إلى مرحلة احترام الآخرين والمساهمة في أعمال البرّ والإحسان. ومن أسمى أشكال الخدمة الرسوليّة: أن نغرس في المجتمعات والأفراد روح الحقّ والخير "في حقول المحبّة". ونسأل شفاعة الملائكة كي تتحوّل الخلافات إلى سلام ووئام بدل الحرب والخصام. "يوصي ملائكته بك، لكى يحرسوك فى كلّ طرقك، وعلى أيديهم يحملونك، لئلاّ تصطدم بحجر رجلك" المزمور (91: 11-12).