موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٥ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٤
بعد ألف وسبعمئة سنة على نيقية الأول.. هل من سبيل لمجمع نيقاوي جديد؟

ألفرد عصفور - عمّان :

 

في العام القادم تحل الذكرى الألف وسبعمئة سنة على انعقاد مجمع نيقية الأول، وهو أول مجمع مسكوني كان لقراراته أثار عميقة وجذرية على العقيدة وعلى الكنيسة وعلى المؤمنين. والكنيسة اليوم قد تكون بحاجة إلى مجمع مسكوني جديد على غرار مجمع نيقية يشارك فيه قادة الكنائس الشرقية والغربية على اختلاف مذاهبها.

 

تنعقد المجامع الكنسية في العادة إما لحل مشكلة عقائدية أو قانونية تتعرض لها الكنيسة أو في بعض الأحيان تنعقد لأجل التطوير والتحديث في شؤون الكنيسة.

 

انعقد مجمع نيقية الأول في العام 325 للميلاد بدعوة رسمية من الإمبراطور قسطنطين، وناقش أمورا مهمة واساسية في العقائد والشؤون الإدارية للكنيسة. الموضوع الأول الذي عمل عليه المجمع هو تفنيد بدعة آريوس وإدانة صاحبها ونفيه. ووضع المجمع قانون الايمان الذي يردده المؤمنون حتى اليوم. وفي هذا المجمع تم تكريس عقيدة الوهية المسيح ومساواته للآب في الجوهر بالإضافة إلى وضع قوانين إدارة الكنيسة ووضع معادلة تعيين يوم عيد الفصح المجيد.

 

وبينما تقترب الذكرى الألف والسبعمئة سنة على مجمع نيقية الأول، ما الذي يمنع من الدعوة لانعقاد مجمع جديد على غراره، وبنفس التسمية، وبنفس المكان للتأكيد على المشتركات المتفق عليها ومراجعة ما تعرض منها للخلاف والاختلاف للوصول إلى حلول تنفع المؤمنين.

 

التقيت سيادة المطران جمال دعيبس النائب البطريركي للاتين في الأردن، وسألته إن كانت الكنيسة الكاثوليكية مستعدة للالتقاء مع الكنائس الأرثوذوكسية في مجمع مسكوني لإحياء نيقية الأول فقال "نحن مستعدون لكن الأجواء قد لا تكون ملائمة تماما، لأن المجمع باختصار ليس مسألة اجتماع رؤساء الكنائس؛ المجمع يعبر عن كنيسة واحدة ونحن لسنا كنيسة واحدة. عندما نجتمع في المجمع نحتفل بإقامة القداس فالقداس بالذات هو تحقيق لهذه الوحدة .... المجمع ليس مجرد اجتماع يلتقي فيه الجميع بل هو تعبير عن وحدة الكنيسة لدراسة كل القضايا التي تخص الكنيسة".

 

الموضوع الأهم الذي يمكن أن يكون محورا من محاور المجمع الجديد في حال انعقاده ويناقشه رؤساء جميع الكنائس هو إعادة النظر في تعيين يوم الاحتفال بعيد الفصح المجيد. وهذا المقال مخصص لهذا الموضوع بالذات.

 

في الأجيال الأولى للمسيحية كان المسيحيون يحيون ذكرى القيامة مع فصح اليهود، ومنذ القرن الميلادي الثاني أخذ المسيحيون يحتفلون بالفصح في يوم الأحد من شهر نيسان القمري اعتمادا على التقويم العبري. وكانت كنائس المشرق في سوريا والعراق قد اعتادت أن تحتفل بالفصح في الرابع عشر من نيسان العبري، سواء كان يوم أحد او غير ذلك بينما كانت الكنائس الأخرى تحتفل بالعيد في يوم أحد حصرا.

 

عمل مجمع نيقية الأول على تحديد معادلة جديدة للاحتفال بعيد الفصح، تم فيها مراعاة أن يكون العيد متوافقا مع بدر الربيع وتاليا لاحتفال اليهود بعيد الفصح، لأن حدث القيامة وفق التقليد الإنجيلي وقع بعد الفصح اليهودي. وقد قبلت كل الكنائس في ذلك الوقت بتلك المعادلة التي جعلت الاحتفال بعيد الفصح في يوم الأحد الواقع، بعد تمام البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي، في الحادي والعشرين من آذار من كل عام.

 

كان لخطاب الامبراطور قسطنطين أثرها في إقناع الأساقفة بتوحيد موعد الفصح. إذ شدد في ذلك الخطاب على ضرورة الابتعاد عن احتفالات اليهود وأشار إلى ضرورة أن يتم الاحتفال بأكثر الأعياد المسيحية قداسة في نفس اليوم عند جميع الكنائس سواء في الشرق أو الغرب.

 

 في مجمع نيقية أراد قسطنطين أن ينفصل تماما عن "رفقة اليهود البغيضة لأنه من المخزي حقا أن نسمعهم يتفاخرون بأنه بدون توجيههم أو ارشادهم لن نتمكن من الحفاظ على هذا العيد".

 

الهدف الثاني من خطاب قسطنطين تمثل في رغبته دعم وحدة الكنيسة (وهذا لا يزال هدفا نبيلا حتى اليوم) فقال أنه يتألم إذ يرى انقساما وخصاما داخل الكنيسة ويضيف "لنفكر كم هو غير لائق أنه في نفس اليوم الذي يجلس فيه البعض حول وليمة العيد يجب أن يبقى آخرون ملتزمين بصوم قاسٍ، فلا ينبغي أن يكون هناك أي تقسيم إذ لم يترك لنا مخلصنا سوى يوم احتفالي واحد لفدائنا أي آلامه المقدسة واراد كنيسة جامعة واحدة".

 

كانت هيبة قسطنطين عاملا مهما في عقد المجمع ووصوله إلى قرارات حاسمة ومتفق عليها. واعتمدت معادلة الاحتفال بالفصح ليكون في الأحد الأول بعد بدر الربيع الذي كان يأتي بعد فصح اليهود، وبذلك تم تنفيذ وصية قسطنطين بالابتعاد عن فصح اليهود. سارت كنائس الشرق والغرب بموجب هذه المعادلة لأكثر من ألف ومئتي سنة إلى أن تم اكتشاف الأخطاء الفلكية في حساب الأيام والسنين في التقويم اليولياني الذي صححه البابا غريغوريوس الثالث عشر في عام 1582.

 

ومع أن الاحتفال بعيد الفصح بقي في الأحد الأول بعد بدر الربيع وسارت عليه الكنائس، إلا أنه اصبح يأتي أحيانا أما متزامنا مع فصح اليهود أو قبله في بعض المرات. وهذا أمر لم ترض عنه الكنائس الأرثوذوكسية التي بقيت ملتزمة بالتقويم اليولياني وهو ما أوقع الفروق بين مواعيد الكنيستين الشرقية والغربية عند الاحتفال بالفصح.

 

وظلّ احتفال الكنيسة الغربية بعيد الفصح قائما بناء على جزء من معادلة نيقية وهو أن يكون العيد في الأحد الأول الذي يلي البدر الذي يقع بعد الاعتدال الربيعي (بحسب التقويم الغريغوري)، متجاوزين ضرورة أن يقع العيد بعد فصح اليهود. ويرى المطران دعيبس أن "الارتباط بالفصح اليهودي بأي شكل من الأشكال ليس أمرا ضروريا، ومجمع نيقية لم يربط الفصح المسيحي بالفصح اليهودي، بل ربطه ببدر الربيع، إذ قرر المجمع أن لا يرتبط الاحتفال بالفصح بأي شكل من الأشكال بأعياد اليهود، ومع أن الفصح المسيحي يأتي أحيانا قبل فصح اليهود فليس في الأمر أي ضير، لأن الفصح احتفال مرتبط بالعهد الجديد الذي تممَّ كل العهد القديم". وشددَّ المطران دعيبس من جديد على أن الكنيسة غير ملزمة بالارتباط بأعياد اليهود سواء قبلها أو بعدها.

 

 ومع أن محاولات عديدة جرت لتوحيد موعد الأعياد بين الكنيستين الغربية والشرقية، إلا أن الاتفاق كان صعبا. كان هناك اقتراح لوضع معادلة جديدة للاحتفال بالفصح تتلخص كما يقول المطران دعيبس بأن يتم الاحتفال بالفصح "في الأحد الذي يلي ثاني سبت من شهر نيسان، وهذا عمليا يعني الأحد الثاني من نيسان وهو يأتي بعد الاعتدال الربيعي بغض النظر عن عيد اليهود". وقال المطران دعيبس "إن الجواب الإيجابي الوحيد الذي جاء على هذا الاقتراح كان من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بينما لم تعطي بعض الكنائس الشرقية الأخرى أي جواب في الوقت الذي كانت فيه بعض الكنائس تميل لقبول الفكرة وبعض الكنائس رفضتها تماما".

 

ظل استخدام التقويم اليولياني من قبل الكنيسة الشرقية يؤدي إلى وقوع العيد بعد احتفال الكنيسة الغربية به أحيانا، بفارق أسبوع واحيانا بفارق خمسة أسابيع وفي مرات قليلة متزامنا معه. في هذا العام 2024 ستحتفل الكنيسة الغربية بعيد الفصح في الحادي والثلاثين من شهر آذار، بينما تحتفل به الكنيسة الشرقية بعد ذلك بخمسة أسابيع أي في الخامس من أيار، وهذا الفارق الطويل يسبب حرجا كبيرا للمسيحيين وبصورة خاصة للمسيحيين المشرقيين. وسيتكرر هذا الفارق في السنوات 2032 و2040 لكن في العام 2025 سيكون العيدان الكاثوليكي والارثودوكسي معا في يوم أحد واحد. ويرى البعض أن وقوع العيدين معا في العام المذكور الذي يصادف أيضا يوبيل الألف وسبعمئة سنة لمجمع نيقية الأول فرصة مشجعة لتبني التوحيد والعمل عليه.

 

كان مجمع نيقية حدثا فارقا في تاريخ الكنيسة. ومع أنه خدم المؤمنين والكنيسة فإن هناك خشية بأن يصبح سبب انقسام. ومع أن الانشقاق الكبير وقع في منتصف القرن الحادي عشر وكان بسبب الاختلاف على مسائل محدودة، إلا أنه بمرور الوقت ظهرت خلافات قد يكون يوبيل الألف وسبعمئة سنة لمجمع نيقية الأول، مناسبة لكي تجتمع الكنائس المسيحية الشرقية والغربية جميعا في مجمع مسكوني جديد يعيد التفاهم ويناقش إلى جانب الأمور اللاهوتية والعقائدية المهمة موضوع توحيد التقويم وتوحيد الأعياد.

 

إذا اتفقت الكنائس على معادلة جديدة للاحتفال بالفصح سواء كان في الأحد الثاني من نيسان، أو في الأحد الأول بعد فصح اليهود، متجاوزين مسألة بدر الربيع فهذا يشكل خطوة مهمة وإيجابية وحلا عمليا، ولا بد أن يقابلها اتفاق الجميع للاحتفال بعيد الميلاد وفق التقويم الغريغوري، أي في الخامس والعشرين من كانون أول ديسمبر.

 

لأن تحديد مواعيد الأعياد ليس جزءاً من العقيدة بل هو ترتيب بشري قابل للنقد والتعديل والتبديل والتغيير، يرى المطران دعيبس أن الكنيسة الكاثوليكية منفتحة على أي اقتراح ومنفتحة على كل الخيارات لكي نتفق مع بعضنا البعض، لكنه شددَّ على أن أي تقارب "يتطلب محبة مسيحية حقيقية لكي ينظر المسيحي إلى أخيه المسيحي على أنه اخ في المسيح، وعلى كل طرف أن يتفهم وجهة نظر الطرف الآخر، وعندما تسود المحبة المسيحية الحقيقية على مختلف المستويات بين الناس المعنيين عندها يمكن إيجاد الحلول. ويؤكد المطران دعيبس أنه إذا تم تحضير الأجواء المناسبة فعند ذلك يصبح  هناك أمل بالتوافق".

 

إذا ما اجتمعت النوايا الطيبة والإرادة الصالحة يمكن الوصول إلى نتائج تخدم العقيدة وتخدم الكنيسة وتخدم المؤمنين. فالأسباب التي أوجدت هذا الاختلاف في التقويم، ليست أساسية، والاحتفال بعيد الفصح في تاريخ واحد يكفل خير المسيحيين عامة ويدعم الجسم المسيحي ويصون وحدته.