موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في طريق عودته من مرسيليا إلى روما، مساء السبت، عقد البابا فرنسيس مؤتمرًا صحفيًا على متن الطائرة، حاور خلاله الصحفيين الذين رافقوه في زيارته الرسوليّة إلى المدينة الفرنسية، وأكد لهم أن الهجرات وإذا تمت إدارتها بصورة جيدة هي غنى. وتطرّق أيضًا إلى الموت الرحيم، محذرًا من الاستعمار الأيديولوجي الذي يفسد الحياة البشرية. وفيما يتعلق بأوكرانيا دعا إلى عدم التلاعب باستشهاد ذلك الشعب.
وفي رده على سؤال: "لقد بدأتُ حبريتك من لامبيدوزا، منددًا باللامبالاة. وبعد عشر سنوات تطلب من أوروبا أن تكون متضامنة. عشر سنوات وأنت تكرر الرسالة نفسها. أهذا يعني أنك فشلت؟"، أجاب: "أنا أقول لا. أقول إن النمو سار ببطء".
وأوضح: "ثمة اليوم وعي حيال مشكلة الهجرة. ثمة إدراك. وثمة وعي بشأن الطريقة التي وصلنا بها إلى هنا. وكأنها مشكلة كبيرة لا أحد يعرف كيف يتعامل معها. لقد قالت أنجيلا ميركيل مرة إن المشكلة تُحل من خلال التوجه إلى أفريقيا، ومن خلال الحلول في أفريقيا، والارتقاء بالشعوب الأفريقية. لكن حصلت أمور بشعة. أمور بشعة جدًا، حيث أعيد المهاجرون إلى حيث أتوا، كما يحصل في كرة الطاولة. ومن المعروف أنهم غالبًا ما ينتهون في مخيمات اعتقال، وتكون أوضاعهم أسوأ من قبل".
تابع "لقد تابعتُ حياة شاب يُدعى محمود، حاول الخروج منها، وفي آخر المطاف انتحر شنقًا. لم يعد يحتمل التعذيب. لقد طلبتُ منكم أن تقرأوا كتاب "الأخ الصغير". فالأشخاص الوافدون يُباعون قبل مجيئهم. ثم يُؤخذ منهم المال ليدفعوا ما يتوجب عليهم. ثم يُطلب منهم أن يتصلوا هاتفيًا بالعائلة كي تُرسل المزيد من المال. إنهم أشخاص بائسون، يعيشون حياة رهيبة. لقد سمعتُ شاهدًا، تحدث عما حصل في الليل، لحظة الإبحار، فقد رأى أحدُهم مركبًا بسيطًا جدًا، يفتقر إلى السلامة، ولم يشأ الصعود على متنه. ثم ... بوم بوم. انتهت القصة. إنها مملكة الرعب. يتألمون، ليس فقط لأنهم يحتاجون إلى الرحيل، بل بسبب مملكة الرعب الموجودة هناك. إنهم عبيد. ونحن لا نستطيع أن نعيدهم إلى حيث أتوا وكأنهم كرة الطاولة".
وجدّد قداسته القول بأنّ "المهاجرين يحتاجون إلى الاستقبال والمرافقة والرعاية والاندماج. إن لم تتمكن من دمجه في بلادك، رافقه وساعده على الاندماج في بلاده، لكن لا تتركه بأيدي الأشخاص المتوحشين الذين يتاجرون بالبشر. هذا هو موضوع المهاجرين: إننا نرسلهم إلى حيث جاؤوا ويقعون في أيدي هؤلاء الأشخاص التعساء الذين يلحقون بهم الأذى الشديد. يبيعونهم، يستغلونهم. يحاول الناس الخروج من تلك الدوامة. هناك مجموعات من الأشخاص أخذت على عاتقها إنقاذ الناس بواسطة السفن. وقد دَعوتُ أحد هؤلاء الأشخاص إلى المشاركة في السينودس. إنهم يخبروننا قصصا رهيبة. إن زيارتي الأولى، كما قلت، كانت إلى لامبيدوزا. لقد تحسنت الأوضاع، فعلاً. ثمة وعي أكبر. لم يكن الأمر معروفًا آنذاك. ولم يقولوا لنا الحقيقة".
وقال: "أتذكر أن امرأة أثيوبية كانت موظفة الاستقبال في بيت القديسة مارتا، والداها أثيوبيان. كانت تجيد اللغة. وكانت تتابع زيارتي عبر التلفاز. وكان هناك رجل أثيوبي يحدثني عن التعذيب وما تعرض له. وقالت لي لاحقا إن المترجم قال أشياءً لم يقلها هذا الرجل، حاول أن يخفف من وطأة الوضع. من الصعب أن يثق الإنسان بالآخرين. مآس كثيرة. في ذلك اليوم، عندما كنت هناك، قال لي طبيب: انظر إلى هذه المرأة. كانت تجول وسط الجثث وتنظر إلى الوجوه لأنها تبحث عن ابنتها، ولم تجدها. من المفيد بالنسبة لنا أن نلمس هذه المآسي لمس اليد. هذا الأمر يجعلنا أكثر إنسانية وأكثر ألوهية أيضًا. إنها دعوة. أود أن تأتي كصرخة. لنتنبه، ولنفعل شيئًا. لقد تبدل الوعي فعلا. ثمة المزيد من الوعي الآن. ليس لأنني تحدثت عن هذا الموضوع، بل لأن الناس تنبهوا لتلك المشكلة. كثيرون يتكلمون عنها. كانت تلك أول زيارة لي. أود أن أقول شيئًا يعنيني مباشرة. لم أكن أعرف أين توجد جزيرة لامبيدوزا. لكنني سمعتُ الروايات. قرأتُ شيئًا ما، وفي الصلاة سمعت من يقول لي: عليكَ أن تذهب. وكأن الرب أرسلني إلى هناك، وكانت تلك زيارتي الأولى".
وحول عزم الحكومة الفرنسية للموافقة على قانون الموت "الرحيم"، أشار البابا إلى أنّه لم يتناول هذا الموضوع مع الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى مرسيليا، لكنه تطرق إليه خلال زيارته إلى الفاتيكان في تشرين الأوّل 2022، حيث أعلن رأيه بوضوح: "لا يمكن التلاعب بالحياة، لا في بدايتها ولا في نهايتها. لا يمكن التلاعب بها. هذا هو رأيي: حماية الحياة".
وقال: "لنحذر اليوم من عمليات الاستعمار الأيديولوجي التي تفسد الحياة البشريّة وتتعارض مع الحياة البشريّة. اليوم تُلغى حياة الأجداد، على سبيل المثال، عندما يُجرد الحوار بين الأجداد والأحفاد من الغنى البشري، تُلغى حياتهم، يصبحون عجزة لا فائدة منهم. لا يمكن التلاعب بالحياة".
وأكد أنّه "لا يمكن التلاعب بالحياة، فيما يتعلق بالقانون الذي يمنع الطفل من النمو في رحم أمه، والقانون الخاص بالموت الرحيم في حالات المرض أو الشيخوخة. ولا أقول إن هذه المسألة إيمانيّة، إنها إنسانيّة. هناك نوع قبيح من الرأفة. فالعلم تمكن اليوم من التخفيف من الآلام الناجمة عن بعض الأمراض، ومن مرافقة المريض من خلال العديد من العقاقير".
وإزاء المهمّة الفاتيكانيّة الساعيّة لإيجاد طرق سلام في القضية الأوكرانيّة، أعرب البابا فرنسيس عن "ثمة شعور بالإحباط"، لأنّ أمانة سر دولة الفاتيكان تفعل كل ما في وسعها للمساعدة، وأيضًا من خلال مهمة الكاردينال ماتيو ماريا تسوبي.
وقال: "هناك تقدّم في الملف المتعلق بالأطفال، لكن يبدو لي أن هذه الحرب لا تتعلق فقط بالأزمة الروسيّة الأوكرانيّة، بل ترمي إلى بيع السلاح، الاتجار بالأسلحة. قال أحد الخبراء الاقتصاديين منذ بضعة أشهر إن الاستثمارات التي توفر ربحًا أكبر اليوم هي في مصانع السلاح، التي هي مصانع الموت!".
أضاف: "الشعب الأوكراني هو شعب شهيد، لديه تاريخ مطبوع بالألم، وهي ليست المرة الأولى: ففي زمن ستالين تعذب كثيرًا، كثيرًا، كثيرًا، إنه شعب شهيد. ويجب ألا نتلاعب مع استشهاد هذا الشعب، لا بدّ من مساعدته على حلّ المشاكل بالطرق الواقعية قدر الإمكان. ما هو واقعي ممكن في الحروب، بعيدًا عن التوهم بأن يذهب الزعيمان المتحاربان لتناول الطعام معًا، لكن لا بدّ أن يتوصلا إلى صنع ما هو ممكن. الآن رأيت أن بعض البلدان خطت خطوة إلى الوراء، ولم تعد ترسل السلاح، وقد بدأت عملية حيث سيكون الشعب الأوكراني شعبًا شهيدًا بالطبع. وهذا أمر قبيح!".