موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٧ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٥
ظاهرة الموعوظين في فرنسا: حين يهبّ نسيم الروح القدس حيث يشاء
في فرنسا، بلد كان يعتبر من أكثر الدول علمانية، يشهد الإيمان المسيحي انتعاشًا ملحوظًا بين الشباب. أكثر من 10,000 بالغ و7,400 مراهق متوقع أن ينالوا المعمودية في 2025! في هذا المقال نورد بعض الحقائق عن الموعوظين - الأشخاص البالغين والمراهقين الذين يستعدون لنيل سرّ المعمودية، وفق استطلاع يحلّل هذه "الظاهرة" المثيرة جدًا للاهتمام كما يصفها البابا لاون.

أبونا :

 

في أول مقابلة له منذ انتخابه، نُشرت في كتاب صدر في 18 أيلول باللغة الإسبانية، تناول البابا لاون الرابع عشر العديد من المواضيع وكشف بعض التوجّهات التي سيتخذها في حبريته. غير أنّه عندما تطرّق إلى موضوع محدّد للغاية -الموعوظون- فقد تحدّث عن بلد بعينه: فرنسا.

 

في إجاباته في كتاب "لاون الرابع عشر، مواطن العالم، مرسل القرن الحادي والعشرين"، أشار البابا تحديدًا إلى وضع الكنيسة في فرنسا، مذكّرًا بلقائه في 29 تموز مع 600 شاب من الموعوظين - الأشخاص البالغين والمراهقين الذين يستعدون لنيل سرّ المعمودية.

 

ووصف البابا ظاهرة ازدياد أعداد الموعوظين في فرنسا بأنّها "مثيرة جدًا للاهتمام"، وذلك في بلد "اعتبر لفترة من الزمن من أكثر البلدان علمانية في العالم".

 

«ابقوا متصلين بالرب يسوع»

 

وخلال لقائه مع مجموعة من الموعوظين والمعمّدين الجدد القادمين في فرنسا، نهاية تموز في الفاتيكان، عبّر البابا لاون عن فرحه لرؤية "شبان ملتزمين بالإيمان ويرغبون في إعطاء معنى لحياتهم من خلال السماح لأنفسهم بأن يقودهم المسيح وإنجيله".

 

وبلغة وسائل التواصل الاجتماعي، دعاهم إلى "البقاء متصلين بالرب يسوع". وحثّهم على عيش "مسيرة شخصية" كي لا يكتفوا بأن يكونوا "مسيحيين بالصدفة أو بالعادات أو من أجل الراحة"، أي مجرد أشخاص يحملون فقط "الصفة المسيحية".

 

وقال البابا لاون في مقابلته الأولى مع الصحفية المتخصّصة في شؤون الفاتيكان والكنيسة، إليز آن ألن: "إنهم يريدون أن يأتوا إلى الكنيسة لأنهم أدركوا أن حياتهم فارغة، أو ينقصها شيء، أو تفتقر إلى المعنى، وهم يكتشفون من جديد ما لدى الكنيسة لتقدّمه".

ما تفسير الارتفاع؟

 

في حين أن الكنيسة تستجيب بشكل متزايد للطلبات، كما يظهر من خلال عدد المرسلين للتعليم المسيحي -11,500 ملتزمًا، 80% منهم من العلمانيين، أي بزيادة 30% خلال عام واحد- فإن الروح القدس هو الفاعل الحقيقي في هذه المسيرة.

 

وقالت كاثرين شوفالييه، المسؤولة عن «الإعلان ومرافقة الحياة المسيحية» في مجلس أساقفة فرنسا: "الجميع يتحدث عن مسيرة، عن خبرة شخصية. وهناك أيضًا عوامل مثل السياق الاجتماعي المقلق إلى حدّ ما، والرغبة في بناء الحياة على أسس متينة، والبحث عن السلام الذي وجده بعضهم في الكنائس... لكن قبل كل شيء، هي خبرة ولقاء شخصي حميم مع المسيح".

 

 

ظاهرة الموعوظين!

 

بحماس، قال الأب فنسنت برينارت، مدير الخدمة الوطنية لأنجلة الشباب والدعوات في فرنسا، في مؤتمر صحفي عُقد في نيسان الماضي: "هناك حاليًا ظاهرة موعوظين". وبالفعل، فإن عدد الموعوظين في فرنسا يزداد عامًا بعد عام.

 

فبحسب تقرير نُشر في نيسان، أعلن مجلس أساقفة فرنسا أنّه من المتوقع أن يتعمّد أكثر من 10,000 بالغ وأكثر من 7,400 مراهق بحلول عام 2025، وهو رقم قياسي. وقد تعاون موقع أليتيا مع مجلة العائلة المسيحية لتحليل بعض أسباب هذا النمو.

 

تتضح أولى النتائج: ريح الشباب تهبّ في كنيسة فرنسا بفضل هؤلاء الموعوظين، إذ إن 73٪ منهم دون سن الـ35. وإذا ركّزنا على فئة الشباب الأصغر سنًا، نجد أنّ 44٪ منهم دون سن الـ25، بينما لا يزال عدد قليل منهم قُصَّرًا (16 أو 17 عامًا) موزّعين على العديد من أبرشيات فرنسا.

 

 

نشأوا في عائلات غير مؤمنة

 

وتُشدد مخرجات هذا العام على أنّ "الروح القدس يهب حيث يشاء، إذ إنّ 65٪ منهم لم يكبروا في عائلات مسيحية ممارسة للإيمان، بحسب الأب بول غاك، المسؤول عن خدمة الموعوظين في أبرشية كريتاي، والذي ساهم بشكل كبير في هذا الاستطلاع.

 

في معظم الحالات، اكتشف هؤلاء المؤمنون الجدد الإيمان من خلال:

 

• بحث شخصي (38٪)

• أو بفضل لقاء معيّن (28٪ - وغالبًا عبر صداقة)

• مقابل تأثير العائلة (12٪ فقط)

 

وتجسّد مسيرة ملايكا، البالغة من العمر 18 عامًا والموعوظة منذ عام في العاصمة الفرنسية باريس، هذه الأبعاد بوضوح قائلة: "لقد التقيتُ الله من خلال مبادرات شخصية، وبدعم من عائلتي وأصدقائي".

 

لكن اللافت أنّ 22٪ من الموعوظين يقولون إنهم لا يعرفون أي شخص مسيحي في محيطهم - لا والدين، ولا أصدقاء، ولا حتى زملاء عمل مؤمنين.

 

 

المعلمون والأصدقاء يملأون الفراغ

 

لحسن الحظ، تدرك الكنيسة كيف تحيط بهؤلاء الباحثين:

 

• 54% قالوا إن الشخص الذي يُساعدهم أكثر هو كاهن أو معلم تعليم مسيحي

• 41% اعتمدوا على صديق

• 27% استفادوا من دعم أخ أو أخت

• ربع الموعوظين قالوا إنهم لا يعتمدون على أحد - لا عائلة، ولا على أصدقاء، ولا على جماعة كنسية.

 

أما عن دوافع طلب المعمودية:

 

• تجربة روحية (40%)

• المشاركة في القداس (27%)

• أحداث حياتية مثل الزواج أو ولادة طفل (10%)

• قراءة الكتاب المقدس (9%)

• شهادة شخصية لأشخاص مُقرَّبين (9%)

• قدوة زوج أو خطيب مؤمن (5%)

 

 

القداس: محفّز على الاهتداء؟

 

يتبيّن أن كثيرًا من الموعوظين، حتى قبل معموديتهم، ينغمسون بالفعل في حياة الكنيسة. فرغم أنهم لا يعرفون التراتيل جيدًا بعد، إلا أنّ 35٪ من الموعوظين الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم يشاركون في القداس كل يوم أحد، فيما يحضر 29٪ مرتين في الشهر.

 

وبالنسبة للبعض، كانت المشاركة في القداس هي التي أعطتهم الزخم والدافع لطلب المعمودية، مثل رافاييل، 23 عامًا: قبل عامين، وبعد عدة سنوات من سماعها لـ"أصوات خافتة" خلال القداس، طلبت المعمودية. وقالت: "لم أستطع أن أصف الأمر بالكلمات، بدا غريبًا. لكنه أثقل عليَّ، إلى أن فهمت أن الروح القدس هو من كان يكلمني". ومنذ ذلك الوقت، دأبت على حضور القداس كل يوم أحد.

 

وساهمت أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي في دعم الموعوظين على طول مسيرتهم.

 

 

الدور المحوري لـ"المؤثّرين"؟

 

يكشف الاستطلاع أن 68٪ من الموعوظين يتابعون مقاطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب، إنستغرام أو تيك توك لتعميق فهمهم للإيمان المسيحي. نصفهم تقريبًا يقدّرون بشكل خاص تعاليم الأب ماتيو، من أبرشية تولوز، المعروف بحضوره القوي على الشبكات الاجتماعية. كما يتابع الكثيرون محتوى الأب ماتيو بوتلان من أبرشية فرساي، الناشط بدوره على الإنترنت.

 

ويعلّق الأب بول جاك قائلاً: "التنشئة الذاتية أصبحت واقعًا."

 

ويستخدم الموعوظون كل الوسائل لتقوية إيمانهم؛ قراءة سير القديسين أو حتى الاشتراك في مجلة كاثوليكية (13٪).

 

 

وماذا بعد المعمودية؟

 

رغم قلق الكنيسة على المدى الطويل، فإن الموعوظين مفعمون بالحماس للانضمام إلى جماعة المؤمنين:

 

• 39% متحمّسون للانضمام إلى جماعة إيمانية

• 27% يريدون المزيد من المعلومات والتعليم حول الإيمان والقداس

• 16% يأملون في رؤيى إنشاء مجموعات للشباب البالغين في الرعايا

 

أما احتياجاتهم لمواصلة النمو في الإيمان:

 

• 57% يقولون إنهم بحاجة إلى أصدقاء مسيحيين لمشاركة الإيمان معهم

• 22% يأملون في نوع من الإرشاد أو المرافقة الروحية

• 12% يتصورون تشكيل مجموعات رعوية مخصصة للمعمّدين حديثًا

 

والآن، يعود الدور للكنيسة والمؤمنين ليكونوا رفقاء ومرافقين لهؤلاء المؤمنين الجدد، ليبقى الروح القدس يهب حيث يشاء، ينفح في قلوبهم قوة الإيمان والمحبة، ليثمر في حياتهم وجماعاتهم ثمارًا غنية ووفيرة، ويستمر نسيمه المبارك في حمل الكنيسة نحو مستقبل مشرق مليء بالرجاء والتجدّد.