موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
جانب من اللقاء
لمناسبة افتتاح السنة القضائية الحادية والتسعين، التقى البابا فرنسيس، يوم السبت، قضاة محكمة دولة حاضرة الفاتيكان، حيث شجعّ القضاة على متابعة التزامهم الثمين لكي توضع العدالة بتصرف الكرامة البشرية والحرية والسلام.
العدالة مع الذات
وأوضح بأن العدالة التي اقترحها السيد المسيح ليست مجرد مجموعة من القواعد المطّبقة، إنما عبارة عن جهوزية القلب التي تقود الشخص المسؤول، حيث يحثّ الإنجيل على تحقيق العدالة الداخلية، مشجعًا القضاة على عدم الالتزام خارجيًا بشكل يعني الآخرين وحسب، بل داخليًا، مع الذات، لأن العدالة هي التي تولّد العدالة!
الفطنة والقوة والقناعة
وأشار إلى أن العدالة وحدها ليست كافية، إذ يجب أن ترافقها باقي الفضائل الأساسية: الفطنة والقوة والقناعة. فالفطنة تسمح بالتمييز بين ما هو حقيقي وما هو باطل. والقناعة هي عنصر اعتدال وتوازن في تقييم الوقائع والأوضاع، وتفسح المجال أمام اتخاذ القرارات استنادًا إلى ما يمليه علينا الضمير. أما القوة فتتيح تخطي الصعوبات التي نواجهها والتصدي للضغوط، وهذا ينطبق بنوع خاص على القضاة المدعوين إلى اتخاذ قرارات حساسة ومعقدة.
أمام المسائل الإنسانية المعقدة
وذكّر البابا فرنسيس ضيوفه القضاة بأنه غالبًا ما يجدون أنفسهم أمام أشخاص متعطشين إلى العدالة، أشخاص متألمين يعانون من القلق واليأس الوجودي. من هذا المنطلق لا بد أن يغوص القاضي في المسائل الإنسانية المعقدة، كي يقدم أجوبة مناسبة ويوفّق بين تطبيق القانون وممارسة الرحمة التي علمنا إياها يسوع، لأنه في الرحمة تبلغ العدالة ملأها.
الإصلاح جزء من رسالة الكنيسة
وتوقف البابا عند القوانين التي تنظّم العلاقات بين الأشخاص، وعند القيم الخلقية التي تشكل ركيزتها. ولفت إلى أن التشريعات في دولة الفاتيكان شهدت إصلاحات هامة خلال العقد الماضي، لاسيما في مجال قانون العقوبات. وهذه الإصلاحات لم تنبع من الحاجة إلى التحديث فحسب، إنما من حرص الكرسي الرسولي على الالتزام في تعهداته الدولية التي اتخذها أيضًا نيابة عن دولة حاضرة الفاتيكان. وهذه التعهدات تتعلق في المقام الأول بحماية الكائن البشري، المهدَّد بكرامته، وبحماية الفرق الاجتماعية التي غالبًا ما تقع ضحية أشكال جديدة ومقيتة من فقدان الشرعية.
وأكد أن الهدف الأساسي لهذه الإصلاحات يندرج في إطار رسالة الكنيسة، وهو جزء لا يتجزّأ من نشاطها وخدمتها. وهذا الأمر يُترجم من خلال مقاسمة الكرسي الرسولي جهود الجماعة الدولية الهادفة إلى تحقيق التعايش العادل والنزيه، مع إيلاء اهتمام خاص بأوضع الأشخاص المهمشين والمقصيين والمحرومين من الخيور الأساسية، وغالبًا ما تُداس كرامتهم البشرية. ولهذا السبب أطلق الكرسي الرسولي عملية ترمي إلى جعل تشريعاته تتلاءم مع القانون الدولي، وهو يسعى أيضًا إلى التصدي للاشرعية في المجال المالي على الصعيد الدولي.
وفي هذا السياق، شدد البابا فرنسيس في خطابه أمام قضاة محكمة دولة الفاتيكان، على أن الكرسي الرسولي عازم على متابعة السير في هذا الاتجاه، ليس على صعيد الإصلاحات التشريعية وحسب، ولكن أيضًا من خلال تطوير أشكال جديدة من التعاون القضائي على صعيد التحقيقات والتحري، ضمن الأطر القانونية وتماشياً مع القوانين الدولية.
العدالة تنبع من استقامة القاضي
وعاد البابا فرنسيس ليسلط الضوء على أهمية أن يأخذ نشاط القاضي في عين الاعتبار المعايير الإنسانية قبل أن يُصدر الأحكام، لأن العدالة تنبع من نوعية واستقامة الأشخاص، لاسيما القضاة، لذا لا بد أن تُطبق العدالة من قبل أشخاص مستقيمين، مذكرًا بأن كل إنسان سيمثل يومًا ما أمام العدالة الإلهية، وهذا الأمر ينبغي أن يحفّز على القيام بالواجب بجديّة وتواضع.