موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٤ أغسطس / آب ٢٠٢١
4 آب: عيد القديس جان ماري فيانيه (خوري آرس)، شفيع الكهنة

إعداد الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيكاني :

 

تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في الرابع من آب من كل عام بتذكار القديس جان ماري فيانيه، والمعروف بخوري آرس، (شفيع الكهنة)، لنتعلم من محبته وتواضعه وصبره.

 

وُلِدَ جان ماري فيانّيه في بلدة دارديّي الصغيرة في 8 أيار 1786 من عائلة قرويّة فقيرة مادّيًا، لكنّها غنيّة بالإنسانيّة والإيمان، ولم يكن والداه يتردّدان في استقبال الكهنة الهاربين. ودرس جان ماري الكهنوتيّ الأوّل جاء من حديث سمعه، كان يدور بين والدته وبين كاهن أدّى يمين الولاء خوفاّ من الموت، فكان يسمع والدته تؤنّب الكاهن لعدم وفائه للبابا ولأوّلية الحقيقة في حياته، حتى قال لها الكاهن الضيف: "أنت على حقّ سيّدتي، فالكرمة أهمّ من الأغصان".

 

هذا الكرم في الضيافة الّذي دفع عائلة فيانّيه الى المخاطرة بأمنها في سبيل استقبال من كانوا يعتبرونهم رسل المسيح لم يكن الكرم الوحيد. فقد جهدوا ليستقبلوا الفقراء أيضًا ويقاسموهم الخبز القليل الّذي كانوا يملكونه. والكرم الأكبر الّذي زرعوه في قلب أولادهم، كان الكرم في العطاء المطلق للمسيح من خلال الصلاة. منذ صغره، نشأ الأولاد على حبّ المسبحة الورديّة، وحين كان جان ماري في الرابعة من العمر، وكان يحاول استرداد مسبحته من إخته، قالت له أمّه:

"أعط المسبحة لإختك مرغريت، فهكذا يكون يسوع مسروراً".

 

حادثة صغيرة انطبعت في حياة الصغير، ورافقته دوماً، فتعلّم معنى العطاء، عطاء يكبر أكثر فأكثر. وانطبع أيضاً فيه حبّ مريم. "إن مريم العذراء هي حبّي الأقدم، أحببتها حتى قبل أن أعرفها. كان جان ماري من ضحايا النظام السياسيّ أيضاَ، فبسبب النظام المعادي للكنيسة أُغلقت المدرسة الوحيدة في قريته، لذلك لم يتعلمّ القراءة حتى بلغ عمر التاسعة، وبسبب هذا فسوف يعاني دوماً من عجر كبير من الناحية العلميّة كان يمنعه من أن يصبح كاهناً. كما اضطر الى الانتظار حتى عمر الثالثة عشرة سنة لينال المناولة الأولى، بسبب النقص في التعليم الديني وغياب المكرّسين، ولهذا السبب أيضاً اضطر الى التأخر لدخول الإكليريكيّة، فالتحق بقسم الدعوات المتأخّرة رغم أنّه بدأ يعي دعوته منذ الصغرر.

 

يَروي كاتِبو سيرة حياته أنّه حاول، منذ مطلع شبابه، أن يقوم وِفق الإرادة الإلهيّة بِالأعمال الوضيعة. كان يُنمّي في نفسه الرغبة في أن يصير كاهنًا، لكنّ تحقيق هذا لم يكن سهلاً. فقد وصل بالفِعل إلى الرسامة الكهنوتيّة بعد كثيرٍ من العقبات وسوء الفهم ومنها معارضة والده لكهنوت الابن. والعقبة الثانية فكانت عدم قدرته على تعلم اللغة اللاتينية. والعقبة الثالثة كانت اداه الخدمة العسكرية التي سوف تجبره على وقف دروسه. وذلك بِفضل مساعدة كهنة حُكماء لم يتوقّفوا عند محدوديّته الشخصيّة، بل عرفوا أن ينظروا إلى ما هو أبعد من ذلك، مُدركين أفق القداسة لدى هذا الشاب.

 

سيمَ شمّاسًا في 23 حزيران 1815، وكاهنًا في 13 آب 1815. فبعمر التاسعة والعشرين سنة، وبعد الكثير من الشكوك والمحاولات الفاشلة، استطاع أن يصعد إلى مذبح الربّ ويحقِّق حلم حياته. عيّنه الأسقف مساعدًا لمعلّمه الأب بالاي في رعيّة في أكولي، وفي شباط 1818 وصل إلى مدينة آرس الفرنسية حيث عيّنه الأسقف كاهنًا لهذه الرّعيّة الصغيرة، حيث بقي فيها لمدّة 41 سنة، ولم يتركها إلاّ ساعة موته.

 

عام 1858، أي سنة واحدة قبل موته، بلغ عدد زوّار مدينة آرس سنويًا حوالي مئة آلف زائر يأتون للاعتراف. ورغم أن أسقف الأبرشيّة كان قد أرسل إليه فريقًا من كهنة يعاونونه في الاعتراف، إلاّ أن الحجّاج كانوا يريدون الاعتراف عنده، فكان يبقى في كرسيّ الاعتراف ما يقارب 17 ساعة يوميًا.

 

يوم 4 آب من سنة 1859، انتقل الى جوار ربه، بعد حياة من الخدمة والمحبة للرعية. وفي عام 1905 أعلنه البابا بيوس العاشر طوباويّاً وشفيعًا لكهنة فرنسا. وبعد 20 عامًا أعلنه البابا بيوس الحادي عشر في 1925 قدّيسًا، ثم عاد وأعلنه في عام 1929 شفيعًا للكهنة. فلتكن صلاته معنا.