موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٨ ابريل / نيسان ٢٠٢٥
النص الكامل لتأملات صلاة درب الصليب يوم الجمعة العظيمة 2025
والتي أعدّها البابا فرنسيس

موقع الفاتيكان الرسميّ :

 

صلاة الافتِتاح

 

الطَّريقُ إلى الجُلجَلَة تَمُرُّ في شَوارِعِنا كلَّ يَوْم. لكنَّا، نحن يا رب، نَسِيرُ عادَةً في الِاتِّجاهِ المعاكِسِ لِاتَّجاهِكَ. وقد يَتَّفِقُ أن نَلتَقِيَ بِوَجهِكَ، وأن تَلتَقيَ نَظَراتُنا. نَحنُ نتقَدَّمُ دائِمًا بِحَسَبِ الحال، وأَنتَ تَأْتي نَحوَنا. عَيناك تَقرَآنِ قُلوبَنا. ونحن، نَتَرَدَّدُ ثم َّ نُتابِعُ سَيرَنا كأنَّ شيئًا لم يَحدُثْ. قد نَلتَفِتُ، فنَنظُرُ إليك، وقد نَتبَعُكَ. ويُمكِنُ أن نَجعَلَ مَسيرتَكَ مسيرَتَنا، ونَفهَمَ أنّه من الأفضلِ أن نغيِّر اتَّجاهَنا.

 

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس مرقس (10، 21)

 

حَدَّقَ إِليهِ يسوع فأَحبَّه فقالَ له: «واحِدَةٌ تَنقُصُكَ: اذْهَبْ فَبِعْ ما تَملِك وأَعطِهِ لِلفُقَراء، فَيَكونَ لَكَ كَنزٌ في السَّماء، وتَعالَ فَاتبَعْني».

 

اسمُكَ يسوع، وبِكَ حقًا ”الله يخَلِّص“. الله إلهُ إبراهيم الذي يدعو، وإلهُ إسحق الذي يَرى لِمَا يَلزَم، وإلهُ يعقوب الذي يُبارِك، وإلهُ إسرائيل الذي يُحَرِّر: في نَظْرتِكَ، يا ربّ، وأَنتَ تجتازُ أورشليم، وَحيٌ كامِل. وخُطُواتُكَ عندما تُغادِرُ المدينَة، هي خروجُنا إلى أَرضٍ جدِيدَة. جِئْتَ لِتُغَيِّرَ العالم: هذا يَعنِي لنا أن نُغَيِّرَ اتِّجاهَنا، أن نرى الصَّلاحَ في اتِّباعِنا لِخُطُواتِكَ، وأَن نسمَحَ لذِكرَى نَظْرَتِكَ أن تَترُكَ أثَرًا في قلوبِنا.

 

دَربُ الصَّليب هي صلاةُ الذين يتحَرَّكُون. إنَّها تتَقاطَعُ مع مساراتِنا المـُعتادَة، فنُغَيِّرُ وِجهَتَنا من التَّعَبِ إلى الفرَح. صحيحٌ أنَّ طريقَ يسوع تَقتَضي جَهدًا: في هذا العالم الذي يَحسِبُ حِسابًا لكلّ شَيْء. المجَّانِيَّةُ فيهِ ثَمَنُها باهِظ. لكِنْ مع العَطاء، يعودُ كُلُّ شَيءٍ فَيُزهِر: المدينةُ المقَسَّمَةُ بينَ الفَصائِلِ والتي تُمَزِّقُها الصِّراعات، تَسِيرُ نحو المـُصالحَة، والتَدَيُّنَ الذي جَفَّ ويَبِسَ يَكتَشِفُ الحياةَ في خُصوبَةِ وُعودِ الله، حتّى قلبُ الحجر يمكِنُ أن يصيرَ قلبًا من لحم. عليكَ فقط أن تُصغِي إلى الدَّعوَة: «تعالَ! اتبَعْني!»، وأن تَثِقَ بِتِلكَ النَّظرَةِ التي أحَبَّتْكَ.

 

 

المرحلة الأولى: يسوع يُحكَمُ عليه بالموت

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (23، 13-16)

 

فدَعا بيلاطُسُ عُظَماءَ الكَهَنَةِ والرُّؤَساءَ والشَّعب، وقالَ لَهم: «أَحضَرتُم لَدَيَّ هذا الرَّجُلَ على أَنَّهُ يَفتِنُ الشَّعْب. وها قد حَقَّقتُ في الأَمرِ بِمَحضَرٍ مِنكُم، فلَم أَجِدْ على هذا الرَّجُلِ شيئًا مِمَّا تَتَّهِمونَه بِه، ولا هيرودُس، لأَنَّه رَدَّهُ إِلَينا. فهُوَ إِذًا لم يَفعَلْ ما يَستَوجِبُ بِه المَوت فسأُعاقِبُه ثُمَّ أُطلِقُه».

 

لم يَعمَلْ بما قال. ولم يُعِدْ إليك حُرَّيَتَك. كانَ من الممكنِ أن تسيرَ الأمورُ بشكلٍ مختلِف. لكن، هذه لعبةُ حرِّيّاتِنا وهذِه المأساةُ. مِن أجلِها كانَ تَقدِيرُكَ لنا كَبِيرًا. وَثِقْتَ بهيرودس وبيلاطس وبالأصدقاء والأعداء. أنتَ لا يمكنُ أن تتحوَّلَ عن هذه الثِّقةِ التي جعَلَتْكَ تضَعُ نفسَكَ بينَ أيدِينا. ويمكِنُنا أن نصنَعَ بها العجائب: فنحرِّرُ المتَّهَمِين ظُلمًا، ونتَرَيَّثُ ونتعمَّقُ في المواقف المعقَّدة، ونُعارِضَ الأحكامَ بالقتل. حتّى هيرودُس كانَ بإمكانِهِ أن يَتبَعَ القَلَقَ المقدَّسَ الذي كانَ يَسكُنُهُ ويَجذِبُهُ إليك: لكنّه لم يَفعَلْ، ولا حتّى عندَّما وجَدَ نفسَهُ أخيرًا أمامَكَ. وكانَ بإمكانِ بيلاطس أن يُحَرِّرَكَ: وقد أعلَنَ بَراءَتَكَ بالفِعل. لكنَّهُ لم يَفعَلْ. يا يسوع، دَربُ الصَّلِيب، هو إمكانِيَّةٌ تركناها تَمُرُّ بنا مرارًا كثيرةً جِدًّا. إنَّنا نعترفُ بذلك: نحن أَسرَى أدوارٍ نقومُ بها ولا نُريدُ أن نخرَجَ منها، خوفًا من المتاعِبِ في تَغيِيرِ وِجهَتِنا. وأنتَ ما زِلْتَ أمامَنا صامتًا: في كلِّ أُختٍ وأَخٍ معرَّضِين للأحكامِ والأحكامِ المـُسْبَقة. وتعودُ الحُجَجُ الدِّينيَّة، والحِيَلُ القانونيَّة، وما يَظهَرُ كـأَنّه الحِسُّ السَّلِيم، لكنَّه لا يهتَمُّ لمصيرِ الآخَر: ألفُ سبَبٍ يَجذِبُنا إلى موقِفِ هيرودس والكهنةِ وبيلاطس والجموع. ومع ذلك، يمكن أن تَسيرَ الأُمورُ بشَكلٍ مختلف. أنتَ، يا يسوع، لا تَغسِلُ يدَيْكَ. ما زِلْتَ تُحِبُّ في صَمْت. اختَرْتَ ونَفَّذْتَ اختيارَكَ. والآن جاءَ دَورُنا لِنَعمَل.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: افتَحْ قلبي، يا يسوع.

 

عندما أرى أمامي إنسانًا محكومًا عليه: افتَحْ قلبي، يا يسوع.

عندما يكونُ رأيِي الأَكِيدَ حُكمًا مُسْبَقًا: افتَحْ قلبي، يا يسوع.

عندما يَحكُمُني التَّزَمُتُ في الدِّين: افتَحْ قلبي، يا يسوع.

عندما يَجذِبُني الخَيرُ بِصُورَةٍ خَفِيَّة: افتَحْ قلبي، يا يسوع.

عندما أُريدُ أن أعمَلَ، ثمَّ أخافُ من المغامرة: افتَحْ قلبي، يا يسوع.

 

 

المرحلة الثَّانية: يسوع يَحمِلُ الصَّليب

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (9، 43-45)

 

فدَهِشوا جَميعًا مِن عَظَمَةِ الله. يسوع ينبِّئ مرّة ثانية بموته، وبَينما هُم بِأَجمَعِهم مُعجَبونَ بِكُلِّ ما كانَ يَصنَع، قال لِتَلاميذِه: «اجعَلوا أَنتُم هذا الكَلامَ في مَسامِعِكم: إِنَّ ابنَ الإِنسانِ سيُسلَمُ إِلى أَيدي النَّاس». فلم يَفهَموا هذا الكلام وكانَ مُغلَقًا علَيهم، فما أَدركوا مَعناه وخافوا أَن يَسأَلوهُ عن ذلك الأَمر.

 

يا يسوع، منذُ عِدَةِ أشهر، وربما منذُ سنَوات، كانَ ثِقَلُ الصَّليبِ على مَنكِبَيْكَ. ولمـَّا كُنْتَ تَتكلَّمُ فيه، لم يَكُنْ أحدٌ يَسمَعُ لَكَ: كانَتْ المقاوَمَةُ شدِيدة، حتَّى مُجَّردُ التَّفكيرِ فيه. أنت لم تطلُبْهُ، لكنَّكَ شعَرْتَ بالصَّليبِ قادِمًا إلَيكَ، كُلَّ يَومٍ بصورةٍ أَوضَح. وقَبِلْتَ الصَّليبَ، لأنَّكَ لم تَشعُرْ فقط بثِقَلِهِ، بل لأنَّكَ أَدرَكْتَ المـَسؤُوليَّةَ التي فيه. ودَربُ صليبِكَ، يا يسوع، ليسَ فقط دَربًا صاعِدًا، بل هو نزولُكَ إلى مَن أحبَبْتَ، إلى العالَمِ الذي أَحبَّهُ الله. إنَّه جوَابٌ، وتحمُّلُ مسؤوليَّة. وحِملُهُ ثَقِيل، مِثلَ كلِّ الرُّبُطِ الصَّادِقة، ومِثلَ أجمَلِ رُبُطِ الحُبّ. الثِّقَلُ الذي تَحمِلُهُ يَحكِي الدَّافِعَ الذي يَدفَعُكَ، الرُّوحُ ”الذي هُوَ الرَّبُّ المـُحيِي“. مَن يَدرِي لماذا نخافُ حتّى أن نَسأَلَكَ عن هذا؟ في الواقع، نحن يَضِيقُ نَفَسُنا، بقَدْرِ ما نتهَرَّبُ من المسؤولِيَّة. كانَ يَكفِي ألَّا نَهرُبَ وأن نَبقَى: بينَ الذين أعطَيْتَنا إيَّاهم، وفي الأَوضاعِ التي وَضَعْتَنا فيها. فنَرتَبِطُ، وهكذا نَشعُرُ أنَّنا، بهذهِ الطّريقةِ فقط، يُمكِنُنا أن نَكُفَّ عن أن نكونَ سُجَناءَ أنفُسِنا. الأنانيةُ أثقلُ من الصَّليب. واللامبالاةُ أثقلُ من المشاركة. وقد سَبَقَ النَّبي وأنبأ بذلك: "الفِتْيانُ يَتعَبونَ ويُعيَون. والشُّبَّانُ يَعثُرونَ عِثارًا. أَمَّا الرَّاجونَ لِلرَّبّ فيَتَجَدَّدونَ قُوَّةً، يَرتَفِعونَ بِأَجنِحَةٍ كالعِقْبان، يَعْدونَ ولا يُعْيَون، يَسيرونَ ولا يَتعَبون (أشعيا 40، 30–31).

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: خلِّصْنا، مِنَ التَّعَب، يا رَبّ.

 

إذا تلكَّأْنا مُهتَمِّينَ فقط بأَنفُسِنا: خلِّصْنا، مِنَ التَّعَب، يا رَبّ.

إذَا تَوَهَّمْنا أنْ ليسَ لنا القُوَّةُ لِنَبذِلَ أنفُسَنا في سبيلِ غَيرِنا: خلِّصْنا، مِنَ التَّعَب، يا رَبّ.

إذا طَلَبْنا الأَعذارَ لِنَتَهَرَّبَ مِنَ المسؤُولِيَّة: خلِّصْنا، مِنَ التَّعَب، يا رَبّ.

إنْ كانَ لَنَا مَواهِبُ وكَفاءَاتٌ يَجِبُ أن نَستَثمِرَها: خلِّصْنا، مِنَ التَّعَب، يا رَبّ.

إنْ كانَ قَلبُنا ما زالَ يَنتَفِضُ أمامَ الظُّلْم: خلِّصْنا، مِنَ التَّعَب، يا رَبّ.

 

 

المرحلة الثَّالثة: يسوع يَقَعُ تحتَ الصَّليب للمرَّة الأولى

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (10، 13-15)

 

الوَيلُ لَكِ يا كُورَزِين! الوَيلُ لكِ يا بَيتَ صَيدا! فلَو جَرى في صورَ وصَيدا ما جَرى فيكُما مِنَ المُعجِزات، لَأَظهَرتا التَّوبَةَ مِن زَمَنٍ بَعيد، فلَبِستا المُسوحَ وقَعَدتا على الرَّماد. ولكِنَّ صورَ وصَيدا سَيَكونُ مصيرُهما يومَ الدَّينونةِ أَخفَّ وَطأَةً مِن مصيرِكما. وأَنتِ يا كَفَرناحوم، أَتُراكِ تُرفَعينَ إِلى السَّماء؟ سَيُهبَطُ بِكِ إِلى مَثْوى الأَمْوات.

 

كأنَّكَ رأَيْتَ حَدَّ النِّهايَةِ، يا يسوع، فَخَرَجَتْ مِنكَ كَلِماتٌ قاسِيَةٌ لِتَلكَ الأماكِنِ التي كانَتْ عزيزَةً جِدًّا علَيْكَ. بَدا لكَ أنَّ بِذرَةَ كَلِمتِكَ قد وَقَعَتْ في الفَرَاغ، وكذَلِكَ كلُّ أَعمَالِكَ من أجلِ التَّحرِير. كُلُّ نَبِيٍّ شَعَرَ بأنَّهُ وقَعَ في الفَراغِ وَالفَشَل، ثم استَمَرَّ في تَقَدُّمِهِ في طُرُقِ الله. حياتُكَ، يا يسوع، هي مَثَلٌ: أنتَ لا تَقَعُ أبدًا عَبَثًا في أرضِنا. حتِّى في تلكَ المرَّةِ الأولى، سُرعانَ ما تَوَقَّفَتْ الخَيْبَةُ بفَرَحِ تلامِيذِكَ الذين أرسَلْتَهُم: فرَجِعوا إليكَ من رسالتِهِم، وأخبَرُوك بآياتِ ملَكوتِ الله، فابتَهَجْتَ بفَرَحٍ عَفَوِيٍّ مُتًدفِّق، جعَلَ الأقدامَ تَشتَدّ وتهتَزُّ بِقُوَّةٍ مُعْدِيَةٍ. فبارَكْتَ الآبَ الذي أخفَى تَدبِيرَهُ على العُلَمَاءِ وَالأَذكِيَاءِ وكَشَفَهُ لِلصِّغار. دَربُ الصَّلِيبِ أيضًا مَحفُورٌ بعُمقٍ في الأَرْض: الكبارُ يبتعدون عنه، لأنّهم يريدون أن يُمسِكُوا بِالسَّماء. مع أنَّ السماءَ هنا، انخفَضَتْ، ويُمكِنُ بُلُوغُها حتَّى لمـَن يَقَعُ، مع بَقائِه على الأَرض. بناةُ بابِل يقولون لَنَا إنَّه لا يجوزُ أن يَقَعَ الخَطَأُ، ومَن وَقَعَ هَلَك، تلك مواقِعُ الجَحِيم. أمَّا تدبيرُ الله فلا يَقتُلُ أحَدًا، ولا يُبعِدُ أحَدَا، ولا يَسحَقُ أحَدًا. تَدبِيرُ الله متواضِعٌ وأمينٌ للأرض. ودَربُكَ، يا يسوع، هو دَربُ التَّطويبات: لا يُدَمِّر ولا يُهلِك، بل يَزرَعُ ويُنمِي ويُصلِحُ ويَحمِي.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ.

 

للَّذينَ يشعُرون بأنَّهم أَخفَقُوا: لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ.

من أجلِ معارَضةِ اقتصاد يَقتُل: لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ.

من أجل إحياءِ القُوَّةِ في مَن وَقَع: لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ.

من أجل المجتَمعاتِ التَّنَافُسِيَّةِ والذين يَطمَعون في المـَحَلَّاتِ الأُولَى: لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ.

من أجلِ الجاثِمِين علَى الحُدودِ ويَشعُرون أنَّهم بلَغُوا نِهايَةَ رِحلَتِهِم: لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ.

 

 

المرحلة الرَّابعة: يسوع يَلتقي أُمَّهُ الحَزينَة

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (8، 19-21)

 

وجاءَت إِلَيهِ أُمُّه وإِخوَتُه، فلَم يَستَطيعوا الوُصُولَ إِلَيه لِكَثرَةِ الزِّحام. فقيلَ له: «إِنَّ أُمَّكَ وإِخوتَكَ واقِفونَ في خارِجِ الدَّارِ يُريدونَ أَن يَروكَ». فأَجابَهم: «إِنَّ أُمِّي وإِخوَتي هُمُ الَّذينَ يَسمَعونَ كَلِمَةَ اللهِ ويَعمَلونَ بِها».

 

أُمُّكَ هُنا، على دَربِ الصَّليب: هِيَ تِلميذَتُكَ الأُولى. أمُّكَ هنا، بإصرارِها الوالدِيّ، وبِفِكرِها الذي يَحفَظ في القَلْبِ ويتَأمَّل. منذُ اللحظةِ التي طُلِبَ مِنهَا فيها أن تُرَحِّبَ بِكَ في أَحشَائِها، استدَارَتْ وَاهتَدَتْ إليكَ، ووَحَّدَتْ طرِيقَها معَ طَريقِكَ. لم يَكُنْ ذلكَ تَبَدُّلًا فيها، بل كانَ اكتِشافًا مُتَواصِلًا، حتّى الجُلجُلَة: تَبِعَتْكَ أي تَرَكَتْكَ تَذهَبُ. انتَبَهَتْ إليكَ أي أَفسَحَتْ فِي المجالِ لِلجديدِ الذي جِئْتَ به. كلُّ أُمٍّ تَعرِفُ ذلك: الِابنُ يُفاجِئُ. أيُّها الابنُ الحبيب، أنتَ تُدرِكُ أنَّ أُمَّكَ وإخوَتَكَ هم الذين يستَمِعون لكَ ويُغَيِّرُون أنفُسَهُم. إنَّهم لا يَتَكَلَّمُونَ، لكنَّهم يَفعَلُون. في الله، الكلِماتُ هي أَفعَالٌ، والوُعودُ هي وَاقِع: على دَربِ الصَّليبِ، يَا أُمُّ، أنتِ مِنَ القلائلِ الذين يَذكُرُونَ ذَلك. والآن، ابنُكِ هو الذي يَحتَاجُ إلَيكِ: وهُوَ يَشعُرُ أنَّكِ لا تَيأَسِين. إنَّه يَشعُرُ أنَّكِ ما زِلْتِ تَلِدِين الكَلِمَةَ في أحشَائِكِ. نحن أيضًا، يا يَسوع، نَقدِرُ أن نَتبَعَكَ، إذ تَلِدُنا أُمُّكَ التي تَبِعَتْكَ. نحن أيضًا أُرجِعْنا إلى إيمـَانِ أُمِّكَ، وإلى عدَدٍ لا يُحصَى من الشُّهودِ الذين يَلِدُون حتَّى حيث كُلُّ شَيءٍ يَتَكَلَّمُ على المـوْت. في تلكَ المـَرَّة، في الجليل، كانوا هم الذين أرادُوا أن يَرَوْكَ. الآن، وأنتَ صاعِدٌ إلى الجُلجُلَة، أنتَ نفسُكَ تَبحَثُ عن أنظارِ الذين يستَمِعون لكَ ويَحفَظون كَلِمَتَك. إنَّه تَفاهُمٌ بينَكُم لا يُوصَف، وتَحَالُفٌ غيرُ قابِلٍ لِلحَلّ.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

 

مريَم تُصغِي وتَتَكَلَّم: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

مريم تَبحَثُ وتُفَكِّر: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

مريم خَرَجَتْ منَ بَيتِها وحَزَمَتْ أمرَها وسافرَتْ: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

مريم تَفرَحُ وتُعَزِّي: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

مريم تَستَقبِلُ وتَعتَني: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

مريم تُغامِرُ وتَحمِي: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

مريم لا تخافُ الأَحكامَ ولا التَّلميحات: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

مريم تأتي وتَبقَى: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

مريم تُوَجِّهُ وتُرافِقُ: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

مريم لا تُسَلِّمُ شَيئًا لِلمَوْت: هذِهِ هِيَ أُمِّي.

 

 

المرحلة الخامسة: سمعان القَيْرَوانِيّ يُعين يسوع على حَملِ الصَّليب

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (23، 26)

 

وبَينما هم ذاهبونَ بِه، أَمسكوا سِمعان، وهو رَجُلٌ قِيرينيٌّ كانَ آتِيًا مِنَ الرِّيف، فجَعَلوا علَيهِ الصَّليبَ لِيَحمِلَه خَلْفَ يَسوع.

 

لم يَقَدِّمْ نفسَهُ، بل أَوقَفُوه. كانَ سمعان عائِدًا من عَمَلِهِ ووَضعُوا علَيهِ صلِيبَ المحكومِ عليه. ربَّما كانَ جَسَدُهُ ملائِمًا لِذَلك، لكنَّ اتِّجاهَهُ كانَ مختلفًا، وبَرنامَجُهُ مختلفًا. هكذا يُمكِنُ أن نلتَقِيَ الله. مَن يَدرِي، يا يسوع، لماذا صارَ هذا الِاسمُ بسُرعَة – سمعان القَيْرَوانِيّ – لا يُنسَى بينَ تلاميذِكَ. على دَربِ الصَّليبِ تَلاميذُكَ لم يكونوا، ولا نحن، بل كانَ سمعان. وما زالَ هذا يَحدُثُ حتَّى اليوم: شَخصٌ يَكَرِّسُ كلّ ذَاتِه لَكَ، يَمكِنُ أن يكونَ في مَكانٍ آخَر، أو حتّى هاربًا، أو يُمكِنُ أن يكونَ حاضرًا. نحن نؤمن، يا يسوع، ونَذكُرُ اسمَ سمعان لأنَّ هذِهِ المفاجَأَةَ لَهُ غَيَّرَتْهُ إلى الأبد. ولم يكُفَّ بعدَ ذلك عن التَّفكيرِ فيك. صارَ جُزءًا من جسَدِكَ، وشاهِدَ عَيَانٍ أنَّكَ مُختَلِفٌ عن كُلِّ محكومٍ آخَر. وجَدَ سمعانُ القَيْرَوانِيّ نفسَهُ يَحمِلُ صليبَكَ دون أن يَطلُبَ ذلك، حمَلَهُ مِثلَ النِّيرِ الذي ذكَرْتَهُ مرَّةً: "نِيرِي لَطِيفٌ وحِملِي خَفِيفٌ" (متَّى 11، 30). الحيواناتُ أيضًا تَعمَلُ بصُورَةٍ أفضَلَ إذا سارَتْ معًا إلى الأَمَام. وأنتَ، يا يسوع، تُحِبُّ أن تُشرِكَنا في عَمَلِكَ، الذي يَحرُثُ الأرضَ لكي تُزرَعَ من جديد. نحن بحاجة إلى هذه البساطَةِ المـُدهِشَة. نحتاجُ أحيانًا إلى مَن يُوقِفُنا، ويَضَعُ قِطعَةً من الواقِعِ على أكتافِنا، فنَحمِلُها بِبَساطَة. يُمكِنُ أن نعمَلَ كُلَّ النَّهار، لَكِنْ بدونِكَ نحن نُبَدِّدُ. عبثًا يَتعَبُ البنَّاؤُونَ، ويَحرَسُ الحارِسُ، إنْ لم يَبنِ اللهُ المدينة (راجع مزمور 127). إذًا: على دَربِ الصَّليبِ تَقومُ أورشليمُ الجديدة. ونحن، مِثلَ سمعانَ القَيْرَوانِيّ، نُغَيِّرُ طريقَنا ونَعمَلُ مَعَكَ.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: أَوقِفْنا فِي سُرعَتِنا، يا رَبّ.

 

عندما نسيرُ في طرِيقِنا غيرَ مُبَالِين بأَحَد: أَوقِفْنا فِي سُرعَتِنا، يا رَبّ.

عندما لا نُبالِي بِما يَحدُثُ: أَوقِفْنا فِي سُرعَتِنا، يا رَبّ.

عندما يصيرُ النَّاسُ لنا أَرقامًا: أَوقِفْنا فِي سُرعَتِنا، يا رَبّ.

عندما لا نَجِدُ وَقتًا لِلإصغَاء: أَوقِفْنا فِي سُرعَتِنا، يا رَبّ.

عندما نتسَرَّعُ في اتِّخاذِ القَرَار: أَوقِفْنا فِي سُرعَتِنا، يا رَبّ.

عندما لا نَقبَلُ التَّغيِيرَ في بَرامِجِنا: أَوقِفْنا فِي سُرعَتِنا، يا رَبّ.

 

 

المرحلة السَّادسة: فيرونكا تَمسَحُ وَجهَ يَسُوع بالمنديل

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (9، 29-31)

 

وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابُه بِيضًا تَتَلألأُ كَالبَرْق. وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه، وهُما مُوسى وإِيلِيَّا، قد تَراءَيا في المــَجد، وأَخَذا يَتَكَلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم.

 

قراءَةٌ مِن سِفرِ المزامير (مزمور 27، 8-9)

 

فيكَ قالَ قلبي: «اِلتَمِسْ وَجهَه»، وَجهَكَ يا رَبِّ أَلتَمِس. لا تَحجُبْ وَجهَكَ عنِّي.

 

في وَجهِكَ، يا يسُوع، نرَى قلبَكَ. وفي عَينَيْكَ نَقرَأُ قرارَكَ، مَحفُورًا في وَجهِك، ويَملَأُ كَلَّ سِماتِكَ بانتباهٍ فرَيِد. رَأَيْتَ فيرونِكا، كما رأَيْتَني. أنا أَبحَثُ عن وَجهِكَ الذي يَحكِي لنا قَرارَ حُبِّكَ لنا حتّى النَّفَسِ الأخير: وبعدَ ذلك أيضًا، لأنَّ الحُبَّ قَوِيٌّ مِثلُ المـَوْت (راجع نشيد الأناشيد 8، 6). وجهُكَ هُوَ الذي يُغَيِّرُ قَلبَنا، وأوَدُّ أن أحَدِّقَ إلَيهِ وأَحتَفِظَ بِه. إنَّكَ تُعطِينا ذاتَكَ، يومًا بعدَ يَوم، في وَجهِ كلِّ إنسان، ذِكرَى حَيَّةً لِتَجَسُّدِكَ. في كلِّ مرَّةٍ نُولِي انتباهَنا إلى الأصغَرِ فينا، فإنَّا نُولِي انتباهَنا إلى أعضائِك، وأنتَ تَبقَى مَعَنا. هكذا تُنِيرُ قَلبَنا وتَعبِيرَ وَجهِنا. وبدلًا من الرَّفْض، نحن نُرَحِّب. على دَربِ الصَّلِيب، يَصِيرُ وَجهُنا، مِثلَ وَجهِكَ، مُشِعًّا ويَنشُرُ البركة. طَبَعْتَ ذِكراها فينا، إيذَانًا بِعَودتِكَ، إذَّاك ستَعرِفُنا مِنَ النَّظرَةِ الأُولى، واحِدًا واحِدًا. ثمَّ رَبَّما سنَكُونُ مِثلَكَ. وسنَكونُ وَجهًا لِوجْه، في حوارٍ لا نِهايَةَ له، سنَكُونُ عائِلَة الله، في عَلاقَةٍ حَمِيمَة لَن نَكِلَّ منها أبدًا.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: اطبَعْ فِينا ذِكرَاكَ، يا يَسُوع.

 

إذا كانَ وَجهُنا لا يُبالِي بِشَيءٍ: اطبَعْ فِينا ذِكرَاكَ، يا يَسُوع.

إذا كانَ قَلبُنا غَيرَ مُبَالٍ بأَحَد: اطبَعْ فِينا ذِكرَاكَ، يا يَسُوع.

إذا كانَتْ أَعمالُنَا تَبعَثُ على الِانقِسَام: اطبَعْ فِينا ذِكرَاكَ، يا يَسُوع.

إذا كانَتْ خِيارَاتُنا جارِحَة: اطبَعْ فِينا ذِكرَاكَ، يا يَسُوع.

إذا كانَتْ مشارِيعُنَا تَستَثنِي البَعْض: اطبَعْ فِينا ذِكرَاكَ، يا يَسُوع.

 

 

المرحلة السَّابعة: يسوع يَقَعُ تحتَ الصَّليب للمرَّة الثَّانية

 

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (15، 2-6)

 

فكانَ الفِرِّيسِيُّونَ والكَتَبَةُ يَتَذَمَّرونَ فيَقولون: «هذا الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الخاطِئينَ ويَأكُلُ مَعَهم!» فضَرَبَ لَهم هذا المـَثَلَ قال: «أَيُّ امرِئٍ مِنكُم إِذا كانَ لَه مائةُ خروف فأَضاعَ واحِدًا مِنها، لا يَترُكُ التِّسعَةَ والتِّسعينَ في البَرِّيَّة، ويَسْعى إِلى الضَّالِ حتَّى يَجِدَه؟ فإِذا وَجدَه حَمَله على كَتِفَيهِ فَرِحًا، ورجَعَ بِه إِلى البَيت ودَعا الأَصدِقاءَ والجيرانَ وقالَ لَهم: افرَحوا معي، فَقد وَجَدتُ خَروفيَ الضَّالّ.

 

نقَعُ ثمَّ نَقُوم. ونَقَعُ مرَّةً أُخرى ثمَّ نَقُوم. هكذا علَّمْتَنا أن نَفهَمَ، يا يسوع، مغامَرَةَ الحياةِ البشَرِيّة. الإنسَانُ قابِلٌ لِلخَطَإ. نحن لا نَسمَحُ للآلاتِ بأَن تَخطَأ: بل نُرِيدُ منها أن تكونَ دَقِيقَة. أمَّا النَّاسُ، فيَترَدَّدُون، ويُبعِدُون، ويَضِيعُون. ومع ذلك، فهم يَعرِفُونَ الفَرَحَ أيضًا: فَرَحَ البِدايَاتِ الجَديدَة، فرَحَ المِيلادِ الجَدِيد. الإنسَانُ لا يُولَدُ بصُورَةٍ آلِيَّة، بل بِالعَمَلِ وَالسَّعِي: نَحنُ نَوعٌ فَرِيد، مَزِيجٌ مِنَ النِّعمَةِ وَالمـَسؤُوليَّة. يا يسوع، صِرْتَ واحِدًا مِنَّا، ولَم تَخَفْ أن تَعثُرَ وتَقَع. الذين يَشعُرونَ بِالحَرَجِ من أَخطائِهِم، الذين يَتَبَاهَوْنَ بعَدَمِ الخَطَإ، الَّذِين يُخفُونَ سَقَطَاتِهم ولا يَغفِرُونَ سَقَطَاتِ الآخَرِين، يُنكِرُون الطَّريقَ الذي اختَرْتَهُ. أنتَ، يا يسوع، رَبُّ الفَرَح. فيكَ التَقَيْنا وأرجَعْتَنا إلى البَيْت، مِثلَ الخَرُوفِ الواحِدِ الضَّالّ. الاقتصادُ الذي نعيشُ فيهِ اقتصادٌ غيرُ إنسانِيّ، لأنَّ قيمةَ التِّسعةِ والتِّسعِين فيه هي أكثرُ وأهَمُّ من الواحِدِ الضّالّ. ومع ذلك، بَنَيْنَا عالَمًا يَرَى ويَعمَلُ هكذا. هو عالَمٌ من الحساباتِ والخَوارِزمِيَّات، عالَمٌ من المـَنطِقِ البارِدِ وَالمـَصالِحِ الَّتي لا تَرحَم. أمَّا قانونُ بيتِكَ يا رَبّ، تَدبيرُكَ الإلَهِيّ، فهُوَ شَيْءٌ آخَر. فَالِالتِجاءُ إليك، أنتَ الذي تَقَعُ وتَقُوم، يَعنِي تَغيِيرَ وِجهَتِنا ومَفَاهيمِنا ومَسَارِنا. إنَّه تَغيِيرٌ يُعِيدُ إلينا الفَرَح، ويَعودُ بِنا إلى البَيْت.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: أنهِضْنا، يا رَبّ، يا خَلاصَنا.

 

نحن أطفالٌ يَبكُون أحيَانًا: أنهِضْنا، يا رَبّ، يا خَلاصَنا.

نحن مُرِاهِقون نَشعُرُ بأنَّنا لَسْنا في أَمَان: أنهِضْنا، يا رَبّ، يا خَلاصَنا.

نحن شبابٌ، وكثيرٌ من البالِغينَ يَستَخِفُّون بنا: أنهِضْنا، يا رَبّ، يا خَلاصَنا.

نحن بالِغون أخطَأْنا: أنهِضْنا، يا رَبّ، يا خَلاصَنا.

نحن كِبارٌ تقَدَّمْنا في العُمْر، وما زالَتْ لنا أَحلَام: أنهِضْنا، يا رَبّ، يا خَلاصَنا.

 

 

المرحلة الثَّامنة: يسوع يَلتَقِي نِساءَ أورشليم

 

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (23، 27-31)

 

وتَبِعَه جَمعٌ كثيرٌ مِنَ الشَّعب، ومِن نِساءٍ كُنَّ يَضرِبنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيه. فالتَفَتَ يَسوعُ إِليهِنَّ فقال: «يا بَناتِ أُورَشَليمَ، لا تَبكِينَ عَليَّ، بلِ ابكِينَ على أَنفُسِكُنَّ وعلى أَولادِكُنَّ. فها هي ذي أَيَّامٌ تَأتي يقولُ النَّاسُ فيها: طوبى للعواقِرِ والبُطونِ الَّتي لم تَلِدْ، والثُّدِيِّ الَّتي لم تُرضِعْ. وعِندَئِذٍ يأخُذُ النَّاسُ يَقولونَ لِلجِبال: أُسقُطي علَينا، ولِلتِّلالِ: غَطِّينا. فإِذا كانَ يُفعَلُ ذلك بِالشَّجَرَةِ الخَضْراء، فأَيًّا يَكونُ مَصيرُ الشَّجَرَةِ اليابِسة؟».

 

في النِّسَاءِ، يا يسوع، رَأَيْتَ دائِمًا تَوَافُقًا خاصًّا مع قلبِ الله. ولهذا السَّبَب، معَ العدَدِ الكبيرِ من الأَشخاصِ الذين غَيَّرُوا اتِّجاهَهم في ذلك اليَومِ وتَبِعُوكَ، رَأَيْتَ النِّساءَ على الفَوْر، ومَرَّةً أخرى، انتَبَهْتَ إليهِنَّ انتِباهًا خاصًّا. تَختَلِفُ المـَدينَةُ عندما يُحمَلُ سُكَّانُها في الأحشَاء، وعَندَما يُرضَعُ أَطفالُها: بِاختِصار، لا يُعرَفُ فقط مَن هُوَ المالِك، بل تُختَبَرُ الأُمورُ مِنَ الدَّاخِل. النِّساءُ اللواتي يَقُمْنَ بِواجِبِهِنَّ، واجِبِ الرَّحمَةِ، لَمَسْتَ قلوبَهُنَّ. وفي الواقع، في القَلبِ ترتَبِطُ الأحداثُ وتُولَدُ الأفكارُ وَالقرارَات. "لا تَبكِينَ عَليَّ". قَلبُ الله يَخفُقُ من أجلِ شَعبِهِ، ويَلِدُ مَدينَةً جَدِيدَة: "ابكِينَ على أَنفُسِكُنَّ وعلى أَولادِكُنَّ". هناكَ بُكاءٌ يُولَدُ فيهِ كُلُّ شَيءٍ من جَدِيد. ومع ذلك، نحن بِحَاجَةٍ إلى دمُوعٍ تُفَكِّرُ وتُعيدُ الفِكر، لا نَخجَلُ منها، دُموعِ لا تُحبَسُ في الفَرْد. عَيشُنا معًا جَرِيحٌ، يا رَبّ، في هذا العالَمِ المـُمَزِّقِ قِطَعًا. إنِّه يحتاجُ إلى دُموعٍ صَادِقَة، لا إلى دموعِ مجامَلَة. وإلَّا تحقَّقَ ما تَنَبَّأَ بهِ الرّاؤُون: لَن نَلِدَ شَيئًا وكلُّ شَيءٍ يَنهَار. أمَّا الإيمانُ فَيُحَرِّكُ الجبال. الجِبالُ والتِّلالُ لا تَسقُطُ علينا، بل يَنفَتِحُ بينَها طَريق. إنَّه طَرِيقُكَ، يا يسوع: طَريقٌ صاعِد، تَرَكَكَ الرُّسُل فيه، لكنْ تِلمِيذَاتُكَ، أُمَّهاتُ الكَنيسَة، تَبِعْنَكَ.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: يا يسوع، أعطِنا قَلبًا مِثلَ قَلبِ الأُمّ.

 

إنَّكَ مَلَأْتَ الكَنيسَةَ بِالنِّساءِ القِدِّيسَات: يا يسوع، أعطِنا قَلبًا مِثلَ قَلبِ الأُمّ.

إنَّك نَدَّدْتَ بِالِاستبدَادِ وَالتَّسَلُّط: يا يسوع، أعطِنا قَلبًا مِثلَ قَلبِ الأُمّ.

إنَّك جمَعْتَ وعَزَّيْتَ دُموعَ الأُمَّهات: يا يسوع، أعطِنا قَلبًا مِثلَ قَلبِ الأُمّ.

إنَّكَ وَكَلْتَ إلى النِّساءِ بُشرَى القِيامَة: يا يسوع، أعطِنا قَلبًا مِثلَ قَلبِ الأُمّ.

إنَّكَ أَقَمْتَ في الكَنيسَةِ مَوَاهِبَ وَمَشاعِرَ جَديدَة: يا يسوع، أعطِنا قَلبًا مِثلَ قَلبِ الأُمّ.

 

 

المرحلة التَّاسعة: يسوع يَقَعُ تحتَ الصَّليب للمرَّة الثَّالثة

 

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (7، 44-49)

 

ثُمَّ التَفَتَ [يسوع] إِلى المـَرأَةِ وقالَ لِسِمعان: «أَتَرى هذهِ المـَرأَة؟ إِنِّي دَخَلتُ بَيتَكَ فما سَكَبتَ على قَدَمَيَّ ماءً. وأَمَّا هِيَ فَبِالدُّموعِ بَلَّت قَدَمَيَّ وبِشَعرِها مَسَحَتهُما. أَنتَ ما قَبَّلتَني قُبلَةً، وأَمَّا هي فلَم تَكُفَّ مُذ دَخَلَت عَن تَقبيلِ قَدَمَيَّ. أَنتَ ما دَهَنتَ رأسي بِزَيتٍ مُعَطَّر، أَمَّا هِيَ فَبِالطِّيبِ دَهَنَتْ قَدَمَيَّ. فإِذا قُلتُ لَكَ إِنَّ خَطاياها الكَثيرَةَ غُفِرَت لَها، فلِأَنَّها أَظهَرَت حُبًّا كثيرًا. وأَمَّا الَّذي يُغفَرُ له القَليل، فإِنَّه يُظهِرُ حُبًّا قَليلًا»، ثُمَّ قالَ لَها: «غُفِرَت لَكِ خَطاياكِ». فأَخَذَ جُلَساؤُه على الطَّعامِ يَقولونَ في أَنفُسِهم: «مَن هذا حَتَّى يَغفِرَ الخَطايا؟».

 

لا مرَّةً ولا مرَّتَيْن، يا يسوع: بل تقَعُ مرَّةً أُخرَى. كُنْتَ تقَعُ لمـَّا كُنتَ طِفلًا، مِثلَ كُلِّ طِفل. هكذا فَهِمْتَ وقَبِلْتَ إنسانيَّتَنا التي تَقَعُ وتَقَعُ من جديد. إنْ كانَتْ الخطِيئَةُ تُبعِدُنا، فَكَونُكَ أنتَ بِلا خَطِيئَة يُقَرِّبُكَ مِن كُلِّ خاطِئ، وتصيرُ واحدًا معَنا في وَقَعَاتِنا بصورَةٍ ثابِتَة. وهذا يَحمِلُنا عَلى التَّوبةِ. وهذا أيضًا عَثْرَةٌ للذِين يَنْأَوْنَ بأَنفُسِهِم عَن الآخَرِين وعن أَنفُسِهم. عَثْرَةٌ للَّذِين يَحيَوْنَ حياةً مُزدَوِجَة، بينَ ما ينبغي أن يكونوا وبينَ ما هُم في الواقع. بِرَحمَتِكَ، يا يسوع، تَسقُطُ كلُّ مراءَاة. الأقنِعَةُ والواجِهاتُ الجميلة، لا حاجَةَ لَها بَعدُ. الله يرَى القَلْب. يُحِبُّ القَلْب. وَيَبعَثُ الدِّفْءَ في القَلْب. وهكَذا تُنهِضُني وتُسَيِّرُني في طُرُقٍ لم أَسلُكْها قَط، طُرُقِ جُرأَةٍ وسَخَاء. مَن أنتَ، يا يسوع، الذي تَغفِرُ الخطايا أيضًا؟ وَقَعْتَ مِن جَديدٍ على الأَرْض، في دَربِ الصَّلِيب، أَنتَ مُخَلِّصُ أَرضِنا هَذِه. نحن لا نَسكُنُها فقط، بل نحن مَجبُولُونَ بتُرابِها. وأَنتَ، واقِعٌ علَى الأرض، لا تَزالُ تَجبِلُنا، مِثلَ الخَزَّافِ المـَاهِر.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: إنَّنا خَزَفٌ بينَ يَدَيْكَ.

 

عندما يَبدُو أنَّه لا يُمكِنُ أَن نُغَيِّرَ الأَوضَاع: ذكِّرْنا أنَّنا خَزَفٌ بينَ يَدَيْكَ.

عندما لا نَرَى نِهَايَةَ الصِّراعاتِ: ذكِّرْنا أنَّنا خَزَفٌ بينَ يَدَيْكَ.

عندما تُوَهِّمُنا التِّكنولوجيا بأنَّنا نَقدِرُ كُلَّ شَيء: ذكِّرْنا أنَّنا خَزَفٌ بينَ يَدَيْكَ.

عندما يُبعِدُنا النَّجاحُ عن واقِعِ الأَرض: ذكِّرْنا أنَّنا خَزَفٌ بينَ يَدَيْكَ.

عندما تَهُمُّنا الظَّواهِرُ أكثرَ مِنَ القَلب: ذكِّرْنا أنَّنا خَزَفٌ بينَ يَدَيْكَ.

 

 

المرحلة العاشرة: يسوع يُعَرَّى من ثِيابِهِ

 

قراءةٌ مِن سِفرِ أيوب (1، 20-22)

 

فقامَ أَيُّوبُ وشَقَّ رِداءَه وحَلَقَ شَعرَ رَأسِه وارتَمى إِلى الأَرضِ وسَجَدَ، وقال: «عُرْيانًا خَرَجتُ مِن جَوفِ أُمّي، وعُرْيانًا أَعودُ إِلَيه. الرَّبُّ أَعْطى والرَّبُّ أَخَذَ، فلْيَكُنِ اسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا». في هذا كُلِّه لم يَخطَأْ أَيُّوب ولم يَقُلْ في اللهِ غَباوَة.

 

أنتَ لا تَخلَعُ ثِيَابَكَ، بل جَرَّدُوكَ منها. وَالفَرقُ واضِحٌ لَنا جميعًا، يا يسوع. الَّذي يُحِبُّنا فقط هو الذي يَقدِرُ أن يَقبَلَ عُريَنا بين يدَيْه وفي عَينَيْهِ. لكنَّا نخافُ نَظَراتِ الذي لا يَعرِفُنا، وَلا يَعرِفُ إلَّا أن يَتَسَلَّطَ علَيْنا. أنتَ جَرَّدوكَ من ثِيَابِكَ أمامَ الجميع، لكِنَّكَ أنتَ تُحَوِّلُ حتَّى المــَذَلّةَ إلى أُلفَة. تُريدُ أن تُظهِرَ نفسَكَ صَدِيقًا حتَّى للَّذِين يُدَمِّرونَكَ، وتَنظُرُ إلى الَّذين يُجَرِّدونَكَ وتَرَى فيهم أشخاصًا أحِبّاءَ أعطاكَ إياهم الآب. هذا أكثَرُ من صَبرِ أيوب، بل أكثَرُ مِن إيمانِهِ. هذا العَرِيس الذي يَسمَحُ لهم بأن يَلمِسُوهُ ويُحَوّلُ كلَّ شَيءٍ إلى الخَيْرِ. تَترُكُ لنا ثيابَكَ ذَخائِرَ حُبٍّ شامِل. إنَّها في أَيدِينا، لأنَّكَ كُنْتَ عندَنا، كُنْتَ معَنا. وَاحتَفَظْنا بثِيابِكَ، والآن نُلقِي علَيْها القُرعَة، لكِنَّ النَّصيبَ هنا ليسَ لِواحِد، بل للجَميع. أنتَ تَعرِفُنا واحِدًا واحِدًا، لِتُخَلِّصَنا جميعًا، جميعًا، جميعًا. وإن كانَتْ الكنيسةُ تَبدُو لكَ اليومَ مِثلَ ثَوبٍ مُمـَزَّق، عَلِّمْنا أن نَنسِجَ من جديدٍ أُخُوَّتَنا المـَبنِيَّةَ على عَطَائِكَ. نَحنُ جَسَدُكَ، وثَوبُكَ الذي لا يَتَجَزَّأ، نحنُ عَروسُكَ. كلُّنا معًا. وقَعَ النَّصيبُ لنا على أماكِنِ نَعِيمٍ، وهي لنا مِيرَاثٌ جَليل (راجع مزمور 16، 6).

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: أَعطِ كَنيسَتَكَ الوَحدَةَ وَالسَّلَام.

 

أيُّها الرَّبُّ يسوعُ إنَّك تَرى تلامِيذَكَ مُنقَسِمِين: أَعطِ كَنيسَتَكَ الوَحدَةَ وَالسَّلَام.

أيُّها الرَّبُّ يسوعُ إنَّكَ تَحمِلُ جِراحاتِ تارِيخِنا: أَعطِ كَنيسَتَكَ الوَحدَةَ وَالسَّلَام.

أيُّها الرَّبُّ يسوعُ إنَّكَ تَعرِفَ ضُعفَ حُبِّنا: أَعطِ كَنيسَتَكَ الوَحدَةَ وَالسَّلَام.

أيُّها الرَّبُّ يسوعُ إنَّكَ تُريدُ أن نَكونَ أعضاءً لِجسدِكَ: أَعطِ كَنيسَتَكَ الوَحدَةَ وَالسَّلَام.

أيُّها الرَّبُّ يسوعُ إنَّكَ لَبِسْتَ رِداءَ الرَّحمَة: أَعطِ كَنيسَتَكَ الوَحدَةَ وَالسَّلَام.

 

 

المرحلة الحاديةَ عَشْرَة: يسوع يُسَمَّرُ على الصَّليب

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (23، 32-34)

 

ولمَّا وَصَلوا إِلى المَكانِ المَعروفِ بالجُمجُمة، صَلَبوهُ فيهِ والمُجرِمَيْن، أَحَدُهما عنِ اليَمينِ والآخَرُ عَنِ الشِّمال. فقالَ يسوع: «يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون».

 

لا شَيْءَ يُخِيفُنا أكثَرَ من الجمود. وأنتَ مُسَمَّرٌ، مَشلُولٌ، مَمنُوعُ الحَرَكَة. أنتَ كذَلِكَ مع آخَرِين: لَسْتَ أبَدًا وحدَكَ. أنتَ صاحِبُ القَرار، حتَّى على الصَّلِيب، أنتَ تُظهِرَ نَفسَكَ الله معَنا. الوَحْيُ لا يتَوَقَّفُ، ولا يُسَمَّرُ. أنتَ، يا يسوع، تُبَيِّنُ لنا في كلِّ الظُّروفِ أنَّه يَجِبَ أن نَختَار. هَذِهِ هي قِمَّةُ الحُرِّيَّةِ المــُذهِلَة. حتَّى على الصَّلِيبِ لا أَحَدَ يَقدِرُ أن يَمنَعَكَ: أنتَ تُقَرِّرُ مِن أجلِ مَن أنتَ هناك. وَانتَبَهْتَ لِكلا المـَصلوبَيْنِ معَك: وتَرَكْتَ إهَاناتِ أَحَدِهما تَمُرّ، ورَحَّبْتَ بِابتِهالِ الآخَر. وَانتَبَهْتَ إلى الذين يَصلِبُونَكَ، وعَرَفْتَ أن تَقرَأَ قَلبَ الذي لا يَعرِفُ ماذَا يَعمَلُ. وَانتَبَهْتَ إلى السَّماء: وَدَدْتَ لَو كانَت أكثَرَ صَفاءً، لكنَّكَ مَزَّقْتَ حاجِزَ الظُّلُماتِ بِنُورِ الشَّفاعة. أنتَ مُسَمَّرٌ، وتَشفَعُ: إنكَ تَضَعُ نَفسَكَ بينَ الطَّرفَيْنِ، بَينَ الأَضْدَاد. وتَحمِلُهم إلى الله، لأنَّ صليبَكَ يَهدِمُ الجُدران، ويَمحُو الدُّيُون، ويُلغِي الأَحكَام، ويُقِيمَ المــُصالَحَة. أنتَ اليُوبِيلُ الحقِيقِيّ. رُدَّنا إلَيْك، يا يسوع، أَنتَ، ولَوْ مُسَمَّرًا، تَقدِرُ كُلَّ شَيْء.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: عَلِّمْنا أَن نُحِبّ.

 

عندَما نكونُ أقوِيَاء، وعندَما يَبدُو لَنا أَنْ لَم تَبقَ فينا أيَّةُ قُوّة: عَلِّمْنا أَن نُحِبّ.

عندَما تُقَيِّدُنا القوانينُ وَالقراراتُ الظَّالِمَة: عَلِّمْنا أَن نُحِبّ.

عندَما يُعارِضُنا مَن لا يُريدُ الحقِيقَةَ وَالعَدْلَ: عَلِّمْنا أَن نُحِبّ.

عندَما نَقرُبُ مِنَ اليَأْس: عَلِّمْنا أَن نُحِبّ.

عندَما يقولون: ”لا يُمكِنُ أن نَعمَلَ شَيْئًا بَعد“: عَلِّمْنا أَن نُحِبّ.

 

 

المرحلة الثَّانِيَةَ عَشْرَة: يسوع يَمُوتُ على الصَّليب

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (23، 45-49)

 

الشَّمسُ قدِ احتَجَبَت. وانشَقَّ حِجابُ المــَقدِسِ مِنَ الوَسَط. فصاحَ يسوعُ بِأَعلى صَوتِه قال: «يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!» قالَ هذا ولَفَظَ الرُّوح. فَلَمَّا رأَى قائِدُ المائَةِ ما حَدَثَ، مَجَّدَ اللهَ وقال: «حَقًّا هذا الرَّجُلُ كانَ بارًّا!» وكذلِكَ الجَماهيرُ الَّتي احتَشَدَت، لِترى ذلكَ المَشهَد فعايَنَت ما حَدَث، رَجَعَت جَميعًا وهي تَقرَعُ الصُّدور. ووَقَفَ عن بُعدٍ جميعُ أَصدِقائِه والنِّسوَةُ اللَّواتي تَبِعنَهُ مِنَ الجَليل، وكانوا يَنظُرونَ إِلى تِلكَ الأُمور.

 

أين نحن من الجلجلة؟ هل نحن تحت الصَّليب؟ أم بَعِيدِين بعضَ الشَّيء؟ أم بَعِيدِين؟ أو ربما، مثل الرُّسل، لم نعد هنا. أنت تتَنَفَّس، النَّفَسَ الأخيرَ والأَوَّل، يَطلُب مِنَّا فقط أن نَقبَلَهُ. أيُّها الرَّبّ يسوع، وجِّهْ طُرُقَنا نحوَ عَطِيَّتِكَ. لا تَسمَحْ بأن يَذهَبَ نَفَسُ حياتِكَ في الفَضاءِ سُدًى. ظلامُنا يَبحَثُ عن النُّور. مَعابِدُنا تُرِيدَ أن تَظَلَّ مفتوحَةً دائمًا. الآن لم يَعُدْ المــَقدِسُ وراءَ الحِجَاب: صارَ سِرُّهُ مَكشُوفًا لِلجَميع. فَهِمَ الجُندِيَّ ذلِك، رأَى عَن كَثَبٍ كيفَ كانَ مَوتُكَ، فعَرَفَ نوعًا جديدًا من القُوَّة. وفَهِمَ ذلك الجمهورُ الذي صَرَخَ ضِدَّكَ قَبلَ قلَيل: كانَ بَعيدًا، ثمَّ وَجَدَ نفسَهُ أمامَ مَشهَدِ حُبٍّ لم يَرَهُ مِن قَبل، وَأَمامَ جَمالٍ جَعَلَهُ يُؤمِنُ مرَّةً أُخرَى. مَــن يُشاهِدُكَ تموتُ، يا رَبّ، إنَّكَ تُعطِيهِ الوَقتَ لِيَعُودَ تائِبًا يَضرِبُ صَدرَهُ: يَضرِبُ قَلبَهُ فتَتَحَطَّمُ صَلابَتُهُ. ونحنُ، يا يسوع، الذينَ نَنظُرُ إليكَ مرارًا مِن بَعِيد، امنَحْنا أن نَحيَا في ذِكرَاك، حتَّى يَجِدَنا المـَوتُ نَفسُهُ أحيَاءً، عندَما تأتي.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: تَعالَ، أَيُّها الرُّوحُ القُدُس.

 

مَكَثْنا بَعِيدِينَ عَن جِراحِ الرَّبّ: تَعالَ، أَيُّها الرُّوحُ القُدُس.

لمــَّا رَأَيْنا أخانا وَاقِعًا، أَدَرْنا وَجهَنا إلى الجِهَةِ الأُخرَى: تَعالَ، أَيُّها الرُّوحُ القُدُس.

يَبدُو أَنَّ الرُّحَماءَ وَالفُقَراءَ بِالرُّوحِ هُم مِنَ الخاسِرِين: تَعالَ، أَيُّها الرُّوحُ القُدُس.

المـُؤمِنونَ وغَيرُ المـُؤمِنينَ يَقِفُونَ أمامَ المـَصلُوب: تَعالَ، أَيُّها الرُّوحُ القُدُس.

العالَمُ كُلُّهُ يَبحَثُ عَن بِدايَةٍ جَدِيدَة: تَعالَ، أَيُّها الرُّوحُ القُدُس.

 

 

المرحلة الثَّالِثَةَ عَشْرَة: يسوع يُنزَلُ عَنِ الصَّلِيب

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (23، 50-53)

 

وجاءَ رَجُلٌ اسمُه يوسُف، وهو عُضْوٌ في المَجلِس، وامرُؤٌ صالِحٌ بارٌّ لم يُوافِقْهم على قَصْدِهِم ولا عَمَلِهم، وكانَ مِنَ الرَّامَة وهي مَدينةٌ لِليَهود، وكانَ يَنتَظِرُ مَلَكوتَ الله، فذَهَبَ إِلى بيلاطُس وطلَبَ جُثْمانَ يسوع. ثُمَّ أَنزَلَه عنَ الصَّليبِ.

 

جَسَدُكَ أخِيرًا يَستَقِرُّ بينَ يدَيْ رَجُلٍ صالحٍ بارّ. أنتَ في رُقادِ المـَوْت، يا يسوع، لكنَّ الذي تَوَلَّى أمرَك هو قَلبٌ حَيٌّ قرَّرَ وَاختَار. لم يَكُنْ يوسف مِنَ الذين يقولون ولا يَفعَلون. يَقولُ الإنجيل: "لم يُوافِقْهم على قَصْدِهِم ولا عَمَلِهم". وهذَا خَبَرٌ سَارّ: إنَّهُ يُعانِقُكَ، يا يسوع، ولا يَعانِقُ الرَّأْيَ العَامّ. اهتَّمّ بِكَ إنسَانٌ يَعرِفُ أَن يتَحَمَّلَ مَسؤُولِيَّاتِهِ. أنتَ في مَكَانِكَ، يا يسوع، في حِضنِ يوسُف الذي مِنَ الرَّامة، الذي "كانَ يَنتَظِرُ مَلَكوتَ الله". أنتَ في مكانِكَ اليَومَ بَينَ الذين ما زالوا يَرجُونَ، بينَ الذين لم يَستَسلِمُوا وَلا يُفَكِّرُون أنَّ الظُّلمَ أَمرٌ مَحتُومٌ لا مَفَرَّ مِنهُ. أَنتَ تُحَطِّمُ قُيودَ المــَحتُوم، يا يسوع. إنَّكَ تُحَطِّمُ الآلِيَّاتِ التي تُدَمِّرُ البَيتَ المــُشتَرَكَ وَالأُخُوَّة. وَالذين يَنتَظِرون مَلَكُوتَكَ، أَنتَ تَمنَحُهُم الشَّجاعَةَ لِيَذهَبُوا إلى أَصحَابِ السُّلطان: مِثلَ مُوسَى أمامَ فِرعَون، ومِثلَ يوسف الرِّامِيّ أمامَ بيلاطس. أنتَ تُؤَهِّلُنا لِتَحَمُّلِ مَسؤُولِيَّاتٍ كَبِيرَة، وتَمنَحُنا الجُرأَة. أَنتَ مَيْتٌ ومَا زِلْتَ تَملِك. ولنا نحن، يا يسوع، أَن نَخدِمَكَ هُوَ أَن نَملِك.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: أَن نَخدِمَكَ هُوَ أَن نَملِك.

 

إذا أطعَمْنا الجائِعِين: أَن نَخدِمَكَ هُوَ أَن نَملِك.

إذا أَسقَيْنا العَطشانِين: أَن نَخدِمَكَ هُوَ أَن نَملِك.

إذا أَلبَسْنا العُريان: أَن نَخدِمَكَ هُوَ أَن نَملِك.                                         

إذا استَضَفْنا الغُرَباء: أَن نَخدِمَكَ هُوَ أَن نَملِك.

إذا زُرْنا المـَرضَى: أَن نَخدِمَكَ هُوَ أَن نَملِك.

إذا زُرْنا المـَساجِين: أَن نَخدِمَكَ هُوَ أَن نَملِك.

إذا دَفَنَّا المـَوتَى: أَن نَخدِمَكَ هُوَ أَن نَملِك.

 

 

المرحلة الرَّابِعَةَ عَشْرَة: يسوع يُدفَنُ في القَبْر

 

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (23، 53-56)

 

ولَفَّ [يوسفُ الرِّامِيّ يسوعَ] في كَتَّان، ووَضَعَهُ في قَبرٍ حُفِرَ في الصَّخرِ لم يَكُنْ قد وُضِعَ فيهِ أَحَد. وكانَ اليَومُ يَومَ التَّهْيِئَة وقد بَدَت أَضواءُ السَّبْت. وكانَ النِّسوَةُ اللَّواتي جِئنَ مِنَ الجَليلِ مَعَ يسوع يَتبَعنَ يوسُف، فأَبصَرنَ القَبْرَ وكَيفَ وُضِعَ فيهِ جُثمانُه. ثُمَّ رَجَعنَ وأَعدَدنَ طِيبًا وحَنوطًا، واستَرَحنَ راحةَ السَّبْتِ على ما تَقْضي بِه الوَصِيَّة.

 

في نِظَامٍ لا يَتَوَقَّفُ أبَدًا، يا يسوع، أَنتَ تَحيَا في يَومِ السَّبْت. وَالنِّساءُ أيضًا يَحيَوْن في هَذا السَّبْت، والأَطيَابُ والعُطورٌ تُنبِئُ منذُ الآنِ بالقِيامَة. عَلِّمْنا ألَّا نَعمَلَ شَيئًا، عندَما يُطلَبُ مِنَّا فقَط أَن نَنتَظِرَ. عَلِّمْنا أن نَنسَجِمَ معَ أوقاتِ الأَرض، وليسَ معَ أوقاتٍ مُصطَنَعَة. يا يسوع، وُضِعْتَ في القبر، فشَارَكْتَنا في حالَةِ النَّاسِ العامَّة التي تُوَحِّدُنا جمِيعًا، ووَصَلْتَ إلى الهاوِيَةِ التي تُرعِبُنا. انظُرْ كيفَ نَهرُبُ منها، فنُكثِرُ مِن نشَاطاتِنا. وكثِيرًا ما نَدورُ في الفَرَاغ، لكِنْ يومُ السَّبْت يُشرِقُ علَيْنا بِنُورِهِ: فهو يُهَذِّبُنا ويَطلُبُ منّا الرَّاحَة. الحيَاةُ الإلَهِيَّة، والحياةُ على قِياسِ الإنسَان، التي تَعرِفُ سلامَ السَّبْت. قالَ النبِيُّ مِيخَا: "ويُقيمُ كُلُّ واحِدٍ تَحتَ كَرمَتِه، وتَحتَ تينَتِه ولا أَحَدَ يُقلِقُه" (ميخا 4، 4). ورَدَّدَ كَلامَه النَّبِيُّ زكريا: "في ذلك اليَوم، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، يَدْعو كُلُّ واحِدٍ قَريبَه إِلى تَحتِ الكَرمَةِ وإِلى تَحتِ التِّينة" (زكريا 3، 10). يا يسوع، تَبدُو كأَنَّكَ نائِمٌ في عالَمِنا الذي تَهُزُّهُ العاصِفَة، أَدخِلْنا جمِيعًا في سلامِ السَّبْت، فتَظهَرَ لنا الخَلِيقَةُ كُلُّها بكُلِّ جَمالِهَا وصَلاحِهَا، تَسِيرُ نَحوَ القيامة. وسَيَكُونُ سلامٌ لِشَعبِكَ ولِجَمِيعِ الشُّعُوبِ.

 

لِنُصَلِّ وَلْنَقُلْ: لِيَأْتِ سَلامُكَ.

 

في الأَرضِ والهَوَاءِ وَالماء: لِيَأْتِ سَلامُكَ.

للأبرارِ وَالأشرارِ: لِيَأْتِ سَلامُكَ.

للَّذِين لا يَراهُمُ النَّاسُ وَلا صَوتَ لهم: لِيَأْتِ سَلامُكَ.

لِلَّذين لا سُلطَةَ لَهُم وَلا مَال: لِيَأْتِ سَلامُكَ.

لِلَّذين يَنتَظِرُون ثَمَرًا صالِحًا: لِيَأْتِ سَلامُكَ.

 

 

صلاة ختاميَّة

 

أَنشَدَ القدِّيس فرنسيس الأسيزي: ”كُنْ مُسبَّحًا يا رَبِّي، وذَكَّرَنا بهذا النَّشيدِ الجَميِل بأَنَّ بَيتَنا المــُشتَرَكَ، الأَرضَ، هِيَ أيضًا مِثلَ أُختٍ لنا [...]. وهذِهِ الأُختُ تَحتَجُّ على الإسَاءَةِ التي نُسَبِّبُها لها“ (راجع رسالة بابويّة عامّة، كُنْ مُسَبَّحًا، 1-2).

 

وكتبَ القدِّيس فرنسيس أيضًا: "”كلُّنا إخوَة - Fratelli tutti“ مخاطِبًا جميعَ الإخوَةِ والأَخَواتِ ومَقتَرِحًا عليهم طريقةَ حياةٍ بحَسَبِ الإنجيل" (رسالة بابويّة عامّة،كلُّنا إخوَة - Fratelli tutti، 1). وقال القدِّيس بولسمشيرًا إلى المسيح: ”لقد أحَبَّنا، وأرادَ أن يَجعَلَنا نَكتَشِفُ أنَّ لا شيءَ يَقدِرُ أنْ يَفصِلَنا عَن هَذِهِ المــَحَبَّة“ (راجع رسالة بابويّة عامّة، لقد أحَبَّنا، 1).

 

سِرْنا في دَربِ الصَّليب، وتأَمَّلْنا في الحُبِّ الذي لا يَقدِرُ شَيءٌ أن يَفصِلَنا عنه. والآن، بينَما المــَلِكُ في رُقَاد، وقد حَلَّ صَمْتٌ كَبيرٌ على الأَرضِ كُلِّها، نَجعَلُ كَلِماتِ القدِّيس فرنسيس كَلِماتنا، ونَطلُبُ هِبَةَ ارتِدادِ القَلْب.

 

أيُّها الإلَهُ العَلِيُّ المـُمَجَّد،

أَضِئْ ظُلُماتِ قَلبِي.

أعطِني إيمانًا قَوِيمًا،

ورَجَاءً مَتِينًا،

ومحَبَّةً كامِلَةً

وتَواضُعًا عَمِيقًا.

أعطِني رَبِّي الحِكمَةَ وَالتَّميِيز

لِأُتَمِّمَ مَشِيئَتَكَ الحَقيقِيَّةَ المـُقَدَّسَة. آمين.