موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
نحتفل اليوم مع الكنيسة بأسرها بعيد جميع القديسين، فنتذكّر هكذا، ليس الذين تمّ إعلان قداستهم عبر التاريخ وحسب، وإنما أيضًا العديد من إخوتنا الذين عاشوا حياتهم المسيحيّة في ملء الإيمان والمحبّة من خلال حياة بسيطة وخفيّة.
نحتفل اليوم إذًا بعيد القداسة. تلك القداسة التي، أحيانًا، لا تظهر في الأعمال الكبيرة أو النجاحات العظيمة وإنما تعرف أن تعيش متطلبات المعموديّة يوميًّا وبأمانة. قداسة تقوم على محبّة الله والإخوة. محبّة أمينة حتى نسيان الذات وبذل الذات بالكامل في سبيل الآخرين، كحياة تلك الأمهات وهؤلاء الآباء الذين يضحّون بأنفسهم في سبيل عائلاتهم ويتخلون بإرادتهم عن العديد من الأمور والمشاريع والبرامج الشخصيّة.
ولكن إن كان هناك ما يميّز القديسين فذلك بأنهم سعداء حقًّا. لقد اكتشفوا سرّ السعادة الحقيقيّة التي تسكن في عمق النفس وتنبع من محبّة الله. لذلك يُدعى القديسون طوباويين. فالتطويبات هي حياتهم وهدفهم ووطنهم. التطويبات هي درب الحياة التي يدلّنا إليها الرب لكي نتمكّن من إتباع خطواته.
التطويبات تعكس ملامح المسيح وبالتالي ملامح المسيحي أيضًا. ومن بينها أريد أن أسلِّط الضوء على واحدة: "طوبى للودعاء". يقول يسوع عن نفسه: "تَتَلمَذوا لي فإِنِّي وَديعٌ مُتواضِعُ القَلب". هذه هي صورة يسوع الروحيّة وتُظهر لنا غنى محبّته. الوداعة هي أسلوب عيش يقرِّبنا من يسوع ويجعلنا أكثر اتحادًا فيما بيننا: يجعلنا نترك جانبًا ما يقسمنا ونبحث عن أساليب جديدة على الدوام للتقدم في درب الوحدة.
التطويبات هي نوعًا ما بطاقة هويّة المسيحي وهي تحدّده كشخص يتبع يسوع. نحن مدعوون لنكون طوباويين وأتباعًا ليسوع فنواجه آلام ويأس زمننا بروح يسوع ومحبّته. بهذا المعنى يمكننا أن نشير إلى أوضاع جديدة لنعيش بروح متجدّد وآني على الدوام: طوبى للذين يحتملون بإيمان الشرور التي ينزلها بهم الآخرون ويغفرون من كل قلبهم؛ طوبى للذين ينظرون في أعين المقصيين والمهمّشين ويظهرون لهم القرب؛ طوبى للذين يرون الله في كل إنسان ويكافحون كي يكتشفه الآخرون أيضًا؛ طوبى للذين يحمون البيت المشترك ويعتنون به؛ طوبى للذين يتخلّون عن رفاهيّتهم من أجل خير الآخرين؛ طوبى للذين يصلّون ويعملون من أجل ملء شركة المسيحيين... جميع هؤلاء هم حملة رحمة الله وحنانه وبالتأكيد سينالون منه المكافأة التي يستحقّونها.
إن الدعوة للقداسة هي موجّهة للجميع وينبغي أن ننالها من الرّبّ بروح إيمان. إن القديسين يشجّعوننا من خلال حياتهم وشفاعتهم لدى الله ونحن بحاجة لبعضنا البعض لنصبح قديسين؛ لنطلب إذًا معًا نعمة أن نقبل هذه الدعوة بفرح ونعمل متّحدين لكي نتمّمها.
في حياتنا لسنا أبدًا وحدنا، إذ لدينا على الدوام مساعدة ورفقة العذراء مريم التي تقدّم لنا ذاتها اليوم كالأولى بين القديسين وأول تلميذة للرّبّ. لنستسلم إلى حمايتها ولنقدِّم لها آلامنا وأفراحنا، مخاوفنا وتطلعاتنا. لنضع كل شيء تحت حمايتها واثقين بأنّها تنظر إلينا وتعتني بنا بمحبّة أم.