موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الثلاثاء، ٢٢ يوليو / تموز ٢٠٢٥
غزة: شعب منكوب في ظل عولمة اللامبالاة
مقال لمدير تحرير دائرة الاتصالات الفاتيكانيّة

أندريا تورنيلي - الفاتيكان :

 

تُخبرنا صور ما بعد الضربة بالكثير: قذيفة أُطلقت من دبابة إسرائيليّة أصابت بشكل مباشر كنيسة العائلة المقدّسة، وهي الرعيّة الكاثوليكيّة الوحيدة في غزة. لجأ خمسمائة شخص –عائلات فقدت منازلها- إلى مجمّع الدير الذي يضم كنيستين ومدرسة ملاذًا لهم، منذ نحو عامين. فقد ثلاثة أشخاص حياتهم وجُرح عشرة آخرون.

 

أحد المصابين يُدعى سهيل، يُساهم بكتابة زاوية صغيرة في صحيفة "اوسيرفاتوري رومانو" الفاتيكانية بعنوان: "أكتب إليكم من غزة". وكان أحدث مقال له بتاريخ 8 تموز بعنوان: "المحبّة أقوى من الحرب"، واختتمه بهذه الكلمات: "لنصلِّ كي لا تعيش غزة فحسب، بل العالم بأسره، في سلام يومًا ما، من خلال الغفران والمصالحة المتبادلة. يوم لن تكون فيه حروب بعد الآن، لأنّ المحبّة أقوى من الحرب."

 

اعتذرت السلطات الإسرائيليّة، قائلة إنّ ما حدث كان "خطأً"، وإنّ إسرائيل تحترم أماكن العبادة، وإن تحقيقًا سيُفتح في الحادث. لكن مثل هذه التصريحات بالكاد تبعث على الطمأنينة. ليس فقط لأنّها تتناقض مع صور المساجد التي تحوّلت إلى أنقاض والكنائس التي اُستهدفت -فالضربة على كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسيّة، على سبيل المثال، أودت بحياة عشرات الأشخاص- بل لأنّ التحقيق في مقتل امرأتين مسيحيتين: أم وابنتها، برصاص قنّاص في رعيّة غزة لم يُفضِ إلى نتائج حتى الآن، رغم مرور عام ونصف.

 

في هذا السياق، تُبرز بشكل خاص كلمات السفير الإسرائيلي لدى إيطاليا، جوناثان بيلد: "لا نعتزم تعريض المؤسّسات المدنية للخطر. لكن الإرهابيين موجودون في كل مكان، حتى في المباني العامة كالمدارس، وللأسف، في أماكن العبادة."

 

تصريحات كهذه لافتة، لأنّها، بطريقة ما، توفّر خلفية لما وُصف بأنه "خطأ". فقد تحوّل خمسمائة شخص أعزل -كثير منهم يجتمعون بانتظام لصلاة المسبحة الورديّة- تحوّلوا دون قصد إلى أهداف جانبيّة، و كما يقول السفير بيلد، "هذه أحيانًا هي تبعات الحرب."

 

وكما يعلم قرّاء ومستمعو "فاتيكان نيوز" جيّدًا، لم ننتظر وقوع ضحايا مسيحيين كي نتحدّث عن المجازر اليوميّة في غزة، حيث يُقتل العشرات من الأطفال والنساء والرجال الأبرياء كل أسبوع كـ"ضحايا جانبيين" لغارات أو هجمات من قبل من يُفترض أنهم يضمنون التوزيع الآمن للغذاء.

 

إنّنا لا نسلّط الضوء على الضحايا في غزة فقط لكونهم مسيحيين، أو لأنّ سهيل قد أُصيب. إنّ جميع الضحايا الأبرياء يصرخون أمام الله طلبًا للعدالة، فكل حياة مقدّسة، والمسيحيون من جميع الكنائس في غزة يشاركون شعبهم، الشعب الفلسطيني الشهيد، في كل الظروف والأوضاع.

 

لقد أدان الكرسي الرسولي، بعبارات لا لُبس فيها، المذبحة اللاإنسانيّة التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر 2023، وطالب بإطلاق سراح جميع الرهائن، واعتبر أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. لكنّ تلك المذبحة اللاإنسانيّة -التي راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين الأبرياء- لا يمكن أن تُبرّر مقتل 60 ألف شخص، وتدمير مدن بأكملها. ولا يمكن أن تُبرّر صمت وعجز الكثيرين الذين يتظاهرون بعدم رؤية شيء!

 

لهذا السبب، لن نكل أبدًا من التنديد بعبثيّة هذه الحرب، مردّدين كلمات البابا لاون الرابع عشر التي وجّهها إلى تجمُّع المؤسّسات لمساعدة الكنائس الشرقيّة (ROACO) بتاريخ 26 حزيران: "نحن جميعًا، كبشر، مدعوّون إلى أن نقيّم أسباب هذه النزاعات، ونتحقّق من الأسباب الحقيقيّة منها، ونسعى لتجاوزها، ونرفض تلك المزيّفة، ثمرة مشاعر زائفة وخطاب تضليلي، فنكشفها بحزم. ينبغي ألا يموت الناس بسبب الأخبار الكاذبة".

 

نحن مدعوون إلى تجاوز عولمة مراحل اللامبالاة المتعاقبة، التي تجعلنا، بحق، نستشيط غضبًا على ضحايا معيّنين، بينما نتجاهل آخرين. نحن مدعوون إلى النظر بواقعيّة إلى الوضع في الشرق الأوسط، وإلى هذا التصعيد العبثي للحرب، حيث تُفتح جبهات جديدة باستمرار، وكأن بقاء القادة -سواء في المنظمات الإرهابية أو في الدول- مرهونٌ باستمرار الحروب بدلاً من صنع السلام.

 

لقد آن الأوان للمجتمع الدوليّ أن يستعيد أخيرًا شجاعته، وأن يتدخّل بكل الوسائل التي يتيحها القانون؛ لإسكات الأسلحة، ووقف المجازر، ووضع حدّ لألاعيب السلطة التي يدفع ثمنها آلاف الضحايا الأبرياء.