موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٠ يوليو / تموز ٢٠٢٥
الكاردينال بيتسابالا من غزة: في وجوهكم حياة رغم الحرب
من خيمة إبراهيم إلى خيام غزة… الله لا يزال يزور شعبه
تصوير: كنيسة العائلة المقدّسة - غزة

تصوير: كنيسة العائلة المقدّسة - غزة

سند ساحلية، نبض الحياة :

 

في ختام زيارته إلى غزة، وفي مشهد استثنائي طغت عليه الرمزية الروحيّة ورسائل التضامن الإنساني، ترأس الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، قداس الأحد السادس عشر من زمن السنة الطقسية في كنيسة العائلة المقدسة في غزة، في زيارة حمَلت أكثر من مجرد طابع رعوي، بل شكّلت إعلان قرب ودعم وشراكة روحية في الألم والثبات.

 

وكان كلٌّ من الكاردينال بيتسابالا والبطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس، قد دخلا إلى قطاع غزة صباح الجمعة الماضي على رأس وفد كنسي مشترك، في زيارة محمّلة بمعاني الوحدة والشهادة المشتركة بين كنائس الأرض المقدسة.

 

"زيارتنا تعبّر عن محبّة الكنيسة جمعاء لكم"

 

في بداية عظته، عبّر الكاردينال عن أثر هذه الزيارة عليه شخصيًّا، مشيرًا إلى رغبة الكنائس الأخرى في أن تكون حاضرة، رغم عدم تمكنها من ذلك هذه المرة. وقال: "هناك نوع من الغيرة من كل الكنائس الشقيقة تُجاهي وتجاه البطريرك ثيوفيلوس، لأنهم كانوا يتمنون أن يكونوا هم أيضًا موجودين. هذا يعبر، بمعناه العميق، أن الجميع موجود روحيًا معنا، والكل جاهز للدعم".

 

وأضاف: "نحن كمسيحيين لا نفكر فقط بالمسيحيين. نحن منفتحون على الجميع، ومن المهم جدًا أن نُشدّد على هذه النقطة".

"رأيت الحياة في وجوهكم رغم الدمار"

 

وفي تأمل شخصي مؤثر، ربط الكاردينال بيتسابالا بين القراءة الأولى من سفر التكوين التي تروي زيارة الله لإبراهيم في خيمته، وبين المشهد الذي رآه في غزة خلال هذه الأيام، حيث تنتشر الخيام والملاجئ في أرجاء القطاع.

 

قال: "تذكّرت كل الخيام التي رأيتها هنا في غزة خلال الأيام الماضية… إبراهيم كان في خيمته، وكان عجوزًا، بلا حياة مستقرة… ثم زاره الله. نحن أيضًا يجب أن نطلب في صلاتنا أن يزورنا الله، وأن تكون لدينا عيون قادرة على تمييز حضوره بيننا".

 

وفي شهادة وجدانيّة عفويّة، تابع: "أما أنا، فكلما أتيت إلى هنا، خصوصًا في وقت الحرب، ألاحظ: الله زاركم.. من خلال وجودكم، ومن خلال وجوهكم، ألاحظ أن هناك حياة. في قلوبكم حياة نابضة، رغم بحر الدمار". وأضاف: "نعم، تضررتم، ولكن الحياة ما زالت موجودة.. في كل مكان فيه شخص مستعد أن يضحّي بحياته من أجل الآخرين، هناك يكون حضور الله".

"الشيطان قوي... لكنه لا يستطيع إطفاء الحياة فينا"

 

وفي تحذير من الانزلاق نحو اليأس، أقر الكاردينال بوجود "بحر من العنف والكراهية" في المحيط، وبأن "قوة الشيطان موجودة"، لكنه أكّد بإيمان لا يتزعزع: "نعم، الشيطان قوي، ولكن لا يستطيع أن يُطفئ الحياة النابضة فينا". وشدّد على أهمية الصمود رغم التهديدات، قائلاً: "علينا أن نكون أقوياء، وأن نستمر".

"لا نريد أن نكون مرثا فقط"

 

ثم تطرّق بطريرك القدس إلى إنجيل اليوم الذي يروي قصة مريم ومرثا، موجهًا دعوة للتوازن بين العمل والخدمة من جهة، وبين التأمل والإصغاء لله من جهة أخرى. قال: "نحن محاطون بحالة طوارئ. هناك الكثير من الأمور التي يجب أن ننجزها، كثيرة جدًا، ونحن وحدنا لا يمكننا أن نفعل كل شيء. لكن، لا يجب أن نتحوّل إلى مرثا. لا يجب أن نسمح للأمور الخارجية أن تُقيد قراراتنا".

 

وأضاف: "ما يجب أن يُوجّه قراراتنا هو محبة الله فينا. علينا أن نستمع له أولًا. وإذا أصغينا لصوته، سنعمل… لكن بتصرف سليم". وأكد أن ما تحتاجه غزة ليس مجرد خطط أو مساعدات، بل "تعبير عن المحبة التي فينا"، والمقصود أولاً وقبل كل شيء "محبّة الله".

"أنال منكم أكثر بكثير مما أقدّمه لكم"

 

وفي ختام عظته، توجّه الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا بكلمات امتنان مؤثرة إلى أبناء الجماعة المسيحيّة في غزة، قائلاً: "كل مرة أعود فيها من هنا، أعود إلى بيتي وأنا ممتلئ أكثر بكثير مما أعطيتكم.. أنا أنال منكم أكثر بكثير مما أقدّمه".

 

ثم دعاهم إلى التمسك بالإيمان والشهادة، قائلاً: "ابقوا متّحدين بيسوع. الأمر يستحق ذلك… انتبهوا، العالم كله يُطل عليكم… ابقوا كالنور هنا في غزة، ليس فقط من أجل غزة، بل من أجل العالم أجمع."

 

وختم الكاردينال عظته بابتسامة وبشارة رجاء، ممازحًا المؤمنين: "وإن شاء الله، في المرة القادمة، نحتفل معًا، مع المنسف وكل المستلزمات..."، ليقاطعه الأب ديفيد ميليو، أمين سر البطريركيّة الذي تولّى الترجمة العربيّة، مضيفًا بابتسامة: … والبوظة، "الآيس كريم".