موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
شهدت العاصمة العُمانية مسقط في الخامس من تموز 2024 مراسم وضع حجر الأساس لأول مركز رعوي كاثوليكي في السلطنة، يُقام على أرض رعية الروح القدس في منطقة غلا. ويُعد هذا المشروع محطة بارزة في مسار التعايش الديني في بلد يؤكد دستوره أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، مع ضمان حرية الدين وحظر التمييز على أساس الانتماء الديني.
وسيضمّ المركز الجديد قاعات للتنشئة والتثقيف الديني ودورات للتعليم المسيحي، إضافة إلى سكن للكهنة، ليكون بذلك الأول من نوعه في عُمان. ويأتي المشروع استجابة لحاجة الجالية الكاثوليكية المتنامية، التي تحظى بحرية ممارسة شعائرها منذ عقود.
تعود جذور هذا الحضور إلى سبعينيات القرن الماضي، حين تبرّع السلطان الراحل قابوس بن سعيد عام 1977 بقطعة الأرض المخصصة للمركز الحالي، إدراكًا منه لحاجة الكاثوليك إلى مكان للعبادة. وقد افتُتحت الكنيسة القائمة على الأرض نفسها في 27 شباط 1987، في خطوة شكّلت حينها علامة فارقة في مسار التسامح الديني داخل السلطنة.
ويأتي تنفيذ المشروع في سياق تطوّر العلاقات بين سلطنة عُمان والكرسي الرسولي، بعدما أقام الطرفان علاقات دبلوماسية رسميًا في شباط 2023، تتويجًا لمسار طويل من التفاهم والتقارب. ويُذكر أن عُمان لعبت دورًا إنسانيًا بارزًا عام 2017 عبر وساطتها للإفراج عن الكاهن الساليزياني توم أوزهوناليل، الذي اختُطف في اليمن واحتُجز لمدة 18 شهرًا.
وأكد سفير عُمان لدى الكرسي الرسولي، محمود بن حمد بن ناصر الحسني، لصحيفة "ذا ريجستر" أن إنشاء المركز الرعوي يُجسد القيم العُمانية الأصيلة في التسامح الديني والوئام الإنساني، مشيرًا إلى أن المجتمع العُماني ينعم بتعايش متين بين مختلف الأديان والثقافات. واعتبر أن رؤية السلطنة تقوم على اعتبار التنوع مصدر قوة وثراء ثقافي، ومحورًا أساسياً في بناء مجتمع متماسك.
وأضاف الحسني أن افتتاح المركز يُبرز تقاطع الرؤية العُمانية مع رسالة الكرسي الرسولي في تعزيز ثقافة الحوار والسلام، معتبرًا أن الخطوة تمنح العلاقات الثنائية بُعدًا مؤسسيًا أعمق وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون. وأكد أن الدبلوماسية العُمانية ترتكز على مبادئ الاحترام المتبادل، والانفتاح، والتوازن البنّاء، ما يجعلها نموذجًا يُحتذى في المنطقة.
وأشار الحسني إلى أن هذا المشروع لا يُمثل قطيعة مع الماضي، بل ثمرة مسار طويل تُوِّج، في التوقيت المناسب، بالاعتراف الرسمي بالعلاقات. ولفت إلى أن الكنيسة الكاثوليكية مارست رسالتها في السلطنة على مدى عقود بدعم رسمي وفي جو من الاحترام والتقدير المتبادل.
واعتبر أن هذا التطور يعكس إيمان السلطنة بأن الدبلوماسية تُقاس بعمقها ومتانتها لا بسرعة اتخاذ قراراتها، ويتماشى مع مبادئ السياسة الخارجية العُمانية القائمة على الانفتاح على الآخر، والتوازن البنّاء، والحياد الإيجابي، واحترام خصوصيات الشعوب والثقافات.
ولفت إلى أن إنشاء المركز لا يقتصر على كونه مكانًا للعبادة، بل يُجسد رؤية عُمانية راسخة، قوامها الاحترام المتبادل والانفتاح الثقافي والكرامة الإنسانية، منطلقة من قيم أصيلة تُؤمن بأن السلام الداخلي ينعكس خارجًا، وأن الحوار هو الطريق الأسمى لبناء جسور الثقة، وأن كل إنسان، مهما اختلفت ثقافته وانتماؤه، يستحق الاهتمام والتقدير.