موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٥
رسالة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالميّ للمريض 2025
"الرَّجاء لا يُخَيِّبُ" (رومة 5، 5) ويجعلنا أقوياء في الشِّدَّة

الفاتيكان :

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

 

نحتفل باليوم العالميّ الثّالث والثّلاثين للمريض في سنة اليوبيل 2025، حيث تدعونا الكنيسة إلى أن نكون ”حجَّاج رجاء“. وكلمة الله ترافقنا في ذلك، وتقدِّم لنا على فم القدّيس بولس رسالة تشجيع كبيرة: "الرَّجاء لا يُخَيِّبُ" (رومة 5، 5)، بل يجعلنا أقوياء في الشِّدَّة.

 

إنّها تعابير تعزية، لكنّها قد تثير بعض الأسئلة، خاصّة في المتألّمين. مثلًا: كيف نبقى أقوياء عندما نُصاب بأمراض خطيرة أو معوِّقة، وقد تتطلَّب علاجات تتجاوز تكلفتها إمكانياتنا؟ كيف نبقى أقوياء عندما نرى، بالإضافة إلى آلامنا، آلام من يحبّوننا، والذين يشعرون بأنفسهم ضعيفين عاجزين عن مساعدتنا، رغم قربهم منّا؟ في جميع هذه الظّروف، نشعر بالحاجة إلى سندٍ أكبر منّا: نحتاج إلى عَون الله، وإلى نعمته، وإلى عنايته الإلهيّة، وإلى تلك القوّة التي هي عطيّة من روحه (راجع التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، 1808).

 

لنتوقَّف لحظةً لنتأمّل في حضور الله القريب من المتألّمين، خاصّة في الأوجه الثّلاثة التي تميِّز قرب الله منّا: اللقاء، والعطاء، والمشاركة.

 

الوجه الأول: اللقاء

 

عندما أرسل يسوع الاثنين والسّبعين تلميذًا يحملون الرّسالة (راجع لوقا 10، 1-9)، أوصاهم أن يقولوا للمرضى: "قَدِ اقتَرَبَ مِنكُم مَلَكوتُ الله" (آية 9). أي أنّه يطلب أن نساعد المريض أن يدرك حتّى في المرض، مهما كان مؤلمًا وصعبًا للفهم، أنّه يمكن أن يكون فرصة للقاء مع الله. في الواقع، في وقت المرض، إن كنّا نشعر من جهة بكلّ هشاشتنا كمخلوقات –جسديًّا ونفسيًّا وروحيًّا– فإنّنا من جهة أخرى نختبر قرب الله ورأفته، الذي في يسوع شاركنا في آلامنا. فهو لا يتركنا، ويفاجئنا مرارًا بعطيّة الصّبر والتّحمّل التي لم نكن نظن قط أنّنا نمتلكها، والتي لم نكن لنجدها قط بمفردنا.

 

إذّاك يصير المرض فرصة للقاء يغيِّرنا، واكتشاف صخرة ثابتة يمكننا أن نرتكز عليها لمواجهة عواصف الحياة: إنّها خبرة، ولو في العذاب، تجعلنا أقوى، لأنّها تجعلنا ندرك أنّنا لسنا وحدنا. لهذا يُقال إنّ الألم يحمل دائمًا معه سرّ الخلاص، لأنّه يجعلنا نختبر التّعزية القريبة والحقيقيّة التي تأتي من الله، حتّى: "نعرف كمال الإنجيل بكلّ وعوده وحياته" (القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، كلمة إلى الشّباب، New Orleans، 12 أيلول 1987).

الوجه الثاني: العطاء

 

وهذا يقودنا إلى الوجه الثّاني في تأمّلنا: العطاء. في الواقع، في الألم فقط يمكننا أن ندرك أنّ كلّ رجاءٍ يأتي من الرّبّ يسوع، فهو قبل كلّ شيء عطيّة يجب علينا أن نقبلها وننمّيها، فنبقى "أوفياء لأمانة الله" وفقًا للتعبير الجميل لمادلين ديلبرل (راجع الرّجاء نورٌ في الليل، حاضرة الفاتيكان 2024، المقدّمة).

 

وفي كلّ حال، في قيامة المسيح من بين الأموات فقط، يجد مصيرنا مكانه في أُفق الأبديّة اللامتناهي. ومن فصحه فقط، تصل إلينا الحقيقة بأنّ لا شيء، "لا مَوتٌ ولا حَياة، ولا مَلائِكَةٌ ولا أَصحابُ رِئاسة، ولا حاضِرٌ ولا مُستَقبَل، ولا قُوَّات، ولا عُلُوٌّ ولا عُمْق، ولا خَليقَةٌ أُخْرى، بِوُسعِها أَن تَفصِلَنا عن مَحبَّةِ اللهِ" (رومة 8، 38-39). ومن هذا ”الرّجاء الكبير“ يأتي كلّ أفقٍ آخر من النّور الذي به نتجاوز تجارب الحياة وعقباتها (راجع بندكتس السّادس عشر، رسالة عامّة بابويّة، بالرّجاء مخلَّصون، 27. 31). ليس ذلك فقط، بل إنّ الرّبّ يسوع القائم من بين الأموات يسير معنا أيضًا، ويصير رفيق رحلتنا، كما حدث مع تلميذَي عِموَاس (راجع لوقا 24، 13-53). مثلهما، نحن أيضًا يمكننا أن نشاركه ضياعنا وقلقنا وخيبات أملنا، ويمكننا أن نصغي إلى كلمته التي تنيرنا وتُضرم قلبنا، فنعترف بحضوره في كسر الخبز، ونُدرك أنّه معنا، وفي حدود حاضرنا، ندرك ”ذلك البعيد“ عنّا، والذي يقترب منّا، ويُعيد إلينا الشّجاعة والثّقة.

الوجه الثالث: المشاركة

 

ونأتي إلى الوجه الثّالث، وهو المُشاركة. الأماكن التي يتألّم النّاس فيها هي غالبًا أماكن مُشارَكة، فيها يغتنون بتبادل الخبرات. كَم مرّة نتعلَّم أن يزداد رجاؤنا، ونحن بجانب مريضٍ! كَم مرّة نتعلَّم أن نؤمن، ونحن بقُرب المتألّمين! كَم مرّة نكتشف المحبّة، عندما ننحني على المحتاجين! أي إنّنا نُدرك كيف نكون ”ملائكة“ الرّجاء، ورُسل الله، بعضنا لبعض، وكلّنا معًا: المرضى، والأطبّاء، والممرّضين، والعائلات، والأصدقاء، والكهنة، والرّهبان والرّاهبات، هناك حيثما كنَّا: في العائلات، وفي المستوصفات، وفي دور الرّعاية، وفي المستشفيات والعيادات.

 

ومهمٌّ أن نعرف ونقبل جمال وأهمّيّة لقاءات النّعمة هذه، ونتعلَّم أن نحفظها في نفوسنا كي لا ننساها: نحتفظ في قلبنا الابتسامة الجميلة لعاملٍ في مجال الصّحّة، ونظرة الشُّكر والثّقة لدى مريض، ووجه طبيب أو متطوّع مليء بالتّفهّم والاهتمام، ووجه زوجَين، أو ابن، أو حفيد، أو صديق عزيز، مليء بالانتظار والتّرقّب. كلّها أنوار يجب علينا أن نقدّرها، وهي لا تمنحنا القوّة فقط، حتّى في ظُلمة المحنة، بل تعلِّمنا طعم الحياة الحقيقيّ، في المحبّة والقُرب (راجع لوقا 10، 25-37).

أيّها المرضى الأعزّاء، وأيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين تقدِّمون مساعدتكم للمتألّمين، أنتم لكم دورٌ خاصّ في هذا اليوبيل أكثر من أيّ وقت مضى. في الواقع، سَيرُكم معًا هو علامة للجميع، "نشيدٌ للكرامة الإنسانيّة، ونشيدُ رجاء" (مرسوم الدّعوة إلى اليوبيل العادي، الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ، 11)، صوته يتجاوز الغُرف وأَسِرَّة الرّعاية حيث تتواجدون، ويحفّز ويشجّع في المحبّة "انضمام المجتمع كلّه إليه" (المرجع نفسه)، في انسجامٍ يصعبُ تحقيقه أحيانًا، ولهذا هو غاية في العذوبة والقوّة، وقادر على أن ينشر النّور والدّفء حيث تكون الحاجة إليه أشدّ.

 

الكنيسة كلّها تشكركم على ذلك! وأنا أيضًا أشكركم وأصلّي من أجلكم، وأُوكلكم إلى مريم العذراء، شفاء المرضى، بالكلام الذي وجّهه إليها الإخوة والأخوات الكثيرون في وقت الحاجة:

 

تحتَ ظلِّ حمايَتِكِ نلتَجِئ يا والدةَ الله القدّيسة.

فلا تَغفَلي عن طلباتِنا عند احتياجِنا إليكِ،

لكن نجّينا دائمًا من جميعِ المَخاطِر،

أيّتها العذراءُ المجيدة المُبارَكة.

 

أُبارككم، مع عائلاتكم وأحبّائكم، وأطلب منكم من فضلكم، ألّا تنسَوْا أن تصلّوا من أجلي.