موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٢ مايو / أيار ٢٠٢٤
خواطر في مريم العذراء

أشخين ديمرجيان :

 

"الوردية هي كنز النعم والبركات" (البابا بولس السادس). "ليس بالقوّة، ولا بالأسلحة، وليس بالقدرة البشرية، بل بالعون الالهي الذي تناله البشرية بصلاة الوردية، تنعم بالسلام" (البابا بيوس 12).

 

للأسف الشديد يبدو أنّ عدد الذين يصلّون الوردية قليل لا يكفي كي ننعم بالسلام...

 

مريم! تحفة الخالق بين مخلوقاته، خلقها الله لا أروع ولا أحلى! حتى ليعجز الله وهو القدرة اللامتناهية عن أن يخلق أجمل منها وأسمى! ولا عجب إن احتار رئيس الملائكة جبرائيل في أمر العذراء مريم ودنيا كمالاتها، فلم يجد لقباً ينطبق عليها أفضل من "ممتلئة نعمةً!" وهتفت إليصابات والدة يوحنّا المعمدان مستغربة من زيارة مريم لها: "من أين لي هذا أن تأتي اليّ؟".

 

ولزم الإنجيل الصمت أمام عظمتها فاكتفى بأن دعاها: "أمّ يسوع المسيح" الذي كان يصنع المعجزات حتّى حينما كان جنيناً في أحشاء أمّه مريم. مريم التي حينما سلّمت على خالتها إليصابات ارتكض "المعمدان" جنيناً في أحشائها. وفيما بعد كثّر السيّد المسيح أرغفة الخبز والسمك لإطعام ألوف مؤلّفة من الأشخاص. وشفى المرضى وطرد الشياطين وتفتّحت عيون العميان عند مسّ أنامله . وأقام الأموات من القبور ...

 

مريم! تنتشي صفوف المختارين ومحافل الملائكة من مريم فهي بهاؤهم ، ويزهو البشر لأنها صفوتهم وشفيعهم، ويرتعد الشياطين في الجحيم لأنها رعبهم! مريم التي تلملمت تحت أجنحة الروح يظلّلها بنعمه، مريم التي وقفت نفسها تعبّداً "أمة لله ليكون لها حسب قوله"، مريم التي تواضعت كثيراً فرفعها الله حتى طوّبتها الأجيال جميعاً، مريم التي افرغت ذاتها من ذاتها زهداً فصنع الله بها العظائم !

 

وإن اقتدى بها المؤمن وطلب شفاعتها بقلب طاهر، وعاطفة بنوية ورغبة ملحة وحب صادق: سيشعر بأمان كأنّ السماء أطلّت عليه، وكأنّ الله انحنى عليه، وحضن أمّ رؤوم هفا إليه، وقلباً هدهد قلبه، فيتذوّق حينذاك كيف يكون الحب الصافي، والحنان الذي لا سواه حنان، ويستشعر الثقة والأمل الحلو والفرح. والمؤمن المُحبّ الصادق لمريم ستُبهره دفقة من أنوار السماء وقبساً من روعة العذراء، وكأنّ السماء تنحني عليه عطفاً ورضى، والأرض تهتزّ به فرحاً.

 

ولكنّي أراكِ يا أمّي وأنتِ تنظرين بعيون دامعة حزينة  الى الجماهير الغفيرة من أبنائك المتألمين: موكبٌّ ضخم، لا أول له ولا آخر... اطفال اصبحوا من الجوع جلداً على عظم! ومرضى استبدّ بهم يأسٌ من الشفاء، قاتل! ومسنّون يشعرون ان لا فائدة منهم ترجى، فيتألمون! وشباب عاطلون لا يهتدون الى عمل منه يتعيشون! وعائلات كانت اعشاشاً تمور بالحب والسعادة، فَسطت عليها أنانية أحد الزوجين، فتقوض العش وأقفر! والبيوت التي مرّ عليها منجل الموت، فحصد من حصد، وابقى من ابقى!

 

مسك الختام

 

"اعتقد ان العذراء مريم أمّنا، لن تذوق طعم الراحة والهدوؤ، الاّ بعد نهاية العالم. لأنه ما دام هناك حياة على وجه الأرض، فالبشر ابناؤها يشدونها ويتجاذبونها من كل جهة. وهي مثل والدة لها اولاد كثيرون، دائماً في شغل شاغل، متنقلة من واحد الى آخر، من ابنائها" (خوري أرس).