موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥
البابا لاون يحتفل بالقداس الإلهي في عيد العذراء مريم سيّدة غوادالوبيه

فاتيكان نيوز :

 

بمناسبة عيد العذراء مريم سيدة غوادالوبي ترأس قداسة البابا لاون الرابع عاشر القداس الإلهي عصر الجمعة في بازيليك القديس بطرس وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها في القراءة من سفر يشوع بن سيراخ، تُعرض لنا حكمة الإله في وصفٍ شاعري، وهي الصورة التي تجد هويتها الكاملة في المسيح، "حكمة الله"، الذي لمّا حلَّ ملء الزمان، "صار جسداً، مولوداً من امرأة". لقد اعتاد التقليد المسيحي أن يقرأ هذا المقطع بروح مريمية، إذ يذكّر بالمرأة التي أعدّها الله لكي تستقبل المسيح. فمن غير مريم في الواقع يمكنها أن تقول: "فيّ كل نعمة الطريق والحق، وكل رجاء الحياة والفضيلة"؟ لذلك، لم يتردد التقليد المسيحي في الاعتراف بها كـ "أُمّ الحب".

 

تابع الأب الأقدس يقول في الإنجيل، نسمع كيف عاشت مريم الديناميكية الخاصة لمن تسمح لكلمة الله أن تدخل حياتها وتُحوّلها. فكنار ملتهبة لا يمكن احتواؤها، تدفعنا الكلمة لكي نُعلن فرح العطية التي نلناها. فهي، التي ابتهجت بإعلان الملاك، فهمت أن كمال فرح الله يتحقق في المحبة، فسارعت إلى بيت أليصابات.

 

أضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ كلمات "الممتلئة نعمة" هي حقًّا "أحلى من العسل". يكفي سلامها لكي يجعل الجنين يرتكض في حشا أليصابات، وهي، الممتلئة من الروح القدس، تساءلت: "من أين لي أن تأتيني أم ربي؟". هذا الابتهاج بلغ ذروته في نشيدها، حيث اعترفت مريم بأن سعادتها تأتي من الله الأمين، الذي نظر إلى شعبه وباركه بـ"وميراث أَلَذُ مِن شَهْدِ العَسَل"؛ أي بحضور ابنها.

 

تابع الأب الأقدس يقول طوال حياتها، حملت مريم هذا الفرح إلى حيث لا يكفي الفرح البشري، وحيث نفد الخمر. هكذا حدث في غوادالوبي. ففي "تيبيياك"، أيقظت في سكان القارة الأمريكية فرح معرفتهم بأنهم محبوبون من الله. وفي ظهوراتها عام ١٥٣١، إذ خاطبت القديس خوان دييغو بلغته الأم، أعلنت أنها "ترغب كثيراً" أن يُقام هناك "بيت صغير مقدّس"، ستمجّد منه الله وتُظهره. وفي خضم الصراعات التي لا تتوقف، والظلم والأوجاع التي تبحث عن راحة، تُعلن العذراء مريم سيدة غوادالوبي جوهر رسالتها: "أفلستُ أنا أمّك هنا؟". إنه الصوت الذي يتردد فيه وعد الأمانة الإلهية، والحضور الذي يعضد عندما تصبح الحياة لا تُحتمل.

 

أضاف الحبر الأعظم يقول إن الأمومة التي تُعلنها تجعلنا نكتشف أنفسنا كأبناء. فمن يسمع "أنا أمّك" يتذكر أنّه من الصليب، يقابل "هذه أمّك" قول "هذا ابنك". وكأبناء، نتوجه إليها سائلين: "يا أمّنا، ماذا يجب علينا أن نفعل لنكون الأبناء الذين يشتهيهم قلبكِ؟". وهي، الأمينة لرسالتها، ستقول لنا بحنان: "افعلوا ما يأمركم به". نعم يا أمّنا، نريد أن نكون أبناءك حقاً: قولي لنا كيف نتقدم في الإيمان عندما تخور القوى وتتزايد الظلال. اجعلينا ندرك أن معكِ، يتحول حتى الشتاء إلى موسم ورود.

 

تابع الأب الأقدس يقول وكابن أسألكِ: أيتها الأم، علّمي الأمم التي ترغب في أن تكون بناتكِ أن لا تقسم العالم إلى فصائل لا يمكن مصالحتها، وأن لا تسمح للكراهية بأن تطبع تاريخها ولا للكذب بأن يكتب ذاكرتها. أظهري لها أن السلطة يجب أن تُمارس كخدمة لا كسيادة. أرشدي حكّامها إلى واجبهم في صون كرامة كل إنسان في جميع مراحل حياته. واجعلي من تلك الشعوب، أبناءكِ، أماكن يشعر فيها كل شخص بأنه مرحَّب به.

 

أضاف الحبر الأعظم يقول رافقي أيتها الأم الشباب، لكي ينالوا من المسيح القوة لاختيار الخير والشجاعة للثبات في الإيمان، حتى إن دفعهم العالم في اتجاه آخر. أريهم أن ابنكِ يسير إلى جانبهم. فلا يغتم قلبهم بشيء، لكي يتمكنوا من أن يقبلوا خطط الله بلا خوف. أبعدي عنهم تهديدات الجريمة والإدمان وخطر حياة بلا معنى. ابحثي أيتها الأم عن الذين ابتعدوا عن الكنيسة المقدسة: لتَصِلهم نظرتكِ حيث لا تصل نظرتنا، اهدمي الجدران التي تفصلنا، وأعيديّهم إلى البيت بقوة حبكِ. أيتها الأم، أتوسّل إليكِ أن تُميلي قلوب الذين يزرعون الشقاق نحو رغبة ابنكِ في أن "يكون الجميع واحدًا"، وأن تردّيهم إلى المحبة التي تجعل الشركة ممكنة، إذ داخل الكنيسة، لا يمكن لأبنائكِ أيتها الأم أن يكونوا منقسمين.

 

تابع الأب الأقدس يقول قوّي العائلات: فيُربّي الأمهات والآباء، اقتداءً بمثلكِ، بحنان وثبات، لكي يكون كل بيت مدرسة للإيمان. ألهمي، أيتها الأم الذين يُنشِّئون العقول والقلوب لكي ينقلوا الحق بالحلاوة والدقة والوضوح النابع من الإنجيل. شجّعي الذين دعاهم ابنكِ ليتبعوه عن كثب: اعضدي الإكليروس والحياة المكرسة في الأمانة اليومية وجددي حبهم الأول. احفظي حياتهم الداخلية في الصلاة، واحميهم من التجربة، وشجعيهم في التعب، وأغيثي المنهكين.

 

أضاف الحبر الأعظم يقول أيتها العذراء القديسة، اجعلينا نحفظ الإنجيل في قلوبنا مثلكِ. ساعدينا لكي نفهم أننا، على الرغم من كوننا متلقين أيضًا، نحن لا نملك هذه الرسالة، بل، مثل القديس خوان دييغو، نحن مجرد خدّام لها. اجعلينا نعيش مقتنعين بأنّه حيثما تصل البشرى السارة، يصبح كل شيء جميلاً، ويستعيد كل شيء صحته، ويتجدد كل شيء. إنَّ الذين يسترشدون بكِ لا يخطئون؛ أعينينا لكي لا نُدنس بخطايانا وبؤسنا قداسة الكنيسة التي هي أمّ، مثلكِ.

 

وخلص البابا لاوُن الرابع عشر إلى القول يا أمّ "الإله الحقّ الذي به نحيا"، تعالي لمعونة خليفة بطرس، لكي أُثبّت على الطريق الوحيد الذي يقود إلى ثمرة بطنكِ المباركة، جميع الذين أوكِلوا إليّ. ذكّري ابنكِ هذا، "الذي أوكل إليه المسيح مفاتيح ملكوت السماوات لخير الجميع"، أن هذه المفاتيح هي لـ "حل وربط وفداء كل بؤس بشري" واجعلينا، إذ نثق بحمايتكِ، نتقدم متّحدين أكثر فأكثر، مع يسوع وفيما بيننا، نحو المسكن الأبدي الذي أعدّه لنا والذي تنتظريننا فيه. آمين.