موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
منذ اللحظة التي قالت مريـم العذراء للملاك: "أنا أَمَة للرب"، شاركت في يسوع إبنها التدبير الخلاصي، لذا فإن الكنيسة تكرّمها وتطلب شفاعتها بكونها والدة الله. لهذا السبب تكرّمها الكنيسة منذ القدم، وقد خصصت لها خلال السنة احتفالات و صلوات وتأملات لتكريمها.
شهر أيار، شهر الورود والجمال والحياة والتجدد، لذلك خصصته الكنيسة المُقدّسة لإكرام أُمّنا السماويّة مريـم العذراء. فكما أنّ الورد في شهر أيار يملأ الدنيا عطرًا وجمالاً، كذلك أُمنا العذراء مريـم يفوح منها عطر قداستها وشفاعتها في سماء الكنيسة المقدسة ومنها للعالم أجمع.
يُعدّ الأب حنا نادازي اليسوعي، أول من وضع كتيّب مخصص للشهر المريمي، سنة 1664، وسمّاه "المحب لمريم"، وفيه 31 تأمل. وأما الفضل في تخصيص هذا الشهر لإكرام والدة الله الكُليّة القداسة، فيعود إلى كاهنين يسوعيين، هما: الأب كسافير جاكولة السويسري، والأب انيبال ديونيزي الإيطالي. طبع الأب كسافير كتابه سنة 1724 في ديلغن في ألمانيا وسماه كتاب الشهر المريمي "البتول الطاهرة وفضائلها". أما الأب انيبال ألف كتاب مضمونه التعبّد لمريم في شهر أيار سنة 1726.
ولكن قبل هذا كانت الكنيسة الغربيّة تكرّم مريم خلال شهر أيّار بطريقة متواضعة ومحليّة دون إنتشار واسع. ففي القرن الرابع عشر كان الراهب الدومينيكي هنري سوزو، في فترة الربيع وتفتّح الورود، يدعو المؤمنين إلى تحضير أكاليل من الزهر والورود للعذراء الطاهرة. وفي العام 1549 طبع الراهب البنديكتي زايدل كتابًا عنوانه "شهر أيّار الرّوحيّ". وفي الحقبة عينها كان القديس فيليب نيري يدعو الشبيبة إلى إكرام العذراء إكرامًا خاصًّا في هذا الشهر، حيث كان يجمع الأطفال والشبيبة حول مذبح العذراء ليقدّموا لوالدة الله، مع الورود، الفضائل الروحيّة التي كانوا يريدون أن يعيشوها.
أمّا في مدينة كولونيا الألمانية، فكان تلاميذ الآباء اليسوعيّين يقومون برياضة روحيّة في شهر أيّار إكرامًا لمريم أُمّ يسوع. وفي مقاطعة الألزاس، كانت جماعة من الشابات المكرّسات يذهبن من بيتٍ إلى بيت لجمع الورود وتزيين مذابح العذراء خلال هذا الشهر المبارك.
في القرنين السادس عشر والسابع عشر بدأ الآباء الكبّوشيّون والفرنسيسكان بالاهتمام بهذا الشهر، فكتب الراهب الكبّوشيّ ثلاثين قصيدة مريميّة لإكرام العذراء في أيّار. وفي نابوليّ بدأ الفرنسيسكان يصلّون صلاة فرض العذراء في كنيسة القديّسة كلارا الملكيّة. أمّا الدومينيكان فبدأوا سنة 1701، في مدن فييزوله وغريزانا وفيرونا وجنوا الإيطاليّة، بتكريم مريم طوال شهر أيّار.
ومن إيطاليا انتقل هذا الإكرام المريمّي لشهر أيّار إلى فرنسا عشيّة الثورة الفرنسيّة، لكن خلال الثورة العظمى قد خَفّ الإكرام لمريم البتول حيث كان الأب ألفونس موزارلي اليسوعي قد ألّف كتابه النفيس "الشهر المريمي" المطبوع سنة 1785. ولهذا الكاهن تأثير كبير بين الكاثوليك، كونه بشكل خاص خدم الكرسي الرسولي، كما رافق البابا بيوس السابع في منفاه إلى فرنسا.
بعد ذلك الحين، ثبّت الباباوات بسلطانهم الإكرام لمريم في شهر أيار، وشجعوا على قراءة الكتب المريمية لاسيّما التي تختص بهذا الشهر. ولم تنحصر عبادة الشهر المريمي في حدود قارة أوروبا بل تجاوزتها مع المرسلين الكاثوليك، فازدهر إكرام العذراء في شهر أيار في أميركا وآسيا حتى انتهت إلى الشرق الأقصى.
بدأ هذا الشهر يأخذ أهمّيته في الشرق عامة، وفي لبنان وسوريا وفلسطين خاصة، نتيجة لعمل المرسلين والمبشّرين اللاتين، من يسوعيّين وكبّوشيّين وفرنسيسكان ودومينيكان وآباء عازاريين، فانتشرت هذه العبادة في ربوع بلادنا وصار أيّار شهر مريم، وهو لم يكن بجديد على الشرقيّين الّذين بدأوا بإكرام مريم في شهر أيار قبل دخول هذه العبادة إلى الكنيسة الغربية بحوالي الألف سنة.
إنّ الحديث عن مريم وتكريمها كثير جدًا، لذا لا بدّ أن نعرف المعنى الليتورجي لمريم العذراء أم الرب، لنكرّمها أحسن إكرام. إذ ليس في الأسماء بعد اسم يسوع اسم أحب على قلوب المسيحيين، كاسم مريم، فهو حلاوة وعسل في قلوبهم، والطريق المؤدي إلى إبنها يسوع.