موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٠ يونيو / حزيران ٢٠٢١
تأملات البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الـ11 من الزمن العادي، السنة ب

تأملات البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين :

 

تجري أحداث إنجيل اليوم (مرقس ٣: ٢٠–٣٥) في بيت عزيز على قلب القديس مرقس، وتُقسّم إلى ثلاثة أجزاء مترابطة بعضها مع البعض. في الجزأين الأول والثالث، الشخصيات الرئيسية هي أقارب يسوع أما في الجزء الثاني فهم كتبة نزلوا من أورشليم.

 

الرابط الذي يجمع بين كل هذه الشخصيات هو كلمة “يقولون” (مرقس ٣: ٢١ و٢٢ و٣٠). في الحقيقة، كل مجموعة من المجموعتين لديها رأي خاص عن يسوع. ويُشير يسوع إلى ذلك في النص.

 

يقول أقارب يسوع أنه “ضائع الرشد“، ويقول الكتبة أن فيه بعل زبول. يبدو هنا أن العائلة تشعر بالإحراج لأن هذا الابن، الذي خرج من بيتهم، غدا بعيداً ومختلفاً ومقلقا. وها هم يخرجون ليمسكوه.

 

في هذه المرحلة من الإنجيل، كان يسوع قد أجرى عدة معجزات، ونطق بكلمات تدعي بأنها تأتي بأمر جديد في التاريخ، وأثار تساؤلات الناس عن شخصه: من هذا؟ (مرقس ١: ٢٧)، ناهيك عن إثارته للخصومة. وتمثّل المجموعتان في إنجيل اليوم، ولأسباب مختلفة، الأشخاص الذين يزعجهم حضور يسوع.

 

ورداً على هذين الرأيين يجيب يسوع بطريقتين مختلفتين.

 

يرُدّ على الكتبة بمَثَلين قصيرين. في المَثَلِ الأول (مرقس ٣: ٢٤–٢٦) يشير إلى أنّه لا يمكن أن يكون مرسلاً من الشيطان لسبب وجيه وبسيط وهو أنه، إلى هذه اللحظة، لم يقم بأي أمر آخر سوى هزيمة الشيطان وتجريده من سلطته. لذلك فإنه من الغريب أن يقوم أحد مرسَلي الشيطان بمعارضة مرسِلِهِ بدلاً من طاعته.

 

في المَثَلْ الثاني (مرقس ٣: ٢٧) يُعطينا يسوع مفتاح قراءة لجميع ما قام به حتى الآن. لقد دخل بيتاً كان يحكمه الشيطان وكان فيه قوياً، وقام بتقييده وإضعافه. واستطاع القيام بذلك لأنه أقوى منه إذ انتصر عليه في الحال.

 

كل من يقرأ إنجيل مرقس يعلم هذا الأمر جيداً. إن المعجزة الأولى التي قام بها يسوع في مجمع كفرناحوم كانت إخراج الروح النجس من رجل مسكون. لقد طرده آمراً إياه بالخروج (مرقس ١: ٢١–٢٦) ولم يستطع الشيطان إلا أن يخرج. وعندما نتابع قراءة الإنجيل نرى هذه الديناميكية تتكرر عدة مرات.

 

وعليه فإن يسوع يكشف ضمنياً عن هويته. فهو ليس ضائع الرشد ولا فيه بعل زبول بل هو ذلك الشخص “الأقوى” (مرقس ١: ٢١–٢٦) الذي أعلن عنه المعمدان، الشخص الذي سيأتي ليقيم ملكوت الله.

 

يسوع هو الأقوى، وسنرى أنه الأقوى من خلال قدرته على مغفرة كل خطيئة (مرقس ٣: ٢٨). سوف يغفر كل شيء من خطيئة وتجديف. يستطيع الشخص القوي فقط أن يقوم بذلك.

 

الأمر الوحيد الذي لا يغفره يسوع هو التجديف على الروح القدس، أي عدم القدرة على التمييز أين يعمل الرب وأين يعمل عدوه. تقوم الخطيئة ضد الروح القدس على وصف عمل الروح بأنه عمل الشيطان. وعليه لن يكون هناك إمكانية لتمييز عمل الله. وأي عمل يقوم به يسوع سيُفهم بطريقة خاطئة ولن يؤدي إلى الخلاص. هذا ما يحصل مع الكتبة الذين يصنّفون عمل يسوع على أنه عمل الشيطان. إن من يقوم بذلك، سينغلق على نعمة الله وسيبقى خارجا عنها.

 

وكي يكلّم الكتبة بالأمثال، يستخدم يسوع كلمة ذُكرت سابقاً، وهي دعاهم (مرقس ٣: ٢٣). في الآيات السابقة (مرقس ٣: ٦–١٨)، دعا يسوع تلاميذه الإثني عشر فعلًا واحدا تلو الآخر. لقد دعاهم إلى علاقة شخصية، هي اتباعه.

 

الآن، وبطريقة ما، يدعو يسوع الكتبة الذين نزلوا من أورشليم والذين حكموا عليه مسبقاً بصورة سلبية. يدعوهم إلى الخروج والسير وراءه وإدراك التجديف الذي يسكنهم ويؤدي بهم إلى الموت، بالإضافة إلى الانفتاح على الحياة والحرية لاستضافة “الأقوى” في بيتهم، وهو المخلص الوحيد والغفور.

 

بهذا الجواب الأول، يخبرنا يسوع عن نفسه. أما الآن فإنه يجيب عائلته الدموية، التي تجد نفسها قلقة عليه، متأثرة في الصميم “بشذوذه” وفقدانه الرشد.

 

في رده عليهم، يخبرهم يسوع عن عائلته الجديدة وبيته الجديد ومن هم ذووه الحقيقيون.

 

بالعادة العائلة هي عبارة عن جماعة مغلقة على ذاتها ومحدودة المعالم من خلال روابط الدم. لا يستطيع الغريب أن ينتمي إليها، فلا يوجد فيها أي مكان للغريب.

 

إلا أن يسوع يفتح الآفاق والأبواب لمن يرغب في الدخول. المعيار الوحيد للانتماء إلى عائلته واضح جداً، ومن الصعب قياسه قياسا حسيا، ألا وهو العمل بإرادة الآب. لا يعني ذلك الانتماء إلى فئة النخبة، بل بالأحرى الخروج منها. يدخل في هذه العائلة كل من يقبل بالخروج من أفكاره الخاصة وضماناته الخاصة على مثال يسوع وتلاميذه الذين لم يكن لديهم أحيانا الوقت ليأكلوا. هذا الأمر غير مفهوم لعائلة “تقليدية“، مشغولة فقط بتلبية احتياجاتها ومواعيدها وتقاليدها.

 

أما هنا فالحال ليس كذلك. جميع من ينتمون إلى هذه العائلة هم من يرحّبون بخلاص الآب ويتعلمون كيف يجعلون من حياتهم هبة، ويغفرون للجميع ويتعرفون في شخص يسوع على ملكوت الله الحاضر في التاريخ.