موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
هل ابشع من العوز؟ هل اوجع من ان تمد يدك الى الغير طالبا ما يسد رمقك؟
ان الله قد خلق للإنسان عقلا وجسدا من اجل ان يكونا وسيلته للبقاء والتقدم، ولا يكون ذلك الا بالعلم والعمل. هاتين الكلمتين السحريتين قد حددتا مسار الإنسانية ورسمتا سبل نموها وفلاحها.
نحن في مجتمعات كانت السباقة الى اجتراح العلم والتقنيات التي أصبحت وسيلة العمل، منذ اختراع الابجدية والعجلة والكيمياء والجبر والهندسة، وتصدير كل هذه الإنجازات الى العالم.
مجتمعاتنا، التي يجمع العالم على تسميتها مهد الحضارة، تتعرض منذ قرون، ومنذ بضعة عقود بوتيرة اقسى، الى هجمات شرسة تدمر فيها البشر والحجر في محاولة عقوق لالغاء دورنا من التاريخ.
نحن نتعرض للافقار لأن القول "فقر تسد" هو المكمل لقول "فرق تسد"، لذلك تُدمر مرافقنا الاقتصادية، في المشرق الانطاكي، كما في سائر بلاد العُرب، وتُدك حضارتنا، وتُستهدف صروحنا العلمية، فتكون هجرة طاقاتنا النتيجة الحتمية لذلك، توخيا لاحلال شذاذ الافاق مكان أبناء شعبنا... وهذه اضغاث احلامهم.
الرد على الدمار يكون بالاعمار، وعلى الافقار يكون بالاكتفاء الذاتي، وانتم اليوم تُخَرّجون دفعة محترفين في وطن، قبل ان تتأمر عليه قوى الشر والظلام، كان الوحيد في العالم الذي لم يقع في مديونية التبعية، وكان في حال من الاكتفاء الذاتي الذي عز نظيره في زمننا الحالي.
ما تقومون به أيها الاحبة، ونحن معكم كل الطريق، هو الحَصى التي تسند الخابية، هو السند الخفي الذي يمكنه تأمين الرزق، وتاليا الكرامة، ومنع العوز او الفاقة عن الاسرة.
المحاولات التدميرية، وجلها ذات اهداف اقتصادية، تهدف الى تحويل امتنا الى مجموعات صغيرة، متنافرة سياسيا، وفي حالة تبعية اقتصاديا، عبر تحويل اقتصاداتنا الى تجمع من المؤسسات الصغيرة التي لا تتمتع بأية مناعة اقتصادية او تمويلية. أي تحويل الاقتصاد من الماكرو الى المايكرو، او دفع الكفاءات الى الهجرة.
ان التدريب المهني ودعم المشاريع الصغيرة يشكلان الرد المناسب على هذه المحاولات المسعورة لقتل اقتصادنا وإلغاء قوانا العاملة. الاحتراف، وريادة الاعمال عبر انشاء المؤسسات الصغيرة، لا بل الصغيرة جدا، يؤسسان لاقتصادٍ متجدد يحل تدريجيا مكان الاقتصاد الذي يتعرض لمحاولات الإبادة الاقتصادية.
مقابل محاولة ارسالنا الى ما تحت الصفر، ها نحن نرد بالحياة، والحياة هي علم وعمل.
نحن، في مجلس كنائس الشرق الأوسط، دأبنا منذ تأسيسنا، ونحن اليوم في سنتنا الخمسين، على دعم مجتمعاتنا بكافة مقومات الصمود بكل ما اوتينا من قوة وموارد، يقينا منا اننا امة تتعرض لشتى اشكال المؤامرات والظلم، وانها تحتاج الى مساهمة كل واحد منا. نحن أيضا نعتبر ان الكرامة تأتي قبل الحياة، وانها هي التي تزين الحياة، لذلك قد ارسينا برنامجا خاصا يتعاطى مع كل ما يؤول الى حفظ الكرامة الإنسانية والتماسك الاجتماعي، يسير يدا بيد مع برامج الخدمة الاجتماعية والتنمية.
أيها المتدربون،
انتم اليوم تستلمون الوزنات، فاحرصوا على تثميرها كما علمنا السيد المتجسد، لكي يقال في كل واحد منكم "أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين! كُنتَ أَميناً على القَليل، فسأُقيمُكَ على الكَثير".)مت 25: 23.( اذا، عليكم ان تسيروا بالقليل، لكي يمن عليكم الرب بالكثير، وهو خير الرازقين.
انهي كلمتي بقول كريم للخليفة عمر بن الخطاب اذ قال مخاطبا احد نوابه "يا هذا، إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فأشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية". لذلك، ان احترافكم وعملكم يشكلان الضمان للسلم والتنمية الاجتماعيين.
وفقكم الباري فيما انتم قادمون عليه، وهو السند والعضد.