موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
البروفسور د. ميشال عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، القسم المشرقي منه، يكاد لا يوصف.
فوضى عارمة تعم الإقليم، وتعيث في الأرض جريمة وفسادًا. اقتتال، نهب، خطف، تعسف، في ظل أفول أنظمة ونشوء غيرها، ما زالت غير واضحة المعالم بعد.
وكأن كل ذلك لا يكفي، تأتي الشائعات، منها العفوية ومنها المنظمة أو المدسوسة، لتزيد من البلبلة النفسية عند الناس، فتزيد من ضياعهم وبؤسهم وكدرهم.
الأوضاع مريبة، وكلنا ينظر الى المستقبل بوجل، متخوفًا مما قد يخبئه له قادم الأيام. المصير مجهول، والانسان مربك، ولا خيار له سوى تحمل هذه الأعباء النفسية والمادية والانتظار.
ولكن الجميع أصبح موقنا أنّنا ضحية مؤامرات حيكت ضدنا في أقبية الدولة العميقة التي تسيطر على مقدرات العالم وتلتهم شعوبها. كل ما يجري ليس صدفة، من إبادة العلماء في العراق منذ عقد ونيف، الى اغتيال العلماء في الشام خلال الحملة الحالية؟ اغتيال العلماء ليس إلا رأس جبل جليد المؤامرة المشرقية المستشرية منذ اكثر من قرن.
هل يعي الغرب المسيحي أن المؤامرة التي حاكها وينفذها، انما تستهدف منبع قيمه وايمانه الذين جعلوه على ما هو عليه اليوم؟
في خضم هذه المجزرة، وهذه الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية العارمة، وهذا الضياع النفسي، تقف الكنيسة صامدة، صلبة، لا تلوي ولا تنحني، ولا تسمح للخشية ان تتسرب الى روحها. هي تحاكي الزمن، في ماضيه وحاضره ومستقبله.
الكنيسة صامدة مع ابنائها، ومع شعبها على اختلاف انتماءاته. هي تمدهم بالمعنويات، وبالتوجيه، وبالدعم المادي، الشرط الأساسي للصمود، رغم شح الإمكانات.
نحن بلدان خاضعة للحصار، ليس من "العقوبات" التي وضعت علينا منذ حوالي العقد فحسب، انما منذ ان وضعت يدها علينا دول "حقوق الانسان" و"العدالة". نحن نحاصر في كل الاتجاهات، المالية، والمادية، والمعنوية. ولكن نسأل، السنا شركاء في الحصار الذي ضرب علينا؟
في زمن التحولات الكبرى، تبقى الكنيسة هي الثابتة الوحيدة في حاضرنا ومستقبلنا، اذ هي المؤسسة الايمانية الدهرية التي احتضنت حياتنا وتعهدت نمونا وتقدمنا لآلاف السنين. الكنيسة كانت وستبقى الإطار الضامن لاستمراريتنا.
عبر الروحية التي تنشرها بين الناس، في كل آفاق مجتمعاتنا، عبر مؤسساتها التي ما برحت تخدم المجتمع منذ مئات السنين، عبر نموذج الصبر والصمود بمحبة الذين تجسدهم، عبرها كمثال يقتدي به المجتمع، تبقى الكنيسة ملاذ الناس، على اختلاف هوياتهم ومعتقداتهم ونزعاتهم.
الكنيسة اليوم، كما دائما، تعي دورها تماما، وبكل ابعاده، وتعي تبعات ومفاعيل كل ما تتخذه من قرارات، وكل ما تقوم به من اعمال، وهي تتصرف انطلاقا من بعد نظر وروية، آخذة بعين الاعتبار كل محاذير المرحلة، ومستندة على المحبة التي تكنها لكل ابناء مجتمعاتنا، أياً كانوا، واياً كانت عقائدهم. هي تعي تماما ان المحبة هي الضمان للوصول الى بر الأمان للمجتمعات التي تعيش تغيرات جذرية مثل التي نمر بها اليوم في المشرق الانطاكي.
الكنيسة، بما تكتنزه من ايمان وحكمة وقيم، تبقى المنارة التي تسترشد بها المجتمعات عندما تمر بمرحلة الضياع، اذ هي البيعة والصخرة والوديعة.