موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٢
الوردية المقدسة والقديسة ماري الفونسين

الأب عماد الطوال :

 

تحتفل الكنيسة المحلية في 19 تشرين الثاني بعيد القديسة ماري الفونسين مؤسسة الوردية الاورشليمية المقدسة. هذه الأم التي جمعت اليوم وكلنا إيمان بقدرتها وعزّتها، مؤكدين ذلك الانعطاف في مسيرة تاريخ بلادنا المقدسة، هذه الأرض التي جمعت القديسين سابقاً وزرعت فيهم ورديّة جديدة شاهدة على بتولية العذراء وإنسانية الراهبة المطيعة الصادقة المتفانية أم الورديّة الأم ماري الفونسين. فمنذ ذلك التاريخ (أي يوم إعلان تقديسها) أصبح هذا العيد كنسيا وليس مقتصرا للوردية وإنما فرحة للكنيسة المحلية. إذا نحن ألان أمام رسالة كنسية ومسؤولية جماعية للسير على خطاها.  كيف نقرأ هذه الروحانية في عالم اليوم؟ (الان وهنا) Hic et Nunc

 

 ما كانت رسالة الأم الفونسين إلا نهضةً تُذكرُ بتجدد الإيمان وتبعثُ القداسة والمصداقية لجيلٍ شاب يعيش اليوم في ظل تغييرات هذهِ الحياة وانعطافاتها، أين شبابنا اليوم؟ نشهد اليوم تغيراتٍ روحيةٍ ودينيةٍ واجتماعيةٍ وتربويّة، هذهِ التغييرات وصل تأثيرها إلى شبابنا المسيحي حتى المتعلم المثقف منه، فنراهُ يحملُ صليباً أثقل واشد قسوة وصعوبة، ليختار طريقه ويصل إلى برّ الأمان، فلا شكّ أنّ حياة القداسة اليوم أصعب وأشد شقاءً منها في السابق. أين نحن من الحياة الروحانية اليوم؟ كيف نخطط لها وندعمها ونقوي ثقة أبنائنا الراغبين بالسير نحو منارتها؟

 

ما نشهدُ اليوم منبهٌ للتشاؤم لا للتفاؤل فالنسبية واللامبالاة والأزمة الروحية في العالم كلها تُضع أمام مرآة المستقبل وانهيار القيم والأخلاقية وتأثر الشباب بها وعدّهم إياها تطوراً، مشكلة تتفاقم كل يوم. أين نحن ومؤسساتنا التربوية والإنسانية من هذا؟ هل نحن مدركون لهذا التغيرات؟ هل نجيب في خطابنا الروحي أو في رسالتنا التربوية والروحية والرعوية على احتياجات عالم اليوم المتغير، وكنيسة اليوم المتطورة. عالم اليوم متغير، كنيسة اليوم متغيرة، نحن أمام تحدٍ! هل هي (أي كنيستنا المحلية) داعم لتلك الحياة أم هي شاهد لمسيحيتنا وطريق القداسة!

 

إن القديسة ماري الفونسين هي أنموذج في المحبة والقداسة والتفاني في العطاء والخدمة، اختارت رهبنة الوردية في ظل تواجد الرهبنيات والارساليات العديدة في الارض المقدسة في أواخر القرن التاسع عشر، واهتمت بالعمل الرعوي والتربوي والانساني، وكانت قريبة من الرعية والمرأة  والفتاة خصيصاً، وزرعت حب الوردية المقدسة بين المؤمنين. سؤال هل هذه رسالة بنات الوردية اللواتي يعملن في الرعايا فقط ام هي في جوهر الروحانية؟ هل اليوم الدعوات الرهبانية كافية أم أنها محلياً، على الأقل، تعاني نقصاً ملحوظاً "وأقصد الانتشار الأفقي وليس الرسالة العمودية".

 

أدعو في مثل هذا اليوم إلى أهمية التأمل الشخصي والذاتي، وعيش الوحدة الكنسية والمؤسسية والعمل التكاتفي الاجتماعي للسير معا والعمل معا والنمو معا لنشهد للإنجيل المقدس في ظل عواصف التغيير. هذه الذكرى السنوية هي أفضل مناسبة للوقوف أمام الذات وأمام صورة المؤسسة، والسؤال: هل نُكيف ونؤقلم جوهر وجودنا ورسالتنا حسب رغبتها وروحانيتها؟ ونقول "الشيء الذي لا يقوّم لاقيمة له...كذلك المؤسسة؟؟؟""ما بين الاصالة والمعاصرة" "بين الجذور والتحديث". نتكلم اليوم في ثقافة الاعلام عن الربيع العربي، ولماذا لا نتكلم عن الربيع الكنسي والانتقال إلى التركيز في عملنا من الدنيويات الى السماويات ومن الماديات إلى الروحانيات. ونترجم هذه اللغة إلى مفردات كنسية ونسميها العنصرة الجديدة. نحن ندرك ونرى أنّ عمل الكثير منا بات أكاديمياً إدارياً أكثر منهُ إرسالياً وروحياً ورعويا حسب الروحانية والرسالة التي وجدنا لها.

 

حملُ الصليب اليوم بات أصعب من حمل صليب الماضي، اهتمامنا اليوم في الغائب والمجهول... قد نكون (لا سمح الله) قد مزقنا صفحة الصليب من الإنجيل المقدس، فباتت الحياة أسهل وكل شيء بين أيدينا بسهولة وسرعة، فاصبحنا ابناء كنيسة الديجيتال والتكنولوجيا والتطور. ولسنا ابناء الصليب والتضحية.

 

الأم ماري الفونسين جعلت من صليبها مرحلة الانتصار والقيامة، عانقت الصليب وأحبتهُ وفرحت بوجوده ورفعت بدورها الرهبنة من عالم الظاهر البشري إلى عالم الباطن والسماء واستعانت بالعناية الإلهية في كل شيء قبل الاستعانة بالماديات والاحتياجات الدنيوية.

 

كان صليبها مركز فرحها، وبه زرعت المحبة والوئام بين الرهبنة والكنيسة والمؤمنين،  وبالصليب وجدت مريم تحت أقدامهِ وأوجدت وردية مريم المقدّسة بالوطن العربي. في الصليب زرعت محبة ولذة البذل من أجل ذاته في سبيل خلاص النفوس. كان الصليب نبراسها للقيامة ومنارتها ودافعها لغذاء المحبة، الصليب هو مفتاح محبتها للآخر وأداة تقديسها، ووضعها في عداد القديسين.

 

أيتها القديسة ماري الفونسين صلي لأجلنا

 

يا سيدة الوردية المقدسة صلي لأجلنا