موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢١
الوردة مؤسسة راهبات الورديّة - 3

بقلم أشخين ديمرجيان :

 

مذكّرات الأمّ ماري ألفونسين

 

كتبت الأمّ ألفونسين في مذكّراتها أنّ مريم العذراء في إحدى الظهورات طلبت منها أن تؤسس رهبنة الوردية، فأبدت الأمّ ألفونسين استعدادها. ووعدتها العذراء بأنّها ستُعينها. ثمّ علّقت العذراء في عنق الأمّ ألفونسين الوردية التي كانت بيدها...".

 

بخصوص ظهورات مريم العذراء المتكرّرة، احتفظت الأمّ ألفونسين بسرّها "في بير" كما يقولون في العاميّة، حتى يوم وفاتها في 25 آذار 1927. ولم تبُح بالسرّ حتى لشقيقتها الأمّ حنّة التي بقيت ملازمة لها، ولم تفارق سريرها وهي على فراش الموت. حينما شعرت الأمّ ألفونسين بدنوّ أجلها، أطلعت أختها على مكان مذكّراتها، وطلبت منها أن تأخذ المذكرات بعد موتها وتُسلّمها إلى غبطة البطريرك برلسينا. ونفّذت شقيقتها حنّة رغبتها. ولما كان البطريرك يجهل اللغة العربية، طلب من الأمّ أغسطين عرنيطة ترجمة المذكرات، وحينئذٍ ظهرت الحقيقة إلى حيّز الوجود. وأيقنتِ الراهبات فداحة الخطب الذي نزل بالرهبنة لوفاة تلك الراهبة المتواضعة.

 

 

عاشت في الظلّ

 

لم تُخلق الراهبة ألفونسين لتشتهر بل لتعيش في الظلّ. وكانت تعيش حياة صمت واختلاء طبقًا للمقاصد الالهيّة.   أحاطت بها المشقّات لدى تهيئتها الأرض لاستقبال البذار، وحظي غيرها بمسرّات قطف الثمار.

 

عاشت الراهبة ألفونسين في فقر وضيق اقتداءً  بالسيّد المسيح. وكم عانت من الجوع والحرمان وقلّة المياه، وعكفت على العمل الجادّ. كما وتكبّدت عناء السفر في طرق صحراوية وصخرية وعرة محفوفة بالأخطار وبقطّاع الطرق.   وفي أثناء تأدية رسالتها كانت تُصادف أناسًا في حالة من التخلّف والجهل يصعب وصفهما، عدا الخرافات والاعتقادات الباطلة التي يؤمنون بها. وتحمّلت الشتائم والتعيير والضرب والتهديد لسقوط فتاة في البئر، فلجأت إلى الصلاة ثمّ ألقت سبحتها الورديّة في البئر فخرجت الفتاة من البئر موفورة الصحة.

 

وعاشت الراهبة ألفونسين أحيانًا في أكواخ من طين آيلة للسقوط. وأحيانًا كانت حياتها مهدّدة بالخطر لوجود حيوانات مفترسة. وتحمّلت مرّ العذاب بصمت وإيمان، وقدّمت تضحياتها للرب طوعًا من أجل نجاح رهبنة الورديّة الغالية على قلبها. جالت في مناطق عدّة ضمن مهمّة التدريس والإرشاد في كلّ من مدينة الناصرة ومدينة السلط في الأردن وغيرها من الأماكن، وأخيرًا في بلدة عين كارم حيث توفّيت بعد أن أسّست دارًا للأيتام. وقد تميّزت بالحب والصمت والبذل والعطاء.

 

 

درب القداسة

 

اختارت السماء الأمّ ماري ألفونسين لسموّ فضائلها لتكون القلب النابض في القرار السماوي بتأسيس رهبنة الوردية. وكم نفخر بها نحن سكان المدينة المقدّسة لأنّها بعطر محبّتها وتواضعها وتضحياتها أكملت مشوار القداسة بإخلاص وصدق دون استكبار في ذاتها. ونالت التعظيم على الأرض بعد وفاتها لأنّها الجوهرة الثمينة التي كانت مخفيّة عن أعين الكثيرين. عاشت حياتها برضى في ظروف صعبة جدًا، وحاولت أن تتلاءم مع ظروف الحياة وقد فهمت أن الصعوبات وسيلة لاكتساب الأجر عند الله تعالى.

 

فوق ذلك كلّه، حرصَت الأمّ ألفونسين على أن تسلك درب القداسة. ويكفيها فخرًا أنّها رفعت المستوى التعليمي للمرأة في فلسطين والأردن من خلال التربية والتعليم في المدارس. وكذلك يكفيها فخرًا أفواج راهبات الورديّة اللواتي تتبّعنَ خطاها بصبر ومثابرة ومحبّة، وكلّ همّهنّ نشر راية العلم أو العناية بالمرضى بأمانة وصدق، بقلوب مُحبّة لله والقريب، كي يتحقّق فيهم قول المسيح: "طوبى للفقراء بالروح فإنّ لهم ملكوت السماوات" (متّى 5: 3). "وقد أشهدتُ عليكم اليوم السماء والأرض بأنّي قد جعلتُ أمامكم الحياة والموت، البركة واللعنة. فاخترِ الحياة لكي تحيا" (تثنية 30: 11). والإنسان لن يأخذ معه شيئًا لا المال ولا المجد إنّما أعماله الصالحة هي التي تشفع فيه عند الربّ.

 

 

خاتمة

 

إنّ المؤسس الحقيقي لرهبنة الورديّة هي العذراء سيّدة الورديّة المقدّسة، عن طريق الأمّ القدّيسة ألفونسين. وكان سبب اختيار السماء لها تواضعها الشديد الذي يدلّ على طهارة نفسها. ورد في الكتاب المقدّس: "إنّ الله يُكابر المتكبّرين ويُنعم على المتواضعين" (يعقوب 4: 6). لأنّ "ثواب التواضع: مخافة الربّ والغنى والمجد والحياة" (أمثال 22: 4).