موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١
الكنيسة الكاثوليكية في بولندا تبتهج بتطويب الكاردينال ستيفان فيشينسكي
إلى جانب مؤسسة جمعية الراهبات الفرنسيسكانيات خادمات الصليب الأم اليزبييتا روزا شاتسكا

أبونا ووكالات :

 

احتفلت الكنيسة الكاثوليكية في بولندا، اليوم الأحد الموافق 12 أيلول 2021، بتطويب خادمَي الله رئيس أساقفة بولندا السابق الكاردينال ستيفان فيشينسكي (1901-1981)، ومؤسسة جمعية الراهبات الفرنسيسكانيات خادمات الصليب الأم اليزبييتا روزا شاتسكا (1876-1961). وقد ترأس القداس في مزار العناية الإلهية في وارسو، عميد مجمع دعاوى القديسين الكاردينال مارتشيلو سيميرارو.

 

وينظر المؤمنون البولنديون إلى الكاردينال فيشينسكي منذ زمن بعيد على أنه قديس بالنسبة لهم، ويعتبرونه أيضًا أبًا لهذه الأمة الذي وقف في وجه النازية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم دافع عن بلاده ضد النظام الشيوعي في المرحلة اللاحقة. وأصبح فيشينسكي كاردينالا عام 1953، وعُرف بتمرّده على القرار الذي حرم الكنيسة الكاثوليكية من حرية ممارسة الشعائر الدينية في ظل النظام الشيوعي، وقد دفع ثمن مواقفه الشجاعة من خلال دخوله إلى السجن. وأثناء وجوده في الزنزانة كتب هذا الكاردينال العديد من الرسائل، وأكد في إحداها أن الخطية الأكبر بالنسبة لعمل الرسالة هي الخوف، لأن هذا الخوف سرعان ما يصبح حليفًا لأعداء الرسالة. خلال اعتقاله تعرض للتعذيب، وخرج بعدها من السجن قبل أن يعود إلى أبرشيته مشترطًا على السلطات أن ترفع القيود التي تفرضها على الكنيسة، وقد أذعن الحكام لهذا الطلب.

 

والكاردينال فيشينسكي هو أيضًا قديس البابا يوحنا بولس الثاني. فكان كارول فويتيوا يرى فيه صديقًا، لا بل أخًا كبيرًا في الإيمان ومثالاً للشجاعة والصلابة الداخلية، وقد تركت هذه الصفات أثرًا كبيرًا في نفس فويتوا قبل أن يصير البابا يوحنا بولس الثاني. وعند رحيل الطوباوي الجديد في العام 1981 كتب يوحنا بولس الثاني أنه كان "حجر العقد بالنسبة للكنيسة في وارسو وبالنسبة لكنيسة بولندا بأسرها". ولدى وفاته حظي فيشينسكي بتأبين شعبي ووطني كبير في بلاده، لكن البابا كارول فويتوا لم يستطع المشاركة في مراسم التشييع لأنه كان قابعًا في المستشفى بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها في الثالث عشر من أيار 1981.
 

رسالة رعوية

 

ولهذه المناسبة، كان مجلس أساقفة بولندا قد أصدر رسالة رعوية أكدت أن الطوباويَّين الجديدَين اللذين عاشا في القرن العشرين يُظهران للمؤمنين الكاثوليك اليوم كيفية السير في الدرب المؤدية نحو القداسة، مذكرين بأن الكاردينال فيشينسكي الذي كان كبير أساقفة بولندا، قاد مقاومة الكنيسة المحلية في وجه النظام الشيوعي، وقد وُضع قيد الإقامة الجبرية عام 1953، بعد أن رفض إخضاع الكنيسة للسلطات الشيوعية.

 

وأشارت الرسالة إلى أن النشاط الذي قام به ساهم لاحقًا في انتخاب الكاردينال كارول فويتيا حبرًا أعظم عام 1978. أما الأم شاتسكا فقد أطلقت خدمة جديدة لصالح المكفوفين. واعتبر الأساقفة البولنديون أن الله شاء أن يجمع هذين الشخصَين، المختلفين عن بعضهما، ومن خلالهما صنع أمورًا عظيمة. ولفتوا إلى أن العبارات التي كان يرددها الكاردينال الراحل "من أجل الله نفسه" وتلك التي كانت ترددها الراهبة البولندية "من خلال الصليب نحو السماء"، ما تزال آنية جدًا في عالمنا اليوم.

 

وذكر الأساقفة بأن الكاردينال فيشينسكي كان معروفًا بنضاله ضد الشيوعية، لكن الأولوية بالنسبة له، تمامًا كالأم شاتسكا، كانت الاعتناء بالإنسان والكفاح من أجله ومن أجل حريته، كي يستطيع هذا الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله أن يُشع بنور الحرية والحقيقة والمحبة والمغفرة. ولهذا السبب كان الكاردينال الراحل قلقا جدًا بشأن حرية وقدسية الكنيسة، كما كان مهتمًا أيضًا بالخير العام لكل أبناء الأمة البولندية، فكان يسهر على احترام حقوق جميع المواطنين البولنديين، كي يتمكنوا من القيام بواجباتهم. ولفتت الرسالة إلى أن كبير أساقفة بولندا عاش متّحدًا مع الله –حسبما تبيّن في كتاباته خلال فترة الاعتقال التي دامت ثلاث سنوات– ومنه استمد القوة ليضعها بتصرف الآخرين. وكان رجلاً منفتحًا على احتياجات الناس، واضعًا إيمانه وثقته بالله. كما كان يحركه حبّ كبير جدًا وكان يغفر لكل شخص، بما في ذلك المسؤولون عن اعتقاله.

 

وحول الأم شاتسكا، أوضح الأساقفة البولنديون أنها كانت تهتم بالمكفوفين وكانت تريدهم أن يتهيئوا لعيش حياة مستقلة مدركين إمكانية أن يكونوا سعداء على الرغم من إعاقتهم. ومع العلم أنها كانت هي أيضًا مكفوفة، فقد ارتكز نشاطها إلى تعاليم الصليب. وقد ناضلت ضد هذه الإعاقة وتساءلت كيف يمكن أن تحوّل وضعَها هذا إلى مصدر عون لأشخاص آخرين يعيشون في أوضاع أصعب. وأدركت الطوباوية الجديدة أن الألم يمكن أن يصبح مكاناً مميزاً للّقاء مع الرب وبلوغ الحقيقة التي يصعب أن يراها الأشخاص الأصحاء والمهتمون بالأمور الحياتية اليومية. وختم الأساقفة البولنديون رسالتهم مؤكدين أن هذه الراهبة رأت بوضوح تام أننا نقترب أكثر من الله عندما نكون قريبين من المتألمين والمحتاجين.