موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يوم الأحد الماضي 19/10/2025، فرحت الكنيسة بإعلان سبعة قديسين وقديسات جدد. وأود في هذه المقالة التوقف عند أحدهم، وهو شاب علماني، زوج وأب شهيد، يدعى بيتر تو روت. وأعتقد أن شهادة حياته تمس عن قريب حياة الشباب والمتزوجين.
فعند استشهاده كان شابًا صغيرًا بعمر 33 عامًا فقط. وهو بذلك يقدّم دعوة لجميع الشباب لتكريس أنفسهم للإنجيل، وللتبشير، كلٌ بطريقته الخاصة وفقًا لأسلوب حياته. وثانيًا، لكونه زوجًا وربّ عائلة، فقد عرف كيف يؤدي دورًا قياديًا في دعوته الزوجية والمسيحية، إذ يعود استشهاده بشكل رئيسي إلى دفاعه عن قداسة الزواج. لذا، أعتقد أنه في هذا العصر الذي يتعرض فيه الزواج لكثير من التحديات والأزمات، فإنّ هذا أيضًا جزء من إرثه، وهو الدفاع عن قيم الأسرة والزواج. فقد قال قبل ساعات من موته:
"أنا في السجن من أجل من ينقضون عهود زواجهم، ومن أجل من لا يريدون أن يروا عمل الله يتقدّم. هذا كلّ ما في الأمر. يجب أن أموت. لقد حُكم عليّ بالإعدام بالفعل".
هذه الكلمات قالها بيتر تو روت قبل ساعات من وفاته، وتصف أسباب استشهاده، لكنها لا تُفهم إلا بمعرفة وفهم الأحداث الأخرى العديدة التي سبقته، والتي بدونها لا يُمكن فهم حياته العميقة المليئة بالإيمان والقداسة.
عاش بطرس تو روت في جزيرة بابوا غينيا الجديدة. وُلد في عام 1912 في قرية راكوناي. كان والداه من أوائل السكان الأصليين الذين نالوا العماد على يد المبشرين الفرنسيين رهبان القلب الأقدس، فنشأ بيتر كاثوليكيًا ملتزمًا. وفي الثامنة عشرة من عمره فكر في أن يصبح كاهنًا، لكن والده قال إن الوقت مبكر جدًا. لذلك نصحه كاهن رعيته بالالتحاق بمدرسة إعداد معلمي التعليم المسيحي ليستطيع مساعدة المُبشرين على نشر الإيمان بين شعبه. فكان مُعلّمًا نشيطًا وتقيًا كثير الإهتمام بالناس. وفي عام 1936، تزوج بطرس من فتاة كاثوليكية هي باولا لا فاربيت، وأنجبا ثلاثة أطفال.
في عام 1942، وأثناء الحرب العالمية الثانية، احتل اليابانيون جزيرة بابوا غينيا. وكان من أوائل الإجراءات التي اتخذوها سجن جميع المبشرين الأجانب، مع السماح للسكان المحليين بممارسة شعائرهم الدينية. هنا شعر بيتر العلماني بمسؤوليته الخاصة. فحمل مع معلمي التعليم المسيحي الآخرين، التزامًا قويًا تجاه الجماعة المسيحية والمجتمع. فكرّس نفسه لخدمة الكنيسة الصغيرة في بلده.
وقام هو ومعلموه بتعميد الأطفال والمهتدين، وزاروا المرضى، وساهموا في الأعمال الخيرية، وأقاموا صلاة الأحد، ووزعوا القربان المقدس على الكهنة في السجن. ورغم القيود اليابانية على الممارسات المسيحية، نظم بيتر سرًا دروسًا في التعليم المسيحي، وأعدّ الأزواج للزواج، وعلّم الأطفال، وزار المرضى، ووزّع القربان المقدس على القرى، وكان غالبًا ما يمشي لمدة 5-6 ساعات للوصول إليهم.
ثم شنّت الشرطة العسكرية اليابانية حملات قمع مستمرة. ومنعت شعائر العبادة المسيحية والتجمعات الدينية. فبدأ الجيش الياباني باستدعاء جميع معلمي التعليم المسيحي إلى مراكز الشرطة، واستجوابهم بشأن أنشطتهم، وتحذيرهم من أن الحظر الشامل على أي ممارسة دينية صار ملزمًا. حاول بيتر أن يشرح لهم أن ما يفعلونه لا علاقة له بالحرب، فرفضوا أن يصغوا له.
ومع ذلك، ظل بيتر تو روت مقتنعًا بضرورة مواصلة عمله الرعوي حتى لو بقي وحيدًا. فكان يخرج في المساء، سرًا، للصلاة مع بعض المجموعات. كان يُلقي بعض الدروس الدينية، وإذا لزم الأمر، كان يُعمّد أو يرأس مراسم الزواج. كان يُدرك جيدًا أنه في غياب المُبشرين، عليه أن يُمارس دوره كمعلم تعليم مسيحي، حتى لا يترك المجتمعات المسيحية وحيدة.
ومع اقتراب الحرب من نهايتها، وتزايد احتمال هزيمة الجيش الياباني، سعت السلطات اليابانية إلى كسب ود سكان بابوا غينيا فأعادت إحياء بعض العادات الوثنية من الماضي كالسماح بتعدد الزوجات. دفع هذا الأمر بيتر تو روت إلى تأكيد التزامه الكامل بسر الزواج. فإلى جانب ضرورة الحفاظ على شعلة الإيمان متقدة، أصبح هناك التزام بضمان عدم عودة هذه الممارسات، المخالفة لتعاليم الإنجيل المقدس.
وعندما أعاد تأكيد موقفه الرافض لتعدّد الزوجات، وجد اليابانيون العذر الأمثل لاحتجازه. فأُلقي القبض عليه في ربيع عام 1945. وخلال فترة احتجازه، أظهر هدوءًا وقناعة راسخة بأنه أحسن صنعًا في إدانة ممارسة تعدّد الزوجات والدفاع عن الزواج المسيحي، ولم يُبدِ أي ندم، وظل ثابتًا على إيمانه وواجباته كمعلم ديني.
وأخيرًا، في أوائل تموز عام 1945، أصيب بيتر بنزلة برد. وفي يوم وفاته، عندما زارته زوجته ووالدته، طلب بيتر من زوجته باولا أن تُحضر له صليب معلمه وملابسه الجيدة – لأنه أراد أن يكون مستعدًا للقاء الله. وأخبرهما أنه سمع أن طبيبًا يابانيًا قادم للمعسكر، ولكنه يشتبه بوجود خدعة. وهذا ما حصل فعلاً. فقد استغل الطبيب نزلة البرد، فأعطاه حقنة وجعله يتناول ما يُسمّى بالدواء.
بعد فترة وجيزة، بدا بيتر يتشنج وشعر برغبة في التقيؤ، فغطى الطبيب فمه وأمسك الجنود به حتى اختنق. سرعان ما اكتشف باقي المعتقلين في المعسكر ما حدث لبيتر. وفي صباح اليوم التالي، تظاهر الحراس اليابانيون بالدهشة عندما وجدوا بيتر ميتًا. قالوا إنه مات بسبب عدوى، لكن الحشد الذي حضر جنازة بيتر عرف الحقيقة. ومن الدم والكدمات خلف رأسه كانوا يعلمون أن بيتر مات شهيدًا للإيمان.
في يوم إعلان تطويب بيتر تو روت عام 1995، قال بابا العائلة، القديس يوحنا بولس الثاني:
"ينطبق مثال الشهيد أيضًا على الأزواج. كان الطوباوي بيتر تو روت يُقدّر الزواج تقديرًا كبيرًا، وحتى في مواجهة المخاطر الشخصية الكبيرة والمعارضة، دافع عن تعاليم الكنيسة حول وحدة الزواج وضرورة الإخلاص والأمانة المتبادلة. عامل زوجته باولا باحترام عميق، وكان يصلي معها صباحًا ومساءً. أما بالنسبة لأطفاله، فكان يُكنّ لهم كل المودة والحب، ويقضي معهم كل وقت ممكن. ... أعلن بشجاعة حقيقة قدسية الزواج. رفض سلوك "الطريق السهل" المتمثل في التنازل الأخلاقي. وأوضح قائلًا: "عليّ أن أؤدي واجبي كشاهد كنيسة ليسوع المسيح".
وكذلك توجّه للشباب قائلاً: "الطوباوي بيتر قدوة لكم أيضًا. يُعلّمكم ألا تقتصروا على الاهتمام بأنفسكم فحسب، بل أن تضعوا أنفسكم بسخاء في خدمة الآخرين. كمواطنين، عليكم أن تشعروا بالحاجة إلى العمل من أجل تحسين بلدكم، وضمان نموّ المجتمع في أمانة وعدل ووئام وتضامن. كأتباع للمسيح، مُسترشدين بحقائق الإنجيل وتعاليم الكنيسة، ابنوا على صخرة الإيمان المتينة، وأدّوا واجبكم بمحبة. لا تتردّدوا في الالتزام بمهمّة التعريف بالمسيح ومحبته، لا سيما بين أبناء جيلكم، الذين يشكلون الجزء الأكبر من السكان".
وأضاف البابا قبل ثلاثين عامًا: أريدكم أن تتذكروا بيتر تو روت دائمًا. تذكروا إيمانه دائمًا، وحياته العائلية، وعمله كمعلّم دين. لأن بيتر تو روت يُرشدنا إلى الطريق. يُرشدنا جميعًا، وخاصةً العائلات والشباب، وجميع الرجال والنساء الذين يُبشرون بكلمة الله للشعب".
وعندما زار البابا الراحل فرنسيس بابوا غينيا الجديدة، وصف الطوباوي بيتر تو روت بأنه "القديس الذي تحتاجه الكنيسة اليوم". وإن شهادته تذكرنا بأن القداسة ممكنة للجميع في كل مكان. فقصته ليست فخرًا لبابوا غينيا الجديدة فحسب، بل هي أيضًا هبة للكنيسة العالمية – رجل شاب علماني، زوج، أب، ومعلم دين، يُظهر أن القداسة يمكن أن تُعاش في الحياة اليومية.
ولكن بيتر يبقى على وجه الخصوص بطلًا مدافعًا عن قدسية الزواج والحياة الأسرية في عالم اليوم. فهو يشبه يوحنا المعمدان الذي دافع عن قدسية الزواج ومات من أجل الحقيقة. ففي هذا الزمن الذي يتعرّض فيه الزواج للهجوم باستمرار، تُؤكّد حياة "بيتر تو روت" خطة الله للزواج: رجل واحد وامرأة واحدة، وفيّان وأمينان حتى الموت.
أيها القديس بيتر تو روت، صلِّ لأجل عائلاتنا