موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٠ يوليو / تموز ٢٠٢٤
البطريرك الراعي يترأس قداسًا بمرور 75 سنة على تأسيس البعثة البابوية

أبونا :

 

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، الجمعة، قداسًا احتفاليًّا بمناسبة مرور 75 سنة على تأسيس البعثة البابويّة، بمشاركة عدد من الأساقفة والكهنة، ورئيس مؤسّسة CNEWA التابعة لأبرشية نيويورك المونسنيور بيتر فيكاري، والمدير الاقليمي لمؤسسة البعثة البابوية السيّد ميشال قسطنطين، والعاملين في المؤسّسة، إضافة إلى شخصيات عامة ومؤمنين.

 

وبعد إعلان الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك الراعي عظة، قال فيها: "هذا هو الجديد في تعليم المسيح والمسيحية: وهو بطولة محبّة الاعداء، والصلاة من اجل المضطهِدين. إنها ثورة المسيح الربّ وكنيسته على عادة الاولين "بمحبة القريب وبغض العدو" (متى 5: 43). وقد علّمنا الرب يسوع، بمثل السامري الصالح، أننا مدعوون لنكون قريب كل انسان، ولو كان في الاساس عدوًا، في كل مرة عاملناه بالرحمة. فالرحمة هي الباب الى القرابة الحقيقية. وقد علّمنا ربّنا الرحمة كمدخل الى الغفران، يوم غَفر لصالبيه مبرّرًا فعلتهم هذه:" يا أبتِ اغفر لهم، لانهم لا يدرون ما يفعلون" (لو 24:23)".

 

أضاف: "بهذه الروحانية تأسّست وانطلقت البعثة البابويّة في لبنان منذ 75 سنة، وتحديدًا سنة 1949 بارادة من المكرّم البابا بيوس الثاني عشر، على إثر نكبة الشعب الفلسطيني. فاستدعى المونسنيور توماس مكمهون الامين العالم لمؤسسة CNEWA، وأبلغه نيته في تأسيس بعثة خاصة لفلسطين وعيّنه رئيسًا عليها. فكانت مهمّتها جمع الهبات من اوروبا وباقي القارات بهدف المساعدة في الأراضي المقدسة باسم مؤسسة البعثة البابوية على أن يكون مقرّها الرئيسي لتوزيع المساعدات في بيروت. ثم أنشأت لاحقًا مكاتب في القدس وعمّان. فيطيب لي أن أحيّي حضرة المونسنيور بيتر فيكاري، رئيس مؤسسة CNEWA التابعة لأبرشية نيويورك، والوفد المرافق. كما اوجّه تحية الى السيّد ميشال قسطنطين المدير الاقليمي لمؤسسة البعثة البابوية، ولجميع معاونيه والموظفين. وأقدّم لهم جميعًا، باسم مجلس البطاركة  والاساقفة الكاثوليك في لبنان، اطيب التهاني واخلص التمنيات باليوبيل الماسي الخامس والسبعين لمؤسسة البعثة البابوية. فنرفع هذه الليتورجيا الالهية على نيتها وعلى نيّة القيّمين عليها وعلى نيّة مؤسسة CNEWA، فنرفعها ذبيحة شكر لله على كل انجازاتها كعلامة لمحبة الله، وعلى جميع المحسنين إليها وبواسطتها، فتمكنت من القيام باعبائها الكبيرة. ونرفعها ذبيحة استغفار عن كل تقصير امام الحاجات المطروحة عليها والكبيرة. وهي تعاهد الله بالتعويض عن التقصير. ونرفعها ذبيحة استشراف لمستقبلها، فاليوبيل وقفة ضميرية لاعادة النظر في كل شيء تحت انوار الروح القدس الذي يوحي الينا والى القيّمين على البعثة البابوية ما يجب فعله اليوم وفي الحقبة التي تفصلنا عن يوبيل المئة سنة على تأسيسها".

 

وأشار إلى أنّ المؤسّسة "نظّمت عملها بتشكيل سبع لجان محلية ضمّت الممثل البابوي واكليروسًا وعلمانيين ورهبانيات ومؤسسات خيرية؛ وراحت توزّع المساعدات على عرب فلسطين في الضفة الغربية ولبنان ومصر وسورية والضفة الشرقية واسرائيل وغزة. وفي السنوات التي تلت تأسيسها، وزّعت البعثة البابوية كميّات كبيرة من الاطعمة والالبسة والمواد الطبّية وسواها من المواد الاساسية، بالاضافة الى بناء العديد من المنازل، كما أنجزت العديد من برامج التدريب والتعليم المجّاني لتأهيل آلاف اللاجئين من خلال مهارات جديدة بدرجة عالية من التعليم. ومع بداية الحرب في لبنان، تركّز اهتمام البعثة البابوية على مساعدة جميع المتضرّرين دون تمييز لجنسيتهم أو دينهم. وها هي تقدّم المساعدة للكنائس في لبنان والعراق والاردن وفلسطين وسوريا، التي تشمل مساعدات اغاثة ومساعدات انمائية وخدمات، بالاضافة الى الدفاع عن حقوق الانسان، ودعم العدالة والسلام".

 

وأوضح بأنّ عمل البعثة البابويّة ينقسم إلى مجالين أساسيين: الأول، مجال العمل الكنسي والرعوي من خلال برنامح دعم الاكليركيات في لبنان ومصر وسوريا والعراق، ودعم معاهد التربية الدينية التي تؤمّن التنشئة الصحيحة والفعّالة لشرائح المجتمع كافة من اطفال وشبيبة وعائلات. أما الثاني، مجال العمل التنموي لمؤسسات الكنسية، بغية تطويرها ومساعدتها لتحسين ادائها، وايضًا الرعايا والبلديات والمناطق، نذكر من بينها: بثّ الحياة في القرى والبلدات التي تعرّضت للتهجير، وتشجيع العودة اليها، من خلال ترميم المدارس، والبيوت والكنائس والبنى التحتية من كهرباء وماء وزراعة وانتاج. هذه البرامج نُفذت في مناطق الشوف وعاليه وشرق صيدا وجزّين والمتن الأعلى؛ دعم المؤسسات الكنسية ذات الخدمات الطبية كالمستوصفات والمستشفيات، ومساعدتها على تطوير عملها؛ دعم المستشفيات التي دمّرت بنتيجة تفجير مرفأ بيروت باصلاحها وحفظ طاقمها الطبي والتمريضي فيها؛ مساعدة المؤسسات التربوية والمدارس على تطوير عملها، وتجديد معداتها التكنولوجية واساليب التعليم التّي من شأنها ان تحافظ على ريادتها، كما ساعدت بعضها اثناء الانهيار المالي؛ وتجاوبًا مع دعوة قداسة البابا فرنسيس، تُعنى البعثة البابوية بالعمل من خلال مؤسسات كنسية على نشر الوعي ومساعدة ضحايا الاتجّار بالبشر على صعيد اقليمي يطال دول المنطقة المحيطة بلبنان، وحماية القاصرين والضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة".

 

وتابع البطريرك الراعي في عظته: "أحبّوا اعداءكم، وصلّوا من اجل مضطهديكم" (متى 44:5). كم عالمنا بحاجة الى هذه البطولة المسيحية التي تعطي معنى لحياتنا، بدلًا من مبدأ "العين بالعين، والسنّ بالسنّ" (متى 38:5). انها الثقافة الاجتماعية الجديدة التي من شأنها وحدها وضع حدّ للحروب والنزاعات، والذهاب الى المفاوضات السلمية بدلًا من حروب التدمير والقتل والتهجير.

 

وفي الختام، جدّد النداء بالقول: "ليس بالسلاح تُحلّ النزاعات، بل بالمفاوضات. فالسلام ليس فقط غياب الحرب، بل فعل العدالة وصنعها، وثمرة المحبّة. فكيف يساهم بالسلام من يُغذّي في داخله مشاعر الحرب. هذا هو تعليم الكنيسة الرسمي والدائم، ولهذا السبب لا نستطيع القبول بالحرب، لانها قبول بالتدمير والقتل والتهجير والفقر والحرمان ومآسي السكان الآمنين، كما هي الحال في غزّة وفي جنوبي لبنان".