موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
السفير البابوي لدى الأردن المطران جوفاني بيترو دال توسو
الإخوة، والأخوات الأعزاء،
أعضاء السلك الدبلوماسي،
عزيزي المونسنيور فاكاري، رئيس البعثة البابوية،
يشرفني أن أترأس هذا القداس الاحتفالي بصفتي سفيرًا بابويًا، في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس البعثة البابوية، مقدمًا تحياتي الخاصة للرئيس المونسنيور فاكاري. لقد وجدت أن الآية التي رددناها بعد القراءة الأولى تعبر بصورة جيده عن موقفنا اليوم وهو "أن الرب لا يتخلى عن شعبه".
حقيقة أن: الرب لا يتخلى عنا، فنحن شعبه. هناك علامات كثيرة تثبت حضور الرب وتقودنا إلى إعلان هذا الإيمان الذي أود أن نردده في قلوبنا وهو: انّ الرب لا يتخلى عن شعبه. الرب لا يتخلى عني. ومن أجل أن نصل إلى هذا الإيمان ونعترف به، فإننا نحتاج إلى الرجوع إلى الموقف المذكور في الإنجيل، وذلك بأن نكون صغارًا أمام الرب. في الحقيقة، نستطيع رؤية حضور الرب في حياتنا فقط حين ننظر إليه بعين الله. إذا أبدينا تظاهرًا فقط أمام الرب، وإذا طلبنا فقط ما نجده مهمًا، وإذا اعتبرنا أن خططنا هي الخطط المثالية لنا، فلن نتمكن من رؤية كيف يعمل الرب في حياتنا. فالمقصود بكوننا "صغارًا" هو: لا للتظاهر، بل للثقة، تمامًا كما يشعر الطفل بها وهو بين يدي والديه.
فبكوننا صغارًا، يمكننا أن نرى عطايا الله العديدة. يمكننا أن نرى أعظم هدية قدمها لنا، وهي ابنه يسوع المسيح. وفي المسيح، نرى أن الله لا يتخلى عنا، لأنه أرسل ابنه لخلاصنا. فالمسيح هو أهم علامة تؤكد أن الله يهتم بنا، وأنه يريد أن يلتقي بنا، وأنه يحبنا. ففي موت المسيح وفي قيامته، نرى كيف أن الله على استعداد لأن يتألم من أجلنا، حتى يمنحنا القوة، والحياة، والأمل. وبمعموديتنا ننال القوة والحياة والأمل، إضافة لذلك، فمن خلال معموديتنا نستقبل القوة، والحياة، والأمل لأن معموديتنا هي الطريق التي نشارك بها في موت المسيح وقيامته. فهو لا يهتم بنا فحسب، إنما يحيا بنا بفضل المعمودية.
دعوني أركز على "عطية المعمودية". فالله لا يتخلى عنا وهو حاضر فينا. لقد أكد البابا فرنسيس، في إعلانه السنة المقدّسة 2025، على أهمية تجديد معموديتنا. ونحن في الأردن، حري بنا أن نفرح بوجود موقع المعمودية – المغطس الذي اعتمد فيه يسوع هنا. إنها مناسبة رائعة لتجديد معموديتنا وإيماننا واعترافنا بأن الله لا يتخلى عنا.
بالمعمودية، نحن أيضًا جسد واحد في المسيح، حيث يعتني العضو بالعضو الآخر. لذلك، يمكننا أن نحتفل اليوم بحقيقة أن الكنيسة الجامعة أرادت قبل خمس وسبعين سنة إنشاء مؤسسة خاصة لمساعدة الشعب الفلسطيني بعد نكبة عام 1948. وجميعنا يدرك معاناة ذلك الوقت، التي شملت أيضًا مملكة الأردن.
ولكن علينا أن نتذكر اليوم بامتنان بأن الكرسي الرسولي، بفضل البابا بيوس الثاني عشر، كان مهتمًا بأهل هذه المنطقة، ولهذا السبب أنشأ البعثة البابوية بغرض مساعدة الناس في معاناتهم ومساعدة الكنيسة المحلية في نشاطاتها. وتواصل هذا العمل لمدة خمسة وسبعين عامًا، وتستمر البعثة البابوية اليوم في دعم المسيحيين وغير المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. إنها علامة على أن الكرسي الرسولي لا ينسى ما يحدث هنا والصعوبات التي نكابدها.
وهنا أقول بشكل خاص، بعد ما شهدناه في السابع من تشرين الأول، وفي الأشهر التي تلته، دعا البابا فرنسيس والكرسي الرسولي بشكل عام دائمًا إلى السلام والوفاق، ولإطلاق سراح الرهائن والسجناء، ولوقف إطلاق النار ولإنهاء الحرب، وللاحترام وللدعم الدولي لسكان غزة، وبشكل عام، للشعب الفلسطيني ولحقه في أن تكون له دولة مستقلة. إن ما بدأه البابا بيوس الثاني عشر يستمر اليوم مع البابا فرنسيس.
واقتبس في هذا الصدد ما قاله البابا القديس بولس السادس قبل خمسين عامًا: "إن البعثة البابوية هي إحدى أكثر العلامات التي توضح اهتمام الفاتيكان بخير الفلسطينيين، الذين نعتز بهم بشكل خاص". وبهذه الطريقة، نحن ممتنون لنشاط الكرسي الرسولي، ولدوره الدبلوماسي والإنساني، الهادف إلى دعم جميع المسيحيين وسكان الشرق الأوسط كافة. وأتذكر هنا كلمات الكاردينال بيترو بارولين، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، الذي كتب في الشهور الأخيرة: "إن المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط هي أولوية بالنسبة للكرسي الرسولي".
دعونا نعرب اليوم عن امتناننا الخاص للبعثة البابوية لاهتمامها بالشرق الأوسط، وأنا ممتن بشكل خاص لوجود مكتب هنا في عمّان، حيث تواصل البعثة البابوية، من خلال موظفيها المؤهلين، تقديم المساعدة من خلال نشاطها الرعوي والإنساني للأردنيين واللاجئين. إنني أقدم شكري من أعماق قلبي. إن عملكم هو حجر الأساس في بناء شرق أوسط ينعم بالسلام!
كل ذلك ممكن، حيث أن هناك أشخاصًا في جميع أنحاء العالم يقدمون لنا المال ويصلون معنا ومن أجلنا. ومن هنا ترون أين تكمن أهمية الإرتباط بالكنيسة الجامعة بالنسبة لنا. حقًا إنّ الرب لا يتخلى عنا. الكنيسة لا تتخلى عنا. دعونا نصلي ونأمل أن تساعدنا هذه المناسبة اليوم على تنمية ثقتنا بمحبة الله وبمودة الكنيسة الجامعة. آمين.