موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ١٨ مايو / أيار ٢٠٢٤
البرغش

الأب منويل بدر :

 

مَن لم يتشكَّ مرة أنّه سواء أثناء المشاوي أو العمل في البستان أو في النوم العميق، خاصة في الأيام الحارة، قد شعر بقرصة البعوض المعروف تحت اسم برغش. إن هذا البعوض هو أكبر عدوّ لَدودٍ نخافه في الصيف. وللعلم إن البعوض الذكر لا يقرص بل هي الأنثى التي هي دائما تفتش عن إنسان لسرقة الدم منه، لأنها بحاجة له كفيتامين للبيض قبل ما تضعه في الطبيعة. لكن البرغش على أنواع، منه ما هو مؤذي ومنه غير المؤذي، فكيف نميزهما عن بعضهما البعض.

 

هذا هو الوقت الذي نبدأ نسمع فيه طنين هذا البعوض المتواصل، ونحاول بحركة من يدنا أن نقبض عليه أو أقلّه أن نبعده عنا، بل أن نبعد طنينه المزعج عن آذاننا، فكثيرا ما نستيقظ من غفوتنا إما بسبب طنينه المزعج أو لأنه كان آلمنا بقرصته الحادة. ومن المتوقّع هذه السنة ازدياد كثرة البعوض مقارنة بالسنين الفائتة. يسمى البعوض الذي يقرص بشارب أو ممتص الدم. ولامتصاص الدم الكافي الذي يحتاجه يكون هجومه عنيفا ومتكررا. وهو النوع المسمى "البرغش النمر" أي tiger mosquito.

 

فالسؤال الآن ماذا يجول في خاطرنا حينما نسمع كلمة بعوضة أو برغشة؟

 

البرغشة هي حشرة من الحشرات الغريبة في تركيبها وحياتها، فهي قبل أن نفكّر بقرصتها المؤلمة يجب أن نعرف بأنها من الحشرات المفيدة جدا في الطبيعة للحصول على مواد غذاء للكثير من الكائنات والطيور في الجو. فأثناء وجود اليرقات (اليرقة هي بعد تفقيس البيض في الماء حيث تُلقي البرغشة الأم البيض وتفقس اليرقات (اليرقة أو اليرقانة هو أول طور من نمو الحشرة بعد تفقيس البيض أي ولادته) هي غذاء للأسماك على أنواعها، إن فقّست في مياه البحار، وبالأخص للطيور في الفضاء التي تحوم وقتاً طويلا في الجو لتلتقط طعامها من هذه الحشرات الطائرة أيضا. فحينما تخرج أفواج البرغش من الماء وتبدأ بالطيران هي غذاء لذيذ لكثير من الطيور الحائمة في الجو مثل العصافير والخفاش والسنونو وغيرها. فلهذه الحشرات إذن حسناتها الإيجابية في الطبيعة.

 

كذلك البرغش هو حشر ضروري في الطبيعة كالنحل يساعد على التلقيح وخلق عملية التطعيم المهمة في الحقول لكثير من النباتات التي تُزهر. ثمّ هناك نقطة مهمة لفوائد البرغش، فمنه قسم كبير تضعه البرغشة الأنثى كبيض تحت قشرة الأرض وهذا البيض العديد هو سماد مهم لتخصيب المزروعات. فالطبيعة ما خلقت البرغش للإزعاج فقط بقرصاته المؤلمة. إجمالا يَعرف العلم 28 نوعا من البرغش المتنوّع، فهي مثل تسلسل العائلات البشرية، أي من جدّ واحد تتفرّع عائلات كثيرة ترجع كلها إلى الجَدّ الأول. من هذه الفصول 3 أنواع فقط تحتاج وتسرق الدم منا بقرصاتها. وهنا السؤال: لماذا يشرب البرغش دم الإنسان أو يحتاج له؟ علما بأنه يتغذى من طعام آخر، أي من رحيق وعصارات نبتات أخرى كما ويشرب الماء، إذ هو يلد في الماء، لكن وهذا ما لا يعرفه الكثير إن الأنثى وحدها من البرغش هي التي تقرصنا لأنها تحتاج البروتين الذي في دمنا الذي يحتاجه البيض الذي تضعه حتى ينتج وافيا) (البروتينات هي مركبات مركزية ذات وظائف عديدة، توجد في كل الأنسجة وتشكل جزءا من كل عملية تحدث في الجسم).

 

وتحتاج الأنثى هذه المادة أي البروتين حسب نوعها، وتفتش عنها على حسب نوعها أيضا، فهناك برغشة لا تؤلف عائلة إلاّ مرة واحدة في السنة، فهي تهاجمنا مرة واحدة في السنة، أما غيرها فيؤلّف عائلة عدة مرات فيحتاج دائما إلى دمنا، وأقول إلى إزعاجنا. أما الأنثى فهي متعددة الأنواع، منها ما يعيش في الغابة ومنها في الحقول ومنها في البيوت. ففي بداية الربيع تنتشر أنواع عديدة تتفرق عن بعضها.

 

هذا وإن الأحوال الجوية التي تمر علينا هي العامل الأكبر لانتشار أنواع البرغش في محيطنا، فزخات المطر المتقطّعة تُحدث تجمع بقع المياه المحبّذة لوضع البيض فيها، من هنا ظهور البرغش مبكرا وبكثرة في هذه الأجواء وهي وباء مزعج، خاصة إذا تبع زخات المطر طقس حار، فهذا يساعد بل يسرع في التزاوج السريع وكثرة وضع البيض السريع، والتفقيس السريع، فيصبح فعلا وباء مزعجا للبشر.

 

هذا وإن كثيرا من هذه الحشرات، التي تظهر مبكّرة، كانت في الأرض أو المناقع الشتوية كبيض فقّست الآن سريعا بارتفاع درجات الحرارة المبكّرة وساعد على انتشارها المبكّر في الطبيعة ونموه والانتشار المزعج، وهي من نوع العائلات التي تؤسس عائلة مرة واحدة في السنة. لكن ان ظهر النوع الذي بوسعه تأسيس عدة عائلات في السنة، منها العائلة التي تفقس وتعيش في البيوت، فهذه الفئة تفتش عن أماكن دافئة لا صقيع فيها طيلة فصل الشتاء، فتكون حياتها أطول لأنها تُخزّن في نفسها طاقتها التنفسية الطبيعية بل لا تستعملها في بداية حياتها. وحال تبدأ الحرارة ترتفع تبدأ عملية الجماع، ففي هذا الوقت تحتاج الأنثى إلى شرب الدم لإغناء وإنعاش البيض الذي ستضعه تحت حرارة معينة. فكلما كانت ولادة جيوش البرغش مبكرة كلما ازدادت إمكانية وضع البيض لمرات أخرى في السنة. وهذا يعني إزعاج الإنسان المتكرر للحصول على بروتين دمه للجيل اللاحق. هذا وكلما كان الجو ملائما كلما صارت إمكانية وضع بيض لعشر مرات في السنة، وكل أنثى تستطيع وضع 359 بيضة في حياتها القصيرة، وهذا يعني إزعاجنا لعشر مرات في السنة لشرب دمنا.

 

وأكرر بدون كثرة البرغش في الطبيعة لجاعت طيور كثيرة، غذاؤها هو الحشرات وليس مواد غذائية من منتوج الأرض. ونقول من جديد إن أشرس أنواع البرغش هي المسماة البرغش النمر، ومصدرها أسيا وتتأقلم في الجو الذي تتواجد فيه. فمثلا عندما لا تلاقي أي بقعة ماء ملائمة لتضع البيض فيها، لكنها تجد علبة كوكا كولا فيها بعض الماء من المطر فهي تستعملها كمكان للتكاثر، خاصة نوع البرغش المسمى البرغش النمر.

 

كذلك مزاريب الماء المسدودة، أو بُرَك السباحة المتروكة أو براميل ماء المطر وأباريق رش الماء المفتوحة، هي أماكن مرغوبة لوضع البيض فيها. فلتحاشي ذلك يجب تفريغ هذه الأوعية من الماء وقلبها على رأسها أو وضع مادة سم غير مضرة للإنسان في الجهاز الكبير الذي لا يمكن قلبه.

 

لماذا البعوض المُسمى البرغش النمر هو مضر لنا نحن البشر ويختلف عن الأنواع الأخرى؟ هجوم البرغش الآخر غير مضر فهو بحركة أيدينا يهرب ولو أنّه يرجع لعدة مرات لكنّه لا يؤذينا بقرصاته. أمّا هجوم البرغش النمر فهو مختلف وعنيف، فهجومه هو هجوم انتحاري وسريع وعندما يقترب منا يكون صفيره مزعجا لآذاننا فنرفع يدنا أو الحرام الذي نتغطّى به باتجاه صوته لنطرده لكنه لا يخاف ولا يبتعد سوى أنه يقلب اتجاه هبوطه وينقض على جسمنا ليعضّه ويشرب دمنا بقرصة مؤلمة، نقدر أن نقول بقرصنة مؤلمة ويهرب. كذلك يفعل بمن يوقد نارا لحفلة شوي لأصحابه في البستان، فهو ينغّص على المشتركين ساعة فرحتهم أثناء أكلهم إذ يتجمع حول النار بكثرة ويحوم فوق رؤوس المتجمّعين. فالفرحة تنقلب إلى ترحه.

 

هذا ويجب القول إن قرصة البرغش النمر هي خطيرة إذ يمكن أن ينقل أمراضا مُعدية أو حساسية دائمة أو فايروس من شخص لآخر، تحتاج كلها إلى علاجات ومراجعة أطبّاء اختصاصيّين. وهذا واقع إذ تقول الإحصائية أنّ عددهم يصل بالسنة إلى حوالى 400 مليون مصاب.

 

هذا البرغش المهاجم عنده حاسة شم يتعرّف فيها على الجسم الذي فيه بروتينه الضروري من اتجاه تنفسنا الذي نسميه ثاني أكسيد الكربون وهذا يُحدث فيه جاذبية التقرّب لجسمنا. كذلك رائحة العرق البشري هو دافع ثاني جذّاب للبرغش. كذلك استعمال بعض العطور تجذب اقترابه منا، إذ هي أحسن إشارات تدله علينا ليهاجمنا. هناك نصيحة بعد القرص، تُعد الألف والياء لعدم العدوى وهي عدم الحكحكة إذ هذه تسهلّ ادخال وتوسيع الميكروبات والأمراض المعدية التي يضعها البرغش في جسمنا. نعم الحكحكة، يقول الطب، توسّع مكان العدوى وتساعد على انتشاره.

 

لكن لماذا نشعر بضرورة حكحكة قرص البعوض، يجيبنا الأطباء المختصون على هذا السؤال: قرصة البرغش تَحدُث وتُحدِث بثانية عدة نتائج: البعوضة تحقن رحيقها في مكان العضة، فينتج عنه 3 نتائج: الدم يسيل بسرعة ويمنع تجمّده ويوسّع الشرايين لامتصاص الدم منه بسهولة، ممّا يسهّل على البرغش ويعجّل امتصاص الدم الحاوي على البروتين الذي هو بحاجة له. عندما يشعر الإنسان بالقرصة يصبح حساسا جدا في ردة فعله فيتحول لون مكانها إلى أحمر وتنتفخ فيشعر الإنسان بالحاجة إلى حكها. وهذه الحركة تساعد على انتشار الميكروب الذي يتركه البرغش مكان العضة ويتفرّع حواليها فيشعر الجسم كله بحدوث ضرر فيه.

 

ماذا يساعد على تخفيف الشعور بالحكحكة؟ قالوا: الجدّات اللواتي ما عرفن الطب الذي نعيشه نحن، كُنّ ينصحن بلحس أو وضع لعاب مكان القرصة. فهل هذا حقا علاج ناجع؟ هو علاج سريع، لأنه ينظّف ويخفف مكان القرصة من سموم البرغشة لكنه غير شافي، فالمقروص يشعر لفترة تحت تأثير اللعاب بخفة ضرورة الحكحكة تنتج عن تبريد مكان القرصة لكن الإحساس بضرورة الحكحكة فيعود سريعا بزوال فترة البرودة التي يُحدثها اللعاب. إنّ الحكحكة، يقول الأطباء، تُوسّع جرح القرصة فينتشر سم البرغشة الذي تتركه وراءها في المنطقة ويلتهب مكلنها.

 

بالتالي ما هو العلاج ضد حكحكة البرغش؟ هناك علاج طبي سريع يُرش على مكان القَرصة متوفر في الصيدليات، لكن إذا لم يكن هذا العلاج تحت متناول اليد فينفع مسح المكان بشريحة بصل، إذ في عصير البصل عصير الكبريت الذي هو مطهّر ومضاد للجراثيم ويساعد في شفاء الجروح وتخفيف تهيّجها. كذلك يُنصح مسح المكان بكحول، فهذا ينقي ويطهّر، وساعة نشافه يسبب برودة في المكان المقروص. والأفضل استعمال الكحول الصافية لتنظيف المكان وقتل الجرثوم المنقول بواسطة البرغش.

 

كذلك يشرح الأطباء، لماذا تساعد الحرارة من تخفيف ألم قرص البرغش؟ الأطباء ينصحون بتطهير مكان القرصة وتسليط الحرارة عليها بدرجة 50% إذ الحرارة تساعد على تدمير الإنزيم (مادّة مُعيّنة تعمل كمحفّز في أجسام الكائنات الحيّة) التي تسبب الحكحكة. كذلك البَرْد له نفس المفعول. فمن يشعر بالحكحكة يمكنه غط قطعة قماش ووضعها على مكان القَرصة. بعد هذا كله إن أجمل جلسة مع الأصحاب هي حديثنا عن قرصات البرغش فكل واحد انقرص يخبر أين كانت قرصته وما سببت له من ألم ووو..