موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
توأمان مختلفان بل متضاربان ولو مصدرهما واحد. وجع الرأس يختلف عن الصداع، لذا نتساءل من البداية عن العوامل التي تسبّب كلاً منهما. هناك طبيبة ألمانية صنّفت وأقامت لائحة بأنواع وجع الرأس وقالت: الطب يعرف اليوم 250 نوع وجع رأس مختلفة، وقالت للأنواع الاعتيادية المعروفة هناك إمكانية مساعدة المصاب بالأدوية المتوفرة في الصيدليات، لكن الأطباء يحذرون من الاستعمال المفرط لهذه الأدوية، إذ بالتالي هي لا تقود إلى تخفيف بل إلى زيادة الآلام. فمن الصعب من البداية تحديد أي نوع وجع رأس نُصاب به حتى نتناول العلاج الصحيح ونتخلّص منه. لذا فعلى مَن يُصاب بوجع رأس متكرّر أن يتحدث مع طبيب متخصص ليصف له العلاج الملائم.
وما يجب معرفته من البداية هو أن نميّز بين وجع الرأس والصداع. وجع الرأس يقع ضحيته عادة الرجال وأمّا الصداع فيصيب النساء أكثر. شيء إيجابي فيه، وهو أنّ موجة الصداع تخف عند النساء أثناء فترة الحمل، ولكن بالعكس فهو يزداد عند بلوغهن بما نسميه عمر اليأس وبعدها يبدأ بالتناقص بل وكثيرًا ما يزول نهائيًا. كذلك عند الرجال فكلما كبروا بالسن كلما خفّ الشعور بالصداع.
إلى جانب مسبب وجع الرأس هناك عوامل أخرى تسبب الصداع، خاصة المسمى الصداع النصفي. وهو أكثر أنواع وجع الرأس المعروفة، وهو يصيب كل الأعمار، وبشكل خاص يكثر الشعور به ما بين سن الـ15 و50 سنة، بنسبة 3 نساء لكل رجل واحد. فقبل أن نتساءل عن علاجه، نحاول تعريف ما هو الصداع.
الصداع هو ألم في الرأس يبدأ في المخ مركز الأعصاب التي تعطي إشارة عن وجود عضو متضرر في الجسم. من طبيعته أنه نوبة مَرَضية شديدة تتكرّر وتدوم ما بين 4 إلى 72 ساعة. وكثيرا ما يرافقها عوامل إضافية مثل الغثيان والتقيؤ وعدم احتمال الضجة والانزعاج من الضوء القوي. وجع الرأس هو احصائيا بين 10 إلى 30% صداع وأعراضه أيضا كالصداع، عصبية المنشأ تؤثر على النظر فلا يعود صافيا بل مغبرّا ويسبب ألما في العيون فتدمع كأنها ملتهبة وأحيانا يسبب عدم الرؤية في عين دون الأخرى. بل وأحيانا ينتج عنها التلعثم في النطق والتعبير.
كما وهناك صداع يحدث في الأذن ويسبب قلّة السمع أو إزعاج الطنين المعروف بكلمة Tinnitus يرافقه الترنّح في المشي. أو الضعف في بنية العضل أو الشلل الجزئي في أحد أعضاء الجسم. أما الإصابة بالصداع فهي متنوعة بتنوع البشر. فإن كثُر حدوثُه في وقت قصير وبقاءوه بلا علاج، فهو يصبح مزمنا، مثلا إذا تكرر في ثلاثة شهور حوالى 15 مرة في الشهر الواحد، وعند البعض على الأقل كل 8 أيام. أمّا ما يجب معرفته فإن الشعور بالصداع هو أقوى من الشعور بوجع الرأس ويزعج الحياة اليومية أكثر، إلا أنّه أقل ضررا من وجع الرأس ولا يدل على حالة مرضية في الجسم. من ميزاته أنه يدوم بدون علاج ما بين 4 إلى 72 ساعة، وعادة ما يشعر به الإنسان من جهة واحدة ينتقل مرارا إلى الجهتين فتزداد عدد نبضات القلب. ويزداد ضغطاً خاصة إذا كان الإنسان يمارس شغلا دقيقا ويحتاج التفكير أو الحركة الدائمة، وكما ذكرنا يرافقه تقيؤ وإزعاج من الضوء القوي والضجة العالية.
يبدأ الصداع عادة ما بين عمر الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، يحدث على أثرها زيادة الضغط في منطقة الرأس ومفعوله مختلف باختلاف الأشخاص الذين يصابون به. لكن شدة الصداع تتناقص ابتداء من سنّ ال 45 كما وإنه لا يصيب دائما أو يبدأ بجهة معينة من الرأس بل إنَّ كلا الجبهتين معرّضتان للشعور به. إلا أنّه غالبا ما يبدأ بالجبين أو جانبيا وينزل إلى العينين وبالتالي يشعر الإنسان بوجع راس كامل، ويسبب فقدان الذوق أو أيضا سيلان الدمع من العين والأنف. وفي بعض الحالات يشعر البعض بعلامات قدومه قبل يومين أو ثلاثة من حلوله، بحيث يحدث تغيير في المزاج، أو الشعور بجوع كبير أو أيضا فقدان شهية الأكل، ثمّ الإصابة بالتثاؤب المتكرر، كما وعدم التركيز في العمل المطلوب، كذلك زيادة الشعور بالعطش الدائم وبالتالي الحاجة إلى التبول الكثيف. وعندما يزول هذا الصداع يشعر البعض بالجوع الكبير لبعض المواد الغذائية، وبالتعب وعدم قابلية عمل أي شيء أو الحركة الزائدة لمدة 24 ساعة تقريبا ومرات الإصابة بالدّوخان وعدم الاتزان أثناء المشي.
هناك صداع يُسمّى دهليزي، وهو التهاب العصب الدهليزي أي اضطراب عرضي يتميز بظهور الأعراض الدهليزية التالية (الدوخان وفقدان التوازن والغثيان و/أو التقيوءأو الانزعاج من الأضواء والأصوات العالية) هو حالة مَرَضِية تتميز بنوبة شديدة ومفاجئة من الدوران أي إحساس كاذب بالحركة، يشعر بها المصاب بالصداع الشديد حينما يستلقي على ظهره في الفراش ويحرّك رأسه أو يديره من جهة إلى أخرى.(إن كاتب هذه السطور قد أصيب مرّة بهذا الصداع ليلة آخر يوم من السنة على بداية رأس السنة الجديدة، ولم يقدر من الدوران والدوخان أن يقف على رجليه، ولعدم وجود كاهن آخر للقيام بالقداديس، فقد ألغي الإحتفال بالقداديس في كلا الرعيتين اللتين كان يخدمهما). هذا وللصداع الدهليزي، حتى بدون وجع الرأس، عواقب منها ارتجاف الرموش، الضغط في الأذن والنقص في السمع. كما وعدم رؤية واضحة للأشياء المتحركة للتعرّف عليها بسهولة. وفي حالات نادرة يصاب الانسان بسكتة دماغية، تُتْلِف الدماغ إلى درجة كبيرة كالشلل النصفي. أو أيضا الصرع والطرش الكامل كما والنسيان.
هناك أيضا نوع اسمه الصداع العنقودي، وهو أيضا من أصعب أنواع وجع الرأس أو الصداع. ولو أنه من الأوجاع النادرة بحيث يصيب فقط 1% على 1000 ومعظمهم من الرجال. من خاصياته أنّه يمكن الشعور به مرة واحدة في اليوم ولعدة أسابيع، من هنا تسميته بالعنقود لأنه متواصل. من ميّزاته: ألمه قوي، الشعور به كلهب طاحن وخارق في الرأس. يدوم ما بين ربع ساعة إلى ثلاث ساعات. يدخل بدون انقطاع لأيام أو أسابيع ودائما في أو حوالى نفس التوقيت، وغالبا ما يكون في الفترة الصباحية. من دلائله أو علاماته: تسكير الأنف (ضيق التنفس)، احمرار في العينين وتهاطل الدموع ، كما وسيلان العرق على الجبين. أما سببه فقد يكون عارضا من العوارض مثل الرشح أو تشنّج الأعصاب وعدم الراحة في العمل. وما يجدر ذكره، فإن كثيرا من النساء يكافحن مع هذا النوع من المرض بسبب العادة الشهرية أو حين وصول فترة انقطاعها. كذلك تناول أدوية متنوّعة مثل حبوب تخفيف الهرمونات او القلب أو الضغط.
الصداع عند الأطفال يختلف بكل مراحله. إذ مدة الشعور به هي قصيرة عندهم ويزول بعد ساعتين، ونادرا ما يكون صداعهم من جهة واحدة، لذا فالتقيؤ والغثيان هي أقوى عند الأطفال منها عند الناضجين.
أسباب الصداع مبدئيا هي غير معروفة، لكن من الواضح أن الصداع هو ألم بالرأس مستقل، غير مرتبط بمرض آخر. وثابت أنه 70% كثيرا ما يكون وراثي في العائلة، فإن كان الأهل أو الأجداد مصابون به فهو حتما ينتقل إلى أقربائهم الدمويين. ولا بد من ذكر سبب آخر عند النساء وهو العادة الشهرية حيث ينقص عندهن إنتاج هرمون الاستروجين (هو اسم يطلق على مجموعة هرمونات لها دور هام في نمو وتطور الخصائص الجنسية للإناث وعمليات الإنجاب). انتاج الأستروجين يُساعد على الحماية من مرض تَرَفُّقَ العظام (ضعفها) الذي يدعى هشاشة العظام Osteoporosis، فيحدث انكسار العظام لأسباب تافهة.
هنالك أيضا نوع صداع يسببه تقلبات الطقس، فهو كثيرا ما يسبب الصداع عند الرجال والنساء، الذي ينتج عنه الرشح. فغالبا ما يأتي الصداع بحلول موجة باردة بعد موجة حرارة عالية. أو التنقّل بين الجبال والوديان، فتلعب كثرة الأكسجين أو قلّته دورا بارزا في تسبب الشعور بالصداع. هذا ولا ننسى شرب الكحول، فهو كثيرا ما يكون سبب الشعور بالصداع صباحا عند النّهوض من النوم. دون أن ننسى أنّ قلة النوم هي سبب آخر. ولا ننسى عدم الانتظام بتناول الطعام، عدم الحركة، تعاطي الأدوية الثقيلة، خاصة حبوب منع الحمل عند النساء أو التقوية الجنسية عند الرجال، أو المضادات الحيوية (antibiotics)، أو حبوب وجع القلب أو الضغط، فهي مسبب كبير لحدوث الصداع. ولا ننسى فترات اكتئاب في الحياة أو الخوف من المسؤولية تسبب حدوثه. وهناك سبب لن نتعب من التذكير به، وهو طول الجلوس أمام الكمبيوتر وكثرة التحليق في شاشة الجهاز.
فهل من علاج للصداع؟ إن أول مرجع للتشخيص هو الطبيب، بعد شرح أسباب وأوقات الإصابة به. هذا ولأنه أنواع، كما ذكرنا، فالأصح هو استعمال دفتر إحصائي في البداية لمدة 4 إلى 6 أسابيع بدقة، مع ذكر الأوقات وطول الإصابة وذكر بعض أسباب الإصابة به وإطلاع الطبيب عليها. ولا بدّ للطبيب من أن يفحص الجهاز العصبي أوّلا، حتى يتمكن من اكتشاف سبب الإصابة أو الشعور به.
كثيرون يستعملون أدوية وجع الرأس العادية للتخفيف من ضغطه وينسون أن كثرة تناول هذه المسكِّنات تسبب وجع رأس دائم. ولئلا يحدث هذا ينصح الأطباء عدم استعمال هذه الحبوب لأكثر من 9 أيام في الشهر. لكن أيضا عدم علاج أو عدم الاهتمام بالصداع قد يُصبح مُزمنا. أمّا ما يساعد في تخفيف وطأته فهو الهدوء والاسترخاء، الخروج إلى استنشاق الهواء الطلق، بعض تمارين الهادئة (مثل اليوجا أو سماع الموسيقى الناعمة الخفيفة) بل وينصح الأطباء بنسيان المحيط والانشعال بتأمل روحي يُنسي ما يجري حوله، أو ممارسة السباحة أو الركض الخفيف المعروف تحت اسم Jogging أو أيضا استعمال العصي Nord Walking، بحيث يركّز الإنسان ثقله على العصي أكثر منه على الأقدام، كذلك المحافظة على نمط عمل يومي ثابت، أهمّها النهوض من النوم وساعات الأكل المُنتظمة.
هذا ومرّة أخرى، هناك أيضًا طرق وممارسات تساعد في تخفيف الشعور بالصداع. فإن كنت تتألم من صداع قوي فعليك الانزواء في غرفة معتمة وتتمدّد على السرير، إذ الحراك الكثير أو الضوء أو الضجة العالية تزيد من الألم. وهناك من يلجأ إلى العلاجات المنزلية المعروفة، مثلا وضع منشفة مبلّلة بالماء البارد على الجبين، وفعلا هذا يخفف من الألم. أو يأخذون أدوية ومسكِّنات لا تحتاج إلى مواصفات طبيب تخفف أيضا من ضغط هذا الألم، أو أيضا أدوية فعالة يصفها الطبيب، إن كان الصداع يسبب الغثيان أو التقيؤ وهي على أنواع، إما حبوب للبلع مع سوائل لشربها أو أيضا سائل يُرِش في الأنف. الأدوية تُعطي مفعولا أكبر وأسرع، إن تناولها المصاب فورا حال شعوره بالوجع أو الصداع. وهناك حالات شديدة تحتاج زيارة الطبيب فيعطيه إبرة حقن في الوريك حتى يختلط سائلها بالدم فتصل إلى مفعول أسرع. هذا ولا ننسى أن تناول الأدوية ولمدة طويلة يُضعف من مفعولها، لذا فإن الأطباء ينصحون بعدم استعمال الأدوية لأكثر من 9 أيام في الشهر.
واليوم يلجأ كثير من الأطباء إلى استعمال الطريقة الهندية، المعروفة من آلاف السنين، ألا وهي استعمال طريقة الوخز بالإبر (acupuncture) في أطراف الآذان وخاصة في مدخل السمع. إن العلم لم يوضّح بعد لماذا هذه الطريقة ناجعة أكثر من أي طرق أخرى في معالجة الصداع، لكن لها مفعولها الإيجابي. هذا وإن كاتب هذا المقال قد جرّب أكثر من عشر مرات طريقة المعالجة هذه طبعا بإشراف طبيبه الخاص، وكانت تأتي بنتائجها الإيجابية المؤقتة.
ما هو سبب الصداع سواء الأمامي أو في مؤخرة الرأس أو في الجوانب؟ الخبراء يقولون من بين الأسباب المعروفة هو قلة شرب الماء ونقصها في الأعصاب، أو الضجة العالية أو قلّة الوقت للاستراحة، فكما يأتي هذا الألم فجائيا، يزول أيضا إذا تلاشت هذه العوامل.
هذا ونقول إنّ ليس كل وجع رأس هو صداع بل هو على أنواع تحت نفس المسمى. نسبة الذين يصابون بوجع الرأس الخفيف 300 من 1000. فهناك وجع رأس خفيف ومتوسط ووجع رأس جانبي. ثمَّ ضغط في الرأس بدون ألم. وجع رأس من نصف ساعة إلى عدة أيام. وجع رأس بدون شعور للتقيؤ أو الإزعاج في العمل. بينما الصداع فيصيب ما بين 100 إلى 150 شخصا على 1000، أكثرهم من النساء أثناء العادة الشهرية. وجع الرأس يتحوّل إلى صداع إن زاد الشعور به إلى 5 مرات في الشهر ويكون عائقا للتحكم بالعمل. الشعور بضغط على العيون ونبضات القلب، التي إما ترتفع أو تهبط فوق المعدل المعروف. وجع جانبي متنقّل لكن بتغيير الجهة وأحيانا بالجهتين. هجمات الألم التي تدوم ما بين 4 ساعات إلى ثلاثة أيام (أما للأولاد فيدوم إلى ساعتين). من علاماته أنّ المصاب يتأثر من الضجة والضوء العالي او التأثير على حاسة الشم. كما ويشعر بنوبات غثيان وتقيؤ، خاصة إذا كان العمل يزيد من الألم. ويحصل عنه وميض الرموش أو موجات لمعان أو الشعور بالحساسية في الأيدي أو القدم والساق، أو نوع من الدّوخان والتقهقر في المشي وأحيانا التلعثم في النُّطُق. فالمصاب عليه أن يبتعد عن الضجة وأن يختلي في غرفة مظلمة ويغمض عينيه ويسترخي، حتى يخف الضغط والألم.
(للمقال تكملة تتكلم عن إمكانية علاج وجع الرأس والصداع)