موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣١ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٥
البابا لقضاة محكمة الروتا الرومانية: لنتفاعل مع معاناة وآمال الباحثين عن الحقيقة

فاتيكان نيوز :

 

استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة في قاعة كليمنتينا بالقصر الرسولي قضاة محكمة الروتا الرومانية لمناسبة بداية السنة القضائية ووجه للحاضرين كلمة سلط فيها الضوء على الإصلاح الذي شاءه من أجل تسهيل دعاوى بطلان الزواج سائلا ضيوفه أن يتعاملوا دائمًا مع الواقع الزوجي والعائلي باحترام كبير لأنه انعكاس لشراكة المحبة التي هي في الله الثالوث.

 

وذكر بأن هذه السنة تصادف الذكرى السنوية العاشرة لصدور الإرادتين الرسوليتين اللتين قام البابا من خلالهما بتعديل القوانين المتعلقة بإعلان بطلان الزواج. قال إن هذا الإجراء جاء تجاوبًا مع ضرورة عبّر عنها آباء السينودس لدى مشاركتهم في الجمعية الاستثنائية عام 2014، إذ طالبوا بتسهيل هذه العملية، تماشيًا مع الحاجة إلى الارتداد الرعوي والتي تحدث عنها أيضًا الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"، وكان من الضروري أن يشمل هذا الارتداد الجسم القضائي، كي يتجاوب بشكل أفضل مع من يلجأون إلى الكنيسة لتسوية أوضاعهم المرتبطة بحالتهم الزوجية.

 

بعدها ذكّر البابا بأنه شاء أن يكون الأسقف الأبرشي في المحور، إذ تُسند إليه مسؤولية تطبيق العدالة في أبرشيته. ومن هذا المنطلق كان لا بد من جعل نشاط محكمة الروتا الرومانية جزءا من الرعوية الأبرشية، وطُلب من الأساقفة أن يُطلعوا المؤمنين على هذه الإجراءات التي يمكن أن تشكل حلاً للأوضاع التي يواجهونها. واعتبر فرنسيس في هذا السياق أنه من المحزن أحياناً أن ندرك أن المؤمنين لا يعلمون بوجود هذا الحل، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة أن تكون هذه الإجراءات القضائية مجانيةً لأن الكنيسة ينبغي أن تعبّر عن المحبة المجانية للمسيح، الذي خلّصنا جميعا.

 

من هذا المنطلق، مضى الحبر الأعظم إلى القول، يتعين على الأسقف أن يشرف على وجود أشخاص مكرسين وعلمانيين في أبرشيته، من أصحاب الكفاءات، يقومون بهذا النشاط بطريقة عادلة ومتنبهة. وشدد فرنسيس في هذا السياق على ضرورة الاستثمار في تنشئة وتدريب هؤلاء الأشخاص، على الصعيد العلمي والإنساني والروحي، بشكل يعود بالفائدة على المؤمنين، الذين يستحقون اهتمامًا خاصًا بقضاياهم، حتى عندما يلقون تجاوبًا سلبيًا من قبل السلطات المعنية.

 

هذا ثم شدد البابا على ضرورة أن يقود هذا الإصلاحَ وتطبيقَه الاهتمامُ بخلاص النفوس، ولا بد أن نتفاعل مع معاناة وآمال العديد من المؤمنين الباحثين عن حلول لأوضاعهم الشخصية، وعن المشاركة الكاملة في الحياة الأسرارية. وذكّر فرنسيس بالكلمة التي وجهها إلى المشاركين في دورة دراسية نظمتها محكمة الروتا الرومانية عام 2016 عندما سلط الضوء على ضرورة مساعدة المؤمنين الذين عاشوا خبرة من الزواج باءت بالفشل.

 

مضى البابا إلى القول إن القوانين التي تحدد الإجراءات القضائية الواجب اتّباعها عليها أن تضمن بعض المبادئ والحقوق الأساسية، لاسيما مبدأ الحق في الدفاع واعتبار الزواج قائما. وذكّر فرنسيس بكلمات البابا بندكتس السادس عشر إلى محكمة الروتا عام 2006 عندما لفت إلى أن الهدف من هذه الدعاوى ليس زيادة تعقيد حياة المؤمنين وزيادة الخلافات، إنما خدمة الحقيقة. وهذا المبدأ شدد عليه أيضا البابا بولس السادس في كلمته إلى محكمة الروتا عام 1975 عندما تحدث عن ضرورة تبسيط هذه الدعاوى دون أن تُعرض للخطر معايير الحقيقة والعدالة.

 

تابع الحبر الأعظم كلمته مذكرا الحاضرين بأن الإصلاح الذي شاءه لا يرمي إلى تسهيل بطلان الزواج إنما إلى الإسراع في الدعاوى لأن إطالتها تجعل المؤمن يعيش لفترات طويلة مراحل صعبة من الشكوك. ولذا طالب البابا بتعجيل البت في القضايا حيث يظهر جلياً بطلان الزواج، بشكل يصب في صالح المؤمنين ويساهم في تهدئة الخواطر. وأشار أيضا إلى أن الإصلاح يتطلب فضيلتين هامتين خلال عملية تطبيق القوانين، ألا وهما الحذر والعدالة، وذلك في ضوء المحبة.

 

ثم دعا البابا ضيوفه إلى التعامل مع الواقع الزوجي والعائلي باحترام كبير، لأن العائلة هي انعكاس حي لشراكة المحبة التي هي الله الثالوث. وذكّر بأن الزوجين المتحدين بسر الزواج نالاً هبة "عدم انحلال" الزواج، وهذا ليس هدفًا يصلان إليه بجهدهما وليس واقعًا يقيد حريتهما، إنما هو وعد من الله. وأكد أن التمييز الذي يقوم به القضاة بشأن بطلان الزواج أو عدم بطلانه يسمح للمؤمنين بالتعرف على حقيقة واقعهم الشخصي وقبول هذه الحقيقة.

 

في ختام كلمته ذكّر البابا فرنسيس الحاضرين بأن الكنيسة تُسند إليهم واجباً مطبوعاً بمسؤولية كبيرة وبجمال كبير أيضا، ألا وهو المساعدة في تنقية العلاقات بين الأشخاص وترميمها. وتمنى الحبر الأعظم أن يملأ السياق اليوبيلي الذي نعيشه عملَ ضيوفه بالرجاء الذي لا يخيّب.