موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٢ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣
الأب د. لويس حزبون يكتب: أهمية كلمة الله في الكتاب المقدس

الأب د. لويس حزبون :

 

يعتبر الكتاب المقدس أصل الإيمان المسيحي ومصدره، وفيه كل ما يختص بالإيمان والحياة الروحية، وفي هذا الصدد قال المجمع الفاتيكاني " اعتبرت الكَنيسَة دائماً ولا تزال تعتبر الكتاب المقدس قاعدة مطلقة لإيمانها". (المجمع الفاتيكاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، 21). وهو الخبز السماوي اليومي لكل مسيحي حقيقي ومرشده في الحياة والموت. 

 

يشير الكتاب المقدس إلى أهمية كلام الله من خلال التشبيهات التالية:

 

الخبز: "إنَّ الخُبزَ النَّازِلَ مِنَ السَّماء هوَ الَّذي يأكُلُ مِنه الإِنسانُ ولا يَموت" (يوحنا 6/50). وفي هذا المعنى جاء قول المجمع "احترمت الكَنيسَة دوماً الكتب الإلهية كما احترمت جسد الرب نفسه. فإنها لا تنثني تأخذ خبز الحياة، خاصة في الليتورجيا المقدسة، سواء عن مائدة كلمة الله أو عن مائدة جسد المسيح لتقدمه للمؤمنين. (دستور عقائدي في الوحي الإلهي، 21).

 

النار والمطرقة: "أَلَيسَت كَلِمَتي كالنَّار، يَقولُ الرَّبّ وكالمِطرَقَةِ الَّتي تُحَطِّمُ الصَّخْر؟" (إِرْمِيا 23/ 29). وأيضًا "النور "كَلِمَتُكَ مِصْباح لِقَدَمي ونورٌ لِسَبيلي" (مزمور 119/105).

 

العسل: "وأَحْلى مِنَ العَسَلِ ومِن قَطرِ الشِّهاد" (مزمور 19/11ب).

 

الذهب: "هي أشَهى مِنَ الذَّهَبِ ومِن أَخلَصِ الإِبْريز " (مزمور 19/11أ).

 

السيف: "اتَّخِذوا لَكم خُوذَةَ الخَلاص وسَيفَ الرُّوح، أَي كَلِمَةَ الله " (أفسس 6/17).

 

الزرع: "إِنَّكم ولِدتُم وِلادةً ثانِيَة، لا مِن زَرْعٍ فاسِد، بل مِن زَرْعٍ غَيرِ فاسِد، مِن كَلِمَةِ اللهِ الحَيَّةِ الباقِيَة" (1 بطرس 1/23؛ متى 13/3-9). المطر: كما يَنزِلُ المَطَرُ والثَّلجُ مِنَ السَّماء ولا يَرجِعُ إِلى هُناك دونَ أَن يُروِيَ الأَرض ويَجعَلَها تُنتِجُ وتُنبِت لِتُؤتِيَ الزَّارعَ زَرعاً والآكِلَ طَعاماً 11 فكذلك تَكونُ كَلِمَتي الَّتي تَخرُجُ مِن فمي: لا تَرجِعُ إِلَيَّ فارِغة بل تُتِمُّ ما شِئتُ وتَنجَحُ فيما أَرسَلْتُها لَه (أشَعْيا 55/10-11).

 

وقد أشاد آباء الكَنيسَة والقديسون والمفكرون بالكتاب المقدس ونذكر من أقوالهم:

 

"هو المسيح حاضر في كلمته، لأنه هو الذي يتكلم عندما تقرأ الكتب المقدسة في الكَنيسَة" (المجمع الفاتيكاني، دستور في الليتورجيا المقدسة، 7).

 

"الكتاب المقدس هو كلام الله، وهو يشبه أرضاً طيّبة، تعطي ثماراً، بمقدار ما يُقلّبها القارئ. وفهْم كلام الله يقتضي أن نتدبّره بالبحث المتواصل، لأن الأرض التي يقلبها الحرث عدة مرات، هي أكثر استعدادا لتعطي حصاداً أوفر وغلّة أفضل". (القديس غريغوريوس الكبير).

 

"الكتاب المقدس هو أشبه ما يكون بالعطور: تفوح روائحها الذكية، بمقدار ما نقلّبها بين أصابعنا" (القديس يوحنا فم الذهب).

 

"لو زجّ بي في السجن وسمح لي أن آخذ كتاباً واحداً لاخترت الكتاب المقدس" (الشاعر ألماني يوهان فولفغانغ فون غوته).

 

"الكتاب المقدس أحسن كتاب منحه الله للبشر" (أبراهام لنكولن – محرر العبيد في أمريكا).

 

"العهد الجديد من التوراة، هو الكتاب الأفضل الذي عرفه، أو سيعرفه العالم" (ديكنز شارل Dickens).

 

"كل حكمة العالم قد ضمّها هذا الكتاب " (ايوالد ـ كبير النقاد العصريين).

 

"أعطني الكتاب!" فسأله ابنه: "أي كتاب تريد؟" أجاب سكوت: "يوجد كتاب واحد فقط يجب أن ندعوه الكتاب وهو الكتاب المقدس ". ولتر سكوت، كاتب بريطاني مشهور، وهو على سرير الموت خاطب ابنه البكر)

 

ويطالب المجمع الفاتيكاني أن " تتسع الطريق أمام المؤمنين للوصول إلى الكتاب المقدس" (المجمع الفاتيكاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي). ويهيب خصوصاً بالاكليريكيين مناشداً إياهم "أن يتمسكوا بالكتاب المقدس، وذلك بأن يستمروا في القراءة المقدسة وفي الدارسة العميقةلمجمع الفاتيكاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، 25)، "والتأمل فيه يوميًا ليتخذوا منه الغذاء والتشجيع" (المجمع الفاتيكاني، قرار مجمعي في التنشئة الكهنوتية، 61، قرار مجمعي في تجديد الحياة الرهبانية الملائمة لعصرنا، 6). و"معرفة المسيح يَسوعَ التي لا توصف" (فيلبي 3/8).

 

لذا يجب أن نعزز ذلك الحب العذب والحي للكتاب المقدس الذي يشهد له تقليد الطوائف الشرقية والغربية على السواء. والواقع يزداد درس الكتاب المقدس وانتشاره يوماً بعد الآخر إذ يبلغ من أسفاره الآن أكثر من 30 مليون نسخة كل عام.

 

يحتل الكتاب المقدس مكانة مرموقة في العلوم الأخرى كعلم اللاهوت والليتورجيا والدراسة والتربية والثقافة:

 

في الليتورجيا والاحتفال بالطقوس تقرأ نصوص الكتاب المقدس في القداس وتشرحها العظة ومنها تستمد أيضًا المزامير التي ترنّم. وتأخذ الأسرار حركاتها ورموزها من الكتاب المقدس (المجمع الفاتيكاني، دستور في الليتورجيا المقدسة، 24). إن الجماعات المسيحية، على اختلاف لغاتها وثقافاتها، قد وجدت على مر القرون وتجد اليوم أيضاً غذاءها في هذا الكتاب فلا عجب أن يقرأوا المزامير والعهد القديم والرسائل والإنجيل، في أثناء القيام بالشعائر الدينية.

 

في علم اللاهوت: يرتكز علم اللاهوت المقدس على كلام الله المكتوب ارتكازا ثابتاً، وفيه قوتاً ومتانة وفتوة دائمة... لهذا يجب أن يكون درس الكتب المقدسة بمثابة روح علم اللاهوت المقدس (المجمع الفاتيكاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي،25).  فاللاهوت العقائدي يجب أن يشرح وفقاً لتصميم يعرض أولاً مواضيع الكتاب المقدس نفسها (المجمع الفاتيكاني، قرار مجمعي في التنشئة الكهنوتية، 16).

 

في التربية: قال بولس، رسول الأمم في هذا الصدد: " فكُلُّ ما كُتِبَ هو مِن وَحيِ الله، يُفيدُ في التَّعْليمِ والتَّفنْيدِ والتَّقْويمِ والتَّأديبِ في البِرّ" (2 طيموتاوس 3/ 16).

 

في تمدن الأمم: تأسست على مبادئه القويمة أمم عظيمة، فكان الكتاب المقدس أساسا لشرائعها، وسبباً لعظمتها ونجاحها، وتفوقها وارتقائها في سبل الحضارة ومضمار التمدن؛ ورغما من تقدم العصور التي كتب هذا الكتاب فيها، يعتبر هذا الكتاب صالحا للشعوب كلها في شتى أوقات تاريخهم، وما زالت أهميته تظهر بأثرٍ واضح ٍ لبني البشر كلما تقدَّموا في حياتهم.

 

 

1. مخطط الله في الكتاب المقدس

 

يحتوي الكتاب المقدس على الوحي الذي كشفه الله عن نفسه للإنسان حيث أراد الله أن يكشف نفسه ويعّرف من هو ولا سيما أن يُبيِّن له بـأيَّة محبة يرغب أن يعيد إلى الإنسان صورته الإلهية الأولى الذي عليه خلقه.

 

لم يكشف الكتاب المقدس هذا الوحي من خلال أفكار تجريدية إنما من خلال حوادث وأفكار وصلوات الشعب. ويمكن أن نقول إن الله أوحى ذاته، ومصير الإنسان في التاريخ، على مرحلتين:

 

المرحلة الأولى: اختار الله الشعب العبراني بين الشعوب المختلفة ليكون شعباً خاصا، ووضعه في أرض الميعاد لتقديمه للشعوب الأخرى كشعب شاهد ومؤمن ونموذجي. شعب مؤمن في "الكلمة" الإلهية المدوّنة كي يبشر الشعوب الأخرى وعد الله في تدخله لخلاص البشر، وشعب شاهد لحضور الله في العالم، وشعب نموذجي لمن يريد أن يعيش بالإيمان كي يخلص.

 

المرحلة الثانية: اختار الله من هذا الشعب الذي له "التَّبَنِّي والمَجْدُ والعُهود والتَّشريعُ والعِبادَةُ والمَواعِدُ "(رومة 9/ 4)، اختار امرأة وهي مريم – رمز إسرائيل القديم – كي تكون بقوة الرّوحَ القْدُس (لوقا 1/35) أماً بحسب الجسد ليَسوعَ المخلص والمسيح أي الممسوح. بيد أن رؤساء شعبه لم يعرفوه بل رفضوه وأدانوه لكن الله أقامه من بين الأموات فحقق لكل الشعوب أن يكونوا أبناءً بالإيمان بناءً على الوعد الذي قطعه للآباء الأقدمين (أعمال الرسل 13/23).

 

كل من يقبل – انطلاقا من إيمانه ورجائه ومحبته – عمل الله الآب الذي أتمّه بالرّوحَ القْدُس في ابنه الحبيب الوحيد، واعترف بأن يَسوعَ رب لا ينال فقط غفران خطاياه بل يُنقل إلى ملكوته (غلاطية 4/7) ملكوت بر وعدل وسلام وفرح (رومة 14/17).

 

بالمسيح الذي هدم كل حاجز بين الله نحن كلنا مدعــــوون لنصبح خلقاٍ جديداً، من أبناء وطن القديسين، ومن أهل بيت الله وأن نكون الشعب الجديد وبالتالي نموذجاً وشاهداً ومؤمناً. نموذج لتلك الحياة البشرية الذي يريدها الله لنصبح أبناءه، وشاهد لحضور الله الحقيقي والفعّال في تاريخ البشر والمؤمن الذي يبشر لجميع الناس بأن في يَسوعَ تمت وعود الله.

 

 

2. مفهوم الكتاب المقدس

 

الكتاب المقدس هو مجموعة من الكتب أو الأسفار التي تمتد على أكثر من عشرة قرون حررها بإلهام إلهي كتّاب اختارهم الله من أماكن وأزمنة مختلفة وبأنواع كتابية مختلفة تخبرنا عن العهد الذي قطعه الله مع شعب إسرائيل القديم بواسطة موسى (العهد القديم) وأتمه في يَسوعَ (العهد الجديد)، وقد اعترفت السلطة الدينية بمصدرها الإلهي. وبعبارة أخرى الكتاب المقدس هو عبارة عن الأسفار الموحاة من الله والمتعلقة بخلق العالم وفدائه وتقديسه، وبتاريخ معاملة الله لشعبه، ومجموع النبوءات عما سيكون حتى المنتهى، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع بني البشر في كل الأزمنة والأمكنة.

 

وورد في الكتاب المقدس عدة تسميات له في العهد القديم والجديد، أهم التسميات في العهد القديم هي: "كتاب الرب" (أشَعْيا 34/16)، "كتاب" (إِرْمِيا 30/2، باروك 1/1)؛ " سفر " (حَزقِيالَ 2/9، زكريا 5/1)، "الأسفار" (دانيال 9/2). أما في العهد الجديد فدُعي "الكتاب" (يوحنا 2/22، أعمال الرسل 8/32، رومة 9/17، 11/2، 1 قورنتس 2/9، غلاطية 3/5، 1 طيموتاوس 5/18، يعقوب 2/8، 1 بطرس 2/6)، "الكتب" (متى 21/42، مرقس 12/24، لوقا 20/34، 24/32، يوحنا 5/39، أعمال الرسل 18/24، 15/24 بطرس 3/16)، "الشريعة" (لوقا 10/26) ليست الشريعة قوانين خارجية، بل واجب تلبية المحبة بالمحبة (تثنية الاشتراع 10: 12) و"كلام الله" (رومة 9/6).

 

 

3. ميزات الكتاب المقدّس هي:

 

أ) كتاب مقدس: كتاب مقدس، لأنه يتضمن حقائق أوحى الله بها، كما أنه كُتب بإلهام الرّوحَ القْدُس. وتؤكّد العبارة:" هكذا قالَ الرَّبُّ " (أشعيا 7/ 3؛ 1صموئيل 10/ 18؛ 1 ملوك 11/ 38؛ أشعيا49 / 7؛ إرميا 2/ 2؛ حزقيال 11/5؛ عاموس 1/ 3؛ ميخا 3/ 5؛ نحميا 1/ 12؛ حجاي 1/6).  إن الكتاب المقدس هو كلام الله. ما من كتاب يحتوي على هذا الكلام سوى الكتاب المقدس الذي ترد فيه هذه العبارة مئات المرات. ففي سفر النبي مَلاخي الصغير نقرأ هذه العبارة 24 مرة، وهكذا يجزم الكتاب المقدس أن الله هو المتكلم. فهو كتاب مقدس لانّ المُتكلم فيه الله، ولأنه يُقدِّس من يقرأه بإيمانٍ وتقوى.

 

ب) كتاب إلهي وبشري: كتاب إلهي من حيث مصدره، حيث أن الله هو مؤلفه الرئيسي: لأنه هو الذي أوحى الحقائق الدينية وألهم أناساً أن يكتبوا هذه الحقائق. كما أنه إلهي من حيث موضوعه إذ هو كلام الله الذي يعلن لنا سره وأعماله ومقاصده، بل هو الله نفسه، يُنادي ويدعو ويعلمنا عن ذاته. وكتاب بشري: من حيث مصدره، لأن الله ألهم أناساً أن يكتبوا هذه الحقائق في تفكيرهم، وتعبيرهم، وبمزاجهم، ولهجتهم وأسلوبهم وعواطفهم وثقافتهم وإنشائهم بكل حرية ومسؤولية، مما يتناسب مع وضع أهل زمانهم والمتكلمين بلغتهم. فمثلاً نص أشَعْيا كثير الرونق، عالي الطبقة، حاد اللهجة، فخم التعبير، وأما نص إِرْمِيا فسَهلِ، عامي اللهجة، دون حدة، مع أن كليهما إلهاماً من الله ويتكلما باسمه تعالى. ويؤكد المجمع الفاتيكاني هذه الحقيقة بقوله: "إن الله هو واضع الكتاب المقدس. إلا أنه استخدم لكتابتها أناسًا وهم يملكون كمال قواهم وطاقاتهم وعمل فيهم وبهم على أن يدوِّنوا، بصفة كونهم كُتاباً حقيقيين" دستور الوحي الإلهي،11). كما أنه بشري من حيث موضوعه، إذ يتناول تاريخ خلاص البشرية. إنه يشمل السيرة البشرية كلها في كل زمان ومكان. وهو ليس تاريخ البشرية فحسب، بل تاريخ كل نفس. فإن كلام الله سر تنازُل ولقاء داخلي "يؤالف الإنسان مع الله والله مع الإنسان" على حد قول القديس ايرينيوس. فالإنسان عبر هذا التاريخ يعرف ذاته ومبدأه وغايته.

 

يميّز المسيحيون بين بشارة الخلاص التي تحمل إلى البشرية وبين الشكل أو "الغلاف" الذي تُقدم به هذه البشارة. وعليه فجميع المسيحيين يعتقدون أن تلك الرسالة هي من الله وبالتالي هي حق؛ أما الشكل فهو غير منوط بالله وحده، بل بمحرر الكتاب وهو، شأنه شأن جميع الناس، محدود ومعرض للخطأ.  وتعتقد الكنيسة الكاثوليكية أننا نقرأ رسالة الله فيما ينوي الله أن يعلمنا إياه من خلال المُحرر البشري؛ وقد يكون لهذا المُحرر البشري نظريات خاطئة أو معلومات مغلوطة، مما يترك أثراً له في النص الكتابي؛ إلا أن ذلك يعود إلى الشكل الذي تنقل فيه الرسالة.

 

ج) كتاب موحى: "فكُلُّ ما كُتِبَ هو مِن وَحيِ الله" (2 طيموتاوس 3/16). وردت لفظة الوحي مرة واحدة في الكتاب المقدس تحت شكل: (ثيوبنيستس) (أي الله تنفس) أي اثر الفكر الإلهي، أي فكر الله في فكر البشر الذين استخدمهم الله في كتابة الكتاب المقدس. فجاء كل ما كتبه أولئك البشر في الكتاب المقدس، هو ما كتبه الله. فالوحي عبارة عن كشف الله عن ذاته أو عن مشيئته أو عن حقيقة دينية لفرد لينقلها باسمه تعالى للآخرين، وليس بوسع الإنسان أن يصل إلى هذه الحقائق من ذاته. وبعبارة أخرى الوحي هو تأثير روح الله على عقول وأفكار الناس الذين كتبوا أسفار الكتاب المقدس. "فأطلعنا على سر مشيئته، أي ذاك التدبير التي ارتضى أن يعدّه في نفسه منذ القدم" (أفسس 1/9) انظر رسالة يوحنا الأولى 1/ 2-3، رسالة بطرس الثانية 1/ 3-4).

 

ويبيّن المجمع الفاتيكاني طبيعة الوحي بقوله: "سر الله، في عطفه وحكمته، يكمن في إظهار ذاته واطلاعنا على سر مشيئته (أفسس 1/ 9) الذي به يتوصل البشر إلى الآب في الرّوحَ القْدُس، بالمسيح الكلمة ويصيرون شركاء في الطبيعة الإلهية (أفسس 2/18)، حيث إن الله غير المنظور (قولسي 1/15) بفيض من محبته للبشر، يُكلمهم كأحباء (الخروج 33/11) ويتحدث إليهم (باروك 3/38) ويدعوهم إلى مشاركته في حياته ويقبلهم فيها. ويقوم الوحي بالأعمال والأقوال. فالأعمال التي حققها الله في تاريخ الخلاص تبرز الحقائق التي تعبر عنها الأقوال، والأقوال تعلن الأعمال وتوضح السر الذي تحويه والمسيح هو وسيط الوحي بكامله وملؤه في آن واحد" (المجمع الفاتيكاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، 2).

 

بيد أن الإعلان لا يعني الوحي لانَّ الإعلان هو الإخبار عن الحق الذي يمكن اكتشافه، والوحي هو تسجيل الحق. الوحي الإلهي هو تلك القوة الخارقة التي أعطاها روح الله لأولئك الذين كتبوا الأسفار المقدسة ليقودهم ويرشدهم في استخدام الكلمات التي كانوا يستعملونها، وليحفظهم جميعاً حتى لا يقعوا في أي غلطة.  ويوضّح القديس بونافنتورا الأسقف "ليسَ الكتابُ المقدَّسُ ثمرةَ أبحاثٍ بشرية. إنّما مصدرُه هو الوحيُ الإلهيُّ، الآتي من لَدُن أبي الأنوار، الذي منه كلُّ أُبُوَّةٍ في السماءِ وعلى الأرض. منه وبابنِه يسوعَ المسيح يُفاضُ الروحُ القدُسُ فينا" (المقدمة: مجموعة المؤلفات 5، 201-202).

 

وقد ميّز توما الأكويني بين ثلاث مراحل كبيرة للوحي: أ) قبل الناموس مع إِبْراهيم. ب) تحت الناموس مع موسى. ج) تحت نعمة المسيح مع الرسل. وعلى غرار ما حدث في العهد القديم ظهر الوحي في العهد الجديد تدريجياً. نستطيع أن نحدد ثلاث مراحل: أ) إعلان مجيء ملكوت الله الذي يَسوعَ هو مؤسسه (ابن الإنسان). ب) إظهار المنهج الجديد المؤدي إلى الخلاص. يتطلب هذا المنهج الإقلاع عن الخطيئة والاندماج في المسيح، الأمر الذي يجعل المسيحي " إنساناً جديداً". (غلاطية 20:2). ج) إظهار يَسوعَ كسيّد وابن الله، كنور وحياة وإظهار الرّوحَ القْدُس والصلات بين الاقانيم الإلهية.

 

د) كتاب مُلهم: الإلهام هو نفحة حيوية من روح الله (دافع إلهي باطني) دعت شخصيات كثيرة، ومن بلاد عديدة، وخلفيات متباينة، لكتابة تحت رعايته تعالى كلمته الموحاة التي سبق وبُلغت إلى الناس بالعمل والكلام. فلا ينزع الله من الكاتب حريته كانسان مفكر، ولكنها تعطي له قوة وإمكانية للتعبير عن كلام الله بكلامه البشري.

 

واعتقد اليهود بإلهام الكتاب المقدس (إِرْمِيا 36/2، مكابيين الأول 12/9) وحافظوا على الكتب التي دُوّنت فيها أعمال الله كما حافظوا على تلاوتها في مجامعهم. وعند ذكر آية من آيات الكتاب المقدس كانوا يسبقونها أو يتبعونها بعبارة "قال الرب" أو "قول الرب". واعتقد المسيحيون أيضًا بإلهام الكتاب. فكتب بطرس يقول:" لم تأتِ نبوءة قط بإرادة بشر، ولكن الرّوحَ القْدُس حمل بعض الناس على أن يتكلموا من قِبل الله" (2 بطرس 1/21). وفي هذا الصدد علّم المجمع الفاتيكاني الثاني بأنّ: "الكتاب المقدس هو كلمة الله، كُتب بإلهام الرّوحَ القْدُس" (المجمع الفاتيكاني، دستور الوحي الإلهي 11،9).  

 

إذا نظر المسلم إلى الكتاب المقدس، لاحظ بسرعة أنه يختلف عن القرآن الكريم كل الاختلاف. فالقرآن كتاب واحد، ونقله بلغة واحدة رجل واحد خلال حقبة من الزمن استمرت 23 عامًا. وعلى عكس ذلك فالكتاب المقدس مجموعة من او67 أو 73 كتابًا ألفت أو جمعت بلغات مختلفة طوال فترة زمنية دامت 1500 سنة. وعني بالعملية المعقدة التي نتج عنها إنشاء هذا الكتاب، عدد كبير من المؤلفين المُلهمين لم يحفظ لنا التاريخ أسماء الكثيرين منهم. لذا تعكس الأسفار تنوعًا في الأساليب التاريخي وما يعرف بالفنون الأدبية.

 

أنشأ إسرائيل كشعب أدبا كاملا بمختلف فنونه، وأهمها: الروايات: وهي نصوص تذكر بالماضي لإعطاء عقلية مشتركة للجميع.  وتساعد الفرد للانتماء إلى الشعب، والملحمة غايتها إثارة الحميَّة والإشادة بالأبطال لذلك تتسم بزخرفة التفاصيل، والقوانين غايتها هي تنظيم الشعب والعيش المشترك، والليتورجيا والاحتفالات والرتب تعبِّر عن العيش المشترك وتظهر صلة الإنسان بالله.  والقصائد والتراتيل والمزامير هي عبارة عن مشاعر الشعب وإيمانه، وأقوال الأنبياء هي أقوال رسمية من قبل الله لتوجّه إلى الإيمان الصحيح، وتعليم الأنبياء والكهنة ويتم بشكل إرشاد أو روايات أو قصص، والمؤلفات الحكمية هي تفكير في المسائل الإنسانية الكبرى: ما هي الحياة والموت والحب، لماذا الشر والألم.

 

بعض هذه الأسفار تطور تطورًا بطيئًا على مر القرون، وصاغه بصورته النهائية كتاب ملهمون مجهولون، على نحو ما كان من أسفار موسى. وبعضه الآخر كتبه في ظرف معين أناس معروفون، وهذا شأن رسائل القديس بولس. والفنون الأدبية المستعملة في الكتاب المقدس تشمل التاريخ الشعبي (أسفار موسى)، والنبوءة (أسفار عاموس وارميا وسواهما)، والتعليم الحكمي (أسفار أيوب، والأمثال والجامعة وما إليها)، وإعلان الإيمان (الأناجيل)، ورسالة التعليم (رسائل بولس وبطرس ويوحنا ويعقوب)، والنشيد والصلاة (المزامير أو الزبور)، والرؤيا (سفر دانيال، رؤيا يوحنا).

 

هـ) كتاب منزل: فالوحي هو كلام الله المنزل ومعناه أن الحقيقة التي يوحيها الكلام منزلة أي معصومة عن الغلط، لا من حيث صيغة الكلام، إنما من حيث الحقيقة الموحاة التي يحواها الكلام، لأن الله صادق لا يَغش ولا يُغش. ويقول الكتاب "إن كلمتك حق" (يوحنا 17/17) ولذا يصرّح المجمع: " لما كان ينبغي أن تُعد جميع أقوال المؤلفين الملهمين، أو كتّاب الأسفار المقدسة أقوال الرّوحَ القْدُس، فإنه من الواجب الإقرار بأنَّ أسفار الكتاب المقدس تعلم بثبات وأمانة ومن غير خطأ الحقيقة التي أراد الله أن تودع من أجل خلاصنا في الأسفار المقدسة (المجمع الفاتيكاني، دستور الوحي الإلهي،11).  فالحقائق هي معصومة عن الغلط، أما الكلمات التي تعبر عن الحقائق فليست منزلة. إنما هي كلمات المؤلف البشري صاغها بموجب إنشائه الشخصي.

 

و) كتاب قانوني: القانون باليونانية يعني "القصبة" وهي أداة القياس وكانت تعني الحقيقة المُقاسة، وهنا كتاب قانوني يعني أن أسفار الكتاب المقدس التي حدَّدتها الكَنيسَة بإقرار عام 200، هي موحاة ومُلهمة من الله استناداً على التقليد المقدس، فالتقليد أو التواتر هو كلمة الله التي عهد بها المسيح الرب والرّوحَ القْدُس إلى الرسل، وسلمت كاملة ‘إلى خلفائهم، لكي يحفظوها ويعلموها وينشروها بكل أمانة من خلال التبشير، ينيرهم روح الحق (تسالونيقي 2/15). ويقول المجمع الفاتيكاني في هذا الصدد: " أن الرسل قد سلموا ما قد استلموه.... وهكذا فإن الكَنيسَة، بتعليمها وحياتها وطقوسها، تخلد وتنقل للأجيال بأسرها كل ما هي عليه وكل ما تؤمن به... وبفضل هذا التقليد يتضح للكنيسة قانون الأسفار المقدسة بأكمله (المجمع الفاتيكاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، 8). فاليهود اعترفوا بقانونية 83 سفرًا كُتبت بالعبرية ولم يعترفوا بقانونية سبعة أسفار كُتبت باليونانية. وهي: سفر طوبيا ويَهوديتُ والحكمة ويشوع بن سيراخ وباروك والمكابين الأول والثاني وقسم من سفر استير.

 

أما المجمع المسكوني عام 1546 فقد قرر أن أسفار العهد القديم القانونية هي 45 سفراً وأما أسفار العهد الجديد فهي 27 سفراً. فلقد أستتر كُتّاب كثيرون وراء أسماء بعض الرسل ليثبتوا كتاباتهم التي أتت لإعطاء أمور لم تذكرها أناجيلنا القانونية وعن طفولة يَسوعَ أو آلامه.... ولقد اعتبرتها الكَنيسَة منذ بداية القرن الثاني كتباً منحولة. وقد تميزت هذه الكتب بخيالها الواسع وشغفها للعجيب ومن بينها: " إنجيل يعقوب" الذي يضع بشارة العذراء قرب العين، و"إنجيل متى" الذي يجعل النخيل ينحني أمام مريم لتقطف منه وهي هاربة إلى مِصْر...

 

و) كتاب خالد: بعد أن كلّم الله الآباء قديمًا مرّات كثيرة بلسان الأنبياء كلامًا مختلف الوسائل، كلمنا بهذه الأيام الأخيرة بالابن "المسيح هو كمال الوحي، إذ حيث أتمّه وثبّته بشهادة إلهية ففتح عهدًا جديدًا نهائيًا لن يزول أبدًا ولا مجال لانتظار أي وحي جديد علني" (المجمع الفاتيكاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، 5). وأكد يَسوعَ هذه الحقيقة بقوله: "الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن يَزولَ حَرْفٌ أَو نُقَطَةٌ مِنَ الشَّريعَة حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ شَيء، أَو تزولَ السَّماءُ والأَرض" (متى 5/8). وفي هذا المعنى جاء قول لوثر: "الكتاب المقدس ليس تحفة أثرية، أو كتابًا عصريًا، بل كتاب خالد".

 

ز) كتاب تاريخ الخلاص: كتاب تاريخي لأنه ثمرة وحي امتد عدة قرون (عشرون قرناً تقريباً) والذي وصل إلى القمة في شخص السيد المسيح، حسب تعبير القديس بولس " إن الله، بعدما كلّم الآباء قديماً بالأنبياء مرّات كثيرة بوجوه كثيرة، كلّمنا في آخر الأيام هذه بابن جعله وارثاً لكل شيء وبه أنشأ العالمين" (عبرانيين 1/1)، والمسيح محور هذا الكتاب هو شخصية تاريخية ظهرت في فترة معينة من الزمن. وحوادث حياته مسجّلة في كتب ووثائق لا يمسّها أي شك.

 

ح) كتاب إيمان: "وإنما كُتبت هذه لتؤمنوا بأن يَسوعَ هو المسيح ابن الله" (يوحنا 20/31). آمن تعني لغوياً وثق به وأركن إليه وصدّقه، فالإيمان هو التصديق المطلق. والإيمان في المفهوم اللاهوتي هبة إلهية بها نصدق تصديق مطلق بكل ما أوحاه الله وألهمه لفهم الكتاب المقدس الذي يحتوي على حقائق تفوق إدراك العقل البشري حيث يحتاج الإنسان إلى الإيمان "إن الله، منبع الوحي، الجدير بالطاعة والإيمان" (رومة 16/26، قورنتس 2 10: 5ـ6) وإلى معونات الرّوحَ القْدُس الذي يحرك القلب ويوجهه نحو الله ويفتح بصائر العقل "(المجمع الفاتيكاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي،5). بالإيمان يفوّض الإنسان أمره إلى تدبير الله بكامل حريته، فيخضع له تماماً عقله وإرادته، ويقبل عن رضى الحقائق التي يكتشفها له العقل في معرفته الطبيعية للحقيقة مستنداً إلى اليقين الذي بدوره يستند إلى وضوح موضوع المعرفة. وما الدين إلاَّ معرفة الإنسان لله عن طريق عقله، وأما ناحية الإيمان، فالعقل يستند إلى وضوح الشهادة التي تأتي إلينا من الله نفسه عن طريق الأنبياء والكتب المُلهمة وأخيراً عن طريق المسيح ورسله، ومن هذا المنطلق يمكننا الاستنتاج أن من يقرأ الكتاب المقدس لا كهاوٍ للأدب أو عاشق للتاريخ القديم بل كمؤمن فإنه يدخل في حوار الكتاب المقدس الذي يدعوه لاتخاذ قرار عميق في حياته ومعناها، وفي المسائل الجوهرية المتعلقة بوجوده، فالكتاب المقدس يحيل القارئ إلى الإيمان المعاش. كما أن الإيمان المعاش يحيله إلى الكتاب المقدس حيث تتأصل جذوره.

 

ط) كتاب حياة: فالكتاب المقدس هو ينبوع الحياة الحقيقية "دُوِّنت تلك الآيات لتؤمنوا بأن يسوع هو المسيح ابن الله، فإذا آمنتم نلتم باسمه الحياة" (يوحنا20/3-5،31/39، تثنية الاشتراع 4/1 و8/1 و3 و30/15-20 والمزمور 119). كان هذا الموضوع يُعالج غالبًا في بيئات الربانيين، حيث كانوا لا ينفكّون عن تصفّح الكتب المقدسة. تقدم الإنسان ولا يزال يتقدم كل يوم بآراء متعددة عن ذاته، آراء مختلفة ومتناقضة أيضاً. وأنه وفقاً لهذه الآراء ينظم نفسه كقاعدة مطلقة أو ينحط حتى القنوط؛ ومن هنا شكه ومضايقته. وأن الكثيرون يشعرون شعوراً عميقاً بهذه الصعوبات، فالمؤمنون يستطيعون أن يأتوا بجواب مسترشدين بالوحي الإلهي في الكتاب المقدس، جواب ينجلي فيه وضع الإنسان الحقيقي فتبدو تعاسة الإنسان بكل وضوح، ولكن يمكن مع ذلك أن نبني كرامته ودعوته. (المجمع الفاتيكاني، دستور عقائدي في الكَنيسَة وعالم اليوم، 12). ومع ذلك ليس للكنيسة دائمًا جواب مباشر لكل هذه الأسئلة، وإن كانت هي التي تحافظ على وديعة كلام الله وتنهل منه مبادئ النظام الديني والأدبي. غير أنها ترغب في الجمع بين نور الوحي وخبرة الجميع، لتسليط الأنوار على الطريق التي أخذت تنهجها البشرية.

 

ي) كتاب واحد: ليس كتاب واحد من حيث وحدته الخارجية بل من حيث وحدته الداخلية. فهو يتكون من مجموعة الأسفار، وكل سفر فيها كُتب في أوقات متباعدة زمنياً، وترتبط الأسفار بأزمنة مختلفة في التاريخ وفي مناطق جغرافية مختلفة أيضاً، ولكن كتاب واحد بفضل من جمع هذه الأسفار بوحدته القائمة على تسامي الكتاب وفكرته الدينية.

 

كتاب كلمة الله: الكتاب المقدس ليس مجرد كتاب فيه كلام عن الله، بل كتاب يتكلم فيه الله مع الإنسان، وهذا ما يثبته مؤلفوه: " ليس كلاماً فارغاً لكم، بل هو حياة لكم" (تثنية الإشْتراع 32/47). ومؤلفو الكتاب المقدس هم لسان حال كلمة الله الموجهة إلى كل إنسان في كل زمان وفي كل مكان.

 

كتاب شعب الله: الكتاب المقدس هو ليس كتاب الله فحسب إنما كتاب شعب الله أيضاً. كتاب شعب الله لأنه، من ناحية، لا يدوي في الكتاب المقدس صدى كلمة الله إلى المؤمنين فقط بل كلامهم إلى الله. فهم يبحثون عن حياتهم ويكتشفون الطرق المؤدية إلى الله. ومن ناحية أخرى فالكتاب يدعو الناس في كل مكان وكل زمان إلى الالتحاق بشعب الله، في خطوات الآباء والأنبياء ويَسوعَ وتلاميذه. فهو كتاب شعب الله ولكنه كتاب شعب لم يكتمل بعد.

 

كتاب شعب بلادنا: إن معظم الكتاب المقدس كُتب بحسب عقلية بلادنا المقدسة وبيئتها. إنه يعود بنا في معظم صفحاته إلى فلسطين جغرافيًا وتاريخيًا. فمن أراد أن يفهم الكتاب المقدس عليه أن يقرأه في ضوء بلادنا وجغرافيتها وبيئتها. فمسؤوليتنا هي أن نكون في طليعة من نتعلم الكتب المقدسة، فهي قادرة أن تجعلنا حكماء "فنبلغ الخلاص بالإيمان الذي في المسيح يَسوعَ" (2 طيموتاوس 3/16).